ثنائية نصرالله وسليماني
ناصر قنديل
– منذ استشهاد القائد قاسم سليماني وكلمات السيد حسن نصرالله في تأبينه وشرح مميزاته وأدواره ومسيرته، ومرة تلو مرة، تظهر الثنائية التي مثلها اجتماع السيد نصرالله والشهيد سليماني في إدارة معارك عقدين من المواجهات التي ولد من رحمها محور المقاومة، وتحققت بنتيجتها انتصارات غيّرت وجه المنطقة، وأسست لتغيير عالمي نشهد طلائعه ووقائعه الجديدة، ولعل السيد نصرالله عندما تحدّث عن ملاقاة الإرادات الوطنية لقوى المقاومة في بلدان المنطقة لما جاء به سليماني من كفاءات ومهارات وأخلاقيات مستندة لوزن الجمهورية الإسلامية وقرارها بدعم شعوب المنطقة ومقاومتها، كان يدرك أن نظرة سليماني لدور السيد نصرالله، التي عبر عنها سليماني مراراً في أحاديث ومواقف وصولاً للقبلة على رأس السيد واعتباره قائداً لمحور المقاومة، كانت تلاقي نظرة السيد لسليماني بوصفه روح المحور ونبضه.
– أول المشترك بين نصرالله وسليماني يتجسّد بطبيعة العلاقة العميقة لكل منهما بالإيمان والتدين وقيادة الإمام الخامنئي، وفي هذه الثلاثية يصل الصدق الى حد عدم التوقف أمام أي حسابات في التعبير عن كونها ركائز يُعيدها كل منهما على مسامع أي محدث يسأل عن سر السحر في شخصية كل منهما، وعبقريتها، وأخلاقياتها، فيجيب، إنه الصدق في الإيمان والتدين والعلاقة بالسيد الخامنئي وقيادته. وثاني المشترك هو هذه الميزات الشخصية الأخلاقية وفي طليعتها التواضع واللياقة والصدق، ثم الكاريزما الشخصية المستمدّة من ذكاء وألمعية ودماثة ولباقة التحدث وتدفق الأفكار ووضوح الرؤية وإتقان فنون الحديث والمنطق والحوار والجدل، والتمكّن المعلوماتي والثقافي والتاريخي والعلمي، وإتقان معارف واتساع مدارك العلم في السياسة والإدارة والشؤون العسكرية، وربما لا يعرف الكثيرون حجم التعمّق الذي يجمع بين السيد نصرالله والشهيد سليماني في فهم الشؤون الاقتصادية، وإدراك كل منهما بقوة لخطورة ظواهر الفساد.
– يجمع بين نصرالله وسليماني تميّز كل منهما بعمق الوطنية الراسخة، السيد نصرالله لبناني حتى النخاع الشوكي، والشهيد قاسم سليماني إيراني حتى نقي العظم، وفي كل خطوة يُقدم عليها أي منهما أو قرار يتخذه، يضع في حسابه كيف يمكن أن يكون بلده على ضفة العلو والرفعة والتقدم والازدهار، لكنهما نظرا من منظور واحد، وهو أن تحقيق ذلك يرتبط بـ هدفين متلازمين، إسقاط الهيمنة الأميركية على المنطقة، وزوال كيان الاحتلال، حيث لا استقرار ولا تنمية في أي دولة من دول المنطقة ما بقيت «إسرائيل» صاحبة اليد العليا فيها. و»إسرائيل صاحبة يد عليا ما دامت الهيمنة الأميركية تملك هذه اليد. وهذا هو الفهم المشترك لهما لمكانة الثورة الإسلامية بقيادة الإمام الخميني وتالياً قيادة الإمام الخامنئي، كما هو فهم لمعنى ودور قوى المقاومة ووحدة شعوب المنطقة تحت رايتها،. ولذلك بقدر ما يقيس السيد نصرالله خطواته بصناعة القوة للبنان، ويقيس الشهيد سليماني خطواته بدرجة تحقيقها لرفعة إيران، فكل منهما فلسطيني وسوري وعراقي ويمني حيث يستدعي الأمر. وهذا ما تقوله السيرة وتؤكد الوقائع ونصوص الخطاب أنه قانون ثابت للمواقف.
– رغم حجم الخسارة وإدراك السيد نصرالله حجم الأعباء التي خلفها غياب سليماني على عاتقه، فهو ينطلق من يقين أن شهادة سليماني زادت محور المقاومة وقواه قوة ومنعة، وربما يكون مشهد إحياء ذكرى سليماني الثالثة في إيران تعبيراً عن معنى دور سليماني في إحباط ما يُدبّر لإيران، وهو شهيد، بما لم يكن متاحاً له فعله قبل الاستشهاد، وإذا كان الحفاظ على الثورة والجمهورية وصية من وصايا سليماني تتحقق بقوة شهادته، فإن سليماني شهيداً لم يغب عن مساندة السيد نصرالله في مسعاه مصالحة سورية وحركة حماس، ولا كان غائباً عن مسار العلاقة التركية السورية التي كان يوليها اهتماماً خاصاً، كما لم يكن غائباً عن معركتي سيف القدس ووحدة الساحات ومعادلات الردع التي أنتجتها، بل وعن معادلات القوة التي فرضت حضور المقاومة في فرض قبول طلبات لبنان في ملف ثروات النفط والغاز.
– الشهيد سليماني يؤدي دوره في الثنائية مع السيد نصرالله، كما كان يؤدي دوره قبل الشهادة، وربما هذا ما عناه السيد نصرالله بالحضور القويّ رغم الغياب، فهو يفتقده على الصعيد الشخصي والعاطفي، لكنه لا يشعر بفراغ في أداء الدور. الرامي إلى وضع ضوابط استثنائية وموقتة على التحاويل المصرفية والسحوبات النقديّة.