دبوس
الجيش الذي لا يُقهر
يحدثنا التاريخ بأنّ عنترة بن شداد، الفارس الأسطوري، كان يحطّم الفرسان أمامه بلا رحمة، ويهزم جيشاً جرّاراً دون أن يرفّ له جفن، ويطيّر الرؤوس، ويقدّ الأجساد بسيفه قدّاً، ويطحن عظام من يتجرّأ على منازلته، ولكن عنترة الواقع شيء آخر، يرويه الفارس العربي بلا مبالغة وبلا خيال شاطح، يقول عنترة، أقابل الفارس منهم فنشتبك للتوّ في معركة طاحنة، ونتبادل الضربات، فيسقطني على الأرض، فأتشبّث بساقه وأضطره إلى السقوط معي، فنتدحرج فتارة أكون فوقه، وتارة أخرى يكون فوقي، ويعضّ على يدي، وأعضّ على إصبعه بالنواجذ، وأنزف دماً، وينزف هو أيضاً دماً مهراقاً، ولربما يكون ما أنزفه أكثر مما ينزفه، ولكنني أبداً لا أصرخ صرخة الألم، لأنّ صرخة الألم في هذا الاشتباك، ستعني أنني هُزمت في الداخل، وهذا ما لا أفعله ولو نزفت قنطاراً من الدم، ولكنني أنتظر المقاتل الآخر حتى يصرخ صرخة الألم، فأعلم بأنه قد فقد القدرة على مزيد من التحمّل، وأنه يريد ان يخرج من الصراع، وأنه قد هزم في الداخل، فأعلم أنّ لحظة الحسم قد أزفت، فأوجّه له الضربة القاتلة…
هذا هو عنترة الواقع، وليس عنترة الأسطورة، البطل الذي لا يُقهر، كان يألم، وكان ينزف، وكان يصبر، وكان يتلقى الضربات، ولكنه كان في كلّ الأحوال يحافظ على عنفوانه وعلى صموده ولا يُهزم في داخله أبداً.
ألا يذكّرنا هذا البطل المغوار بالجيش العربي السوري، يألم، يتلقى الضربات، يكرّ ولا يفرّ، ويصمد في مواقعه مقبل غير مدبر، يعضّ على الوجع، ولكنه لا يطلق آهة الألم أبداً، تصدّى لنصف مليون من أشرس مقاتلي العالم وأكثرهم توحّشاً، مدعومين بالتأييد والتسليح من تسعين دولة، ومال بالتريليونات، فقام هذا الجيش بإلحاق الهزيمة بكلّ هؤلاء… أليس هذا الجيش وبالرغم من ضيق ذات اليد، وخذلان القريب، وتجبّر وتغوّل العدو وإمكاناته اللامتناهية، أليس هو الجيش الوحيد في هذا العالم، وبحقّ، هو الأوْلى بأن يُطلق عليه، الجيش الذي لا يُقهر؟
سميح التايه