مقالات وآراء

ذكرى ولادة عبد الناصر… التحديات ذاتها

إبراهيم ياسين

تأتي الذكرى الـ 105 لولادة الزعيم الراحل جمال عبد الناصر والأمة العربية تواجه تحديات خطيرة تهدّد وجودها وأمنها نتيجة الحروب الأميركية والصهيونية التي تُشنّ ضدّ الدول العربية بواسطة القوى الإرهابية بهدف تفكيكها وتمزيقها وإخضاعها للهيمنة الاستعمارية الغربية بقيادة الولايات المتحدة الأميركية.
في حين يزداد التوسع والعدوان الصهيوني في فلسطين المحتلة بهدف الاستيلاء على ما تبقى من الأرض الفلسطينية وتهويدها وصولاً إلى تصفية قضية فلسطين.
أولاً ـ على صعيد فلسطين: نتوقف عند مركزية القضية الفلسطينية في فكر جمال عبد الناصر ونضاله القومي ضدّ الصهيونية والاستعمار واعتبار قضية فلسطين أولوية أساسية لتحرر الأمة من قيود الاحتلال والاستعمار والتبعية وتحقيق وحدتها القومية واستطراداً تقدمها وازدهارها. ولا شك أنّ هذه الرؤية التي جسدها عبد الناصر تتأكد اليوم في أنّ الخطر الصهيوني لا يزال يشكل تحدياً مستمراً لا بدّ من مواجهته والتصدي له عبر المقاومة المسلحة، لا سيّما بعدما ثبت بأنّ نهج التسويات والمفاوضات زاد من هذا الخطر وشجّع العدو على مواصلة عدوانه.
فقضية فلسطين طوال فترة تسلمه سدة المسؤولية ظلّت في طليعة الأولويات وهي لا تزال راهنة خاصة مع اشتداد الصراع مع المشروع الصهيوني على أرض فلسطين المحتلة، وهي تزداد تأجّجاً في مواجهة جرائم الاحتلال ومشاريعه الاستيطانية التوسعية (نابلس جنين والقدس…)
ثانياً ـ على صعيد مواجهة مؤامرات ومخططات الاستعمار الغربي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية، حيث تواجه الأمة العربية هجمة استعمارية تستهدف فرض الهيمنة على الوطن العربي من خلال محاولات تغيير الأنظمة الوطنية الرافضة لهذه الهيمنة، وإقامة أنظمة تابعة للغرب أو من خلال استخدام الإرهاب بمتنوّعاته المختلفة لتدمير الدول الوطنية وتفكيكها إلى كيانات طائفية ومذهبية وعرقية، أو عبر شنّ الحروب الاقتصادية ضدّ هذه الدول بفرض الحصار عليها لزيادة معاناة شعوبها كما يحصل حالياً في سورية عبر ما يُسمى “قانون قيصر” بعد فشل الحرب الإرهابية لتحقيق أهدافها، وكما يحصل حالياً في إيران، حيث تشنّ أميركا وحلفاؤها حرباً ناعمة متعدّدة الأشكال من الحصار الاقتصادي إلى أعمال التخريب التي تنفذها الجماعات الإرهابية وغيرها من الجماعات المرتبطة بالاستخبارات الغربية والصهيونية.
إنّ كلّ ذلك يؤكد على ضرورة مواصلة النضال الوطني والقومي ضدّ الصهيونية والاستعمار باعتبار ذلك أولوية الأولويات كما كان ينادي دائماً الزعيم جمال عبد الناصر.
ثالثاً: أما على الصعيد الوطني اللبناني فإننا لا نزال نعيش أزمة متعددة الأوجه ناتجة عن استمرار التهديد الصهيوني واستمرار احتلال العدو لأجزاء من أرضنا اللبنانية وانتهاكاته لأجوائنا وسيادتنا وكذلك نعاني من الحصار الأميركي الذي يطال كلّ مناحي الحياة الاقتصادية والمالية والخدماتية، يساعده في ذلك خضوع أطراف أساسية في الطبقة السياسية لإملاءات الولايات المتحدة الأميركية وهو ما يتجسّد بشكل واضح في امتناع رئيس الحكومة وغيره من الأطراف السياسية التابعة عن قبول الهبات الروسية والإيرانية لحلّ مشكلة الكهرباء وتأمين الوقود لمعامل الكهرباء مجاناً، وكذلك الامتناع عن قبول العروض الصينية نتيجة للفيتو الأميركي.
هذا على المستوى الاقتصادي والمالي والخدماتي، أما على صعيد الأزمة السياسية فإنّ ما يعيق انتخاب رئيس جديد للجمهورية بعيداً عن التدخلات الخارجية ويعبّر عن إرادة وطنية لبنانية، إنما هو أيضاً الفيتو الأميركي حيث تسعى واشنطن إلى محاولة استثمار معاناة اللبنانيين من الحصار الاقتصادي لفرض رئيس موال لها ويشكل خنجراً مسموماً في خاصرة كلّ الوطنيين والمقاومين، وهو ما لا يمكن السماح به من قبل المقاومة وحلفائها الوطنيين خاصة بعد الانتصارات التي حققتها ومعادلات القوة والردع التي فرضتها في مواجهة العدو الصهيوني وخطط الانقلاب الأميركية لتغيير المعادلات السياسية.
لذلك فإنّ المهمة الملقاة على عاتق القوى الوطنية والمقاومة إنما تتمثل في تعزيز جهودها لأجل تحرّر لبنان من الضغوط الأميركية والحصار الإقتصادي بما يُمكّن لبنان من اتخاذ قراراته المستقلة التي تمكّنه من حلّ أزماته التي تتسبّب بها سياسات الهيمنة الأميركية، وأبرز هذه الحلول الممكنة والواقعية تنويع خيارات لبنان الاقتصادية عبر التوجه شرقاً على نسق دول عديدة في المنطقة بدأت تنحو هذا الاتجاه، ونذكر على سبيل المثال القمم الأخيرة السعودية ـ الصينيةوالخليجية ـ الصينية والعربية ـ الصينية التي دشنت اتفاقات الشراكة الاقتصادية مع الصين على الرغم من عدم رضى واشنطن.
إذاً، يمكن القول إنّ التحديات التي كانت تواجه الأمة العربية في زمن جمال عبد الناصر لا تزال قائمة وتزداد حضوراً بسبب تصاعد الهجوم الاستعماري الغربي عليها لمنع تحررها من براثن الهيمنة والتبعية وحماية الكيان الصهيوني من تهديد المقاومة لأمنه ولوجوده، لا سيّما بعد الانتصارات التي حققتها قوى المقاومة في المنطقة…

 

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى