بعد اتفاق لوزان… تبلور التحالفات الجديدة واستعدادات لحربٍ قد تكون مكلفة للغاية
لم تكد الدول الستّ الكبرى وإيران تتوصل إلى اتفاق حول ملف طهران النووي، حتّى اشتعل العالم كلّه بين معارض وموافق. وليس خافياً على عاقل أن تعارض «إسرائيل» هذا الاتفاق، بادّعاء أنّها تخشى إيران نووية. وولّد ذلك جفاءً بين واشنطن و«تل أبيب»، ربما يكون مزيّفاً!
نعم، جفاء مزيّف، إذ إنّ كل التقارير الصحافية التي تحدّثت عن الخلافات بين البيت الأبيض ورئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو، محض ادّعاءات. والدليل على ذلك، ما ورد على لسان باراك أوباما ذاته منذ أيام قليلة خلال مقابلةٍ أجرتها معه صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية، إذ قال: «إنّ أيّ إضعاف لإسرائيل خلال عهدي أو بسببي سيشكل فشلاً جذرياً لرئاستي». مجدّداً تضامن الولايات المتحدة مع «إسرائيل» على رغم الخلافات بين الحليفين حول الاتفاق المرحلي في شأن البرنامج النووي الإيراني.
إنما ما خفي على كثيرين منّا عظيم، والتقرير التالي يبلور الحقيقة القائلة إن الولايات المتحدة الأميركية و«إسرائيل» متفقّتان دائماً… حتى على الخلافات الآنية.
يُظهر لنا هذا التقرير، كيف أنّ ما يجري ليس سوى مسرحية مثيرة للقلق، ويدلّ على أن العدوان على إيران لا يعدو كونه بضع أوراق لعب على طاولة المفاوضات، والتي لا تعدو كونها ستارةً للاستعداد لضرب إيران، بغضّ النظر عن التنازلات التي تنوي الأخيرة تقديمها، ومثل هذا العدوان قد يحصل عندما تدرك الولايات المتحدة الأميركية وحلفاؤها في المنطقة أن سورية قد بلغت أوج مراحل ضعفها وأن تغيير النظام صار أمراً مستحيلاً.
يتضمّن تقريرنا أيضاً مقالين مترجمين عن الصحافة العبرية، وفيهما آراء صهيونية حيال اتفاق لوزان، وضرب إيران، والسيطرة على المنطقة.
تكلفة الحرب على إيران
كتب طوني كارلوتشي
لطالما كان الصراع الدائر في سورية صراعاً بالوكالة – يستهدف إيران بالدرجة الأولى، ثمّ روسيا والصين على التوالي. وإذا ما عدنا أدراجنا إلى العام 2007، وتحديداً إلى الصحافي الكبير في صحيفة «نيويوركر» سايمور هيرش الحائز جائزة «بوليتزر» عن تقريره «إعادة توجيه الإدارة الأميركية السياسة الجديدة واستفادة أعدائنا من الحرب على الإرهاب». فالحرب الطائفية التي تجري في المنطقة، والتي هندستها كلّ من الولايات المتحدة، السعودية و«إسرائيل» ـ عسكرت، ومنذ عام 2007، جيشاً من الطائفيين المتشدّدين.
ويستشهد التقرير بتحذير عدد من المسؤولين الأميركيين من مغبّة تدخل الغرب في التحضير للصراع والاستعداد له.
وما لبث أن تحوّل تحذير هيرش هذا ـ في وقت لاحق ـ إلى ما يشبه النبوءة، وذلك مع ظهور ما يسمى بـ«الدولة الإسلامية». إذ لوحظ أن عدم الاستقرار في سورية ولبنان كان نتيجة شروط مسبقة لحرب مقبلة مع إيران. وهذا يؤكد ما ورد في أطروحة سياسية مطوّلة نشرتها مؤسسة «بروكينغز» عام 2009 تحت عنوان: «ما هي الطريق إلى بلاد فارس؟».
ويناقش هذا التقرير، بشكل واضح، الهدف الوحيد من تغيير النظام وتحقيق الهيمنة الإقليمية للولايات المتحدة وشركائها في المنطقة، ومحاولة تأطير الصراع مع إيران تحت عناوين قضايا مثل «الأمن القوميّ» و«الاستقرار العالميّ»، والتي اتضح ـ في ما بعد ـ أنها مجرّد ادّعاءات وإشاعات كاذبة.
وعلى طول هذه الوثيقة، يعترف صنّاع القرار الأميركيون بأن المفاوضات مع إيران حول برنامجها النووي، هي إحدى الذرائع التي تُستخدَم لتعزيز التخريب السياسي من الداخل وتبرير الحرب الجارية وراء الحدود الإيرانية. والأهم من ذلك، تفصيل «بروكينغز» الصريح حول تكلفة الحرب الأميركية على إيران، من خلال «إسرائيل»، من أجل الإبقاء على سياسة الإنكار. وتنصّ تحديداً في فصل بعنوان «السماح أو التشجيع على الضربة العسكرية الإسرائيلية» ما يلي:
… إن الميزة الأبرز في هذا الخيار تذهب أبعد من الحملة الجوية الأميركية، أي إمكانية لوم «إسرائيل» لتحريضها على هذه الحملة. واذا ما أُثبتت صحّة هذا الادّعاء، فلن تعود الولايات المتحدة مضطرّةً للتعامل مع الانتقام الإيراني أو ردود الفعل الدبلوماسية التي لا بدّ أن تصاحب أي عملية عسكرية أميركية ضدّ إيران. سيُسمح لواشنطن بأن تنال حصتها، تأخير حصول إيران على السلاح النووي مع تجنب تقويض عدد من المبادرات الأميركية الدبلوماسية الأخرى.
يتناقش عدد من المهتمين حول المواقف الدبلوماسية المختلفة، مع الأخذ بالاعتبار الصيغة الأفضل لتخفيف حدّة التواطؤ «الإسرائيلي» أحاديّ الجانب لضرب إيران. ويؤكد التقرير، أن السياسة الخارجية الأميركية «الإسرائيلية» تتّحد مع دفاعات «إسرائيل» بسبب الدعم الأميركي المستمرّ. أما اليوم، فقد سيطرت التداعيات المزعومة بين الولايات المتحدة و«إسرائيل» على عناوين الصحف. غير أننا لم نجد أيّ حقيقة وراء هذه التداعيات المزعومة. فـ«إسرائيل» لا تزال تتلقى المساعدات السياسية والعسكرية الأميركية المطلوبة، كذلك فإن سياسة «إسرائيل» الخارجية مع الولايات المتحدة الأميركية لا تزال هي هي. والهدف من إثارة هذه التداعيات، إنتاج غرفة خاصة بين البلدين، بشكل يسمح للولايات المتحدة بالتبرّؤ من أيّ قرار أحاديّ الجانب قد تتخذه «إسرائيل» لضرب إيران.
وينصّ مقال نشر في «BBC» بعنوان: «تفاقم الخلاف بين نتنياهو وإدارة أوباما» على ما يلي: يبدو أن شرخاً واضحاً قد تعمّق بين الرئيس «الإسرائيلي» بنيامين نتنياهو والولايات المتحدة الأميركية بسبب اتهامها من قبل «الإسرائيليين» بتخلّيها عن محاولة منع إيران من وقف تطوير برنامجها النووي. وقد شكّك وزير الخارجية الأميركي بصحة ادّعاءات نتنياهو حول هذه المسألة. وهذا هو بالضبط ما ينص عليه تقرير «بروكينغز» عام 2009 والذي يسخر ويهزأ ممّا يسمى ردّ الفعل أحاديّ الجانب الذي قد تتخذه «إسرائيل».
في الواقع، ما من شرخ حقيقي حاصل، بل إنها الحاجة إلى تمرير سياسة الإنكار قبل القيام بفعل فاضح غير مبرّر، أو الإتيان بأيّ عنف ظالم.
الحرب على سورية: احتواء إيران
ما يجري ليس سوى مسرحية مثيرة للقلق، ويدلّ على أن العدوان على إيران لا يعدو كونه بضع أوراق لعب على طاولة المفاوضات، والتي لا تعدو كونها ستارةً للاستعداد لضرب إيران، بغضّ النظر عن التنازلات التي تنوي الأخيرة تقديمها، ومثل هذا العدوان قد يحصل عندما تدرك الولايات المتحدة الأميركية وحلفاؤها في المنطقة أن سورية قد بلغت أوج مراحل ضعفها وأن تغيير النظام صار أمراً مستحيلاً.
تؤكد مؤسسة «بروكينغز» التالي:
نخلص إلى الاستنتاج بأن أي حملة عسكرية ضدّ مواقع إيران النووية، من المرجح أن تسير جنباً إلى جنب مع توفر استراتيجية احتوائية ضرورية تهدف إلى عرقلة إيران ومنعها من إعادة تشكيل برنامجها النووي، كما ومنعها من إمكانية الانتقام من الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة، فضلاً عن التعامل مع مسألة دعم إيران الجماعات المتطرفة العنيفة وغيرها من الأنشطة المناهضة للوضع الحالي القائم.
وباعتراف الجميع، فإن جزءاً من استراتيجية الاحتواء، جاءت بمثابة محاولات تهدف إلى تدمير كلّ من سورية ولبنان ـ حيث تتمركز الغالبية الداعمة لإيران إقليمياً، وحيث حشدت إيران الدعم السياسي والجماهيري على أيّ هجوم أميركي ـ «إسرائيلي» غير مبرّر على أراضيها.
كما ويفرد تقرير «بروكينغز» فصلاً كاملاً حول دعم الإرهابيين في المنطقة بهدف مهاجمة مصالح حلفاء إيران، بعنوان «وحي التمرّد»: دعم الأقلية الإيرانية والمجموعات المعارضة. ويتحدث التقرير عن دعم المركز الأميركي القومي لدعم الحركات الاحتجاجية «NCRI»، للمقاومة الإيرانية ولجناحها العسكري، مجاهدي خلق «MEK» ـ وكانت هذه الأخيرة قد صُنّفت من قبل الولايات المتحدة على أنها منظمة إرهابية، مسؤولة عن قتل المدنيين الإيرانيين خلال عقود من الإرهاب، فضلاً عن القياديين العسكريين والمقاولين المدنيين الأميركيين.
ولكلّ أولئك الذي يواجهون صعوبة في تصديق احتمال دعم الولايات المتحدة إرهابيي «القاعدة» بهدف الإطاحة بحكومات ليبيا، مصر وسورية، نتوجه إليهم بالدعوة إلى إلقاء نظرة بانورامية شاملة على دعم واشنطن «مجاهدي خلق الإرهابيين»، في محاولة منهم للتخلص من الحكومة الإيرانية وللتعمية عن حقيقة رغبة واشنطن في تبنّي الإرهاب.
تعترف «بروكينغز» علانية بالتالي:
… حتى لو فشل الدعم الأميركي لحركات التمرّد في الإطاحة بالأنظمة والحكومات، فإن الولايات المتحدة لا تزال قادرة على إبقاء إيران تحت الضغط، وربما منع النظام من إلحاق الأذى في المنطقة أو إقناعه بالاكتفاء بامتيازات معينة حول قضايا ذات أهمية بالنسبة إلى الولايات المتحدة كمثل برنامجها النووي ودعمها حماس، حزب الله، وطالبان . وفي الواقع، فإن واشنطن قد تقرّر أن هذا الهدف الثاني أكثر عقلانية من التخطيط لإسقاط النظام.
وتصف «بروكينغز» في تفصيل استثنائيّ كيف أن الولايات المتحدة قد تسعى إلى تنظيم صفوف وكلائها الإرهابيين. وهي بذلك تقول:
تحتاج حركات التمرّد عبر التاريخ إلى وقت طويل كي تحقق أهدافها، فالمتمرّدون بحاجة إلى الكثير من الوقت كي يحسنوا اختيار قادتهم وتعيين موظفيهم، إنشاء الأسس وجمع المعدّات، تعلّم التكتيكات وإتقان استخدام الأسلحة، السعي إلى تحطيم الروح المعنوية للقوات المسلّحة الحكومية، ومن ثمّ تقويض شرعية هذه الحكومة.
وتدّعي أيضاً:
أن وكالة الاستخبارات الأميركية «CIA» ستهتمّ بدعم هذه المجموعات وتدريبها، كما فعلت على مدى عقود طويلة في كلّ أنحاء العالم. ومع ذلك، فإن واشنطن تحتاج إلى اتخاذ قرار بتزويد المجموعات بدعم عسكري مباشر.
وتقرّ أخيراً: أنه، ولأجل حماية الدول المجاورة وتأمين الملاذ للمتمرّدين، فإن أيّ تمرّد ضدّ النظام الإيراني يحتاج إلى احتضان آمن وقناةً عسكرية وإلى دعم متدفّق من الدول المحيطة بإيران.
هي استراتيجية دقيقة ترتبط بسورية. فالمعدّات والأسلحة تّقدّم للإرهابيين هناك منذ سنوات من قبل الغرب، وقد أمّن الإعلام الغربي الواسع احتكار الخطابة بهدف تقويض شرعية الحكومة السورية، فخلقت الولايات المتحدة الملاجئ الآمنة لهؤلاء الإرهابيين في الخارج السوري وتحديداً في تركيا والأردن، حيث التدفق الهائل للأسلحة، الأموال، المعدّات وكذلك المقاتلين.
وعندما ندرك جيداً أنّ الحرب الدائرة في سورية عبارة عن صراع أكبر مع إيران ـ ممهورٍ باعتراف حرفيّ، وضعه صنّاع قرار السياسة الأميركية لخدمة أهدافهم الخاصة وتنفيذها على مدى سنوات عبر الشرق الأوسط ـ يبدأ المرء باستيعاب الواجب الملحّ لهؤلاء المشتغلين الذين فضلوا في النهاية الحفاظ على ذواتهم في مقابل إيقاف العمل بهذه المهام العصيبة.
إن الجهود الروسية والصينية لعرقلة المخططات الأميركية حول سورية، تتعدّى كونها مصالح أنانية ضيقة في المنطقة، بل هي مسألة المحافظة على الذات، عبر إيقاف الصراع في سورية ومنعه من الامتداد نحو إيران، وبالتالي الجنوب الروسي، ليطاول الغرب الصيني في نهاية المطاف.
تعهدت الولايات المتحدة بإشعال الفوضى في سورية على رغم عدم الرغبة بالتخلص من حكومة دمشق. موديةً بحياة عشرات الآلاف من الأبرياء، مجسدةً قسوة السياسة الخارجية الأميركية، مسلّطةً الضوء على أن تبني الغرب الإرهاب حول العالم ربما يؤدي إلى تهديد أكثر فظاعة واستمرارية وأشدّ هولاً للسلام العالمي وللاستقرار في عصرنا الحالي.
وبينما تسدل كلّ من الولايات المتحدة و«إسرائيل» الستارة الأخيرة على تمثيليتهما الدبلوماسية هذه، فإن طلائع الفوضى الشاملة تلوح في الأفق القريب، وعلى المهتمين الاطّلاع على ملفات السياسة الغربية وفهم طبيعة المنهجية الفكرية التي يتبعونها إذا ما فكروا في فضحها والمجاهرة بها والعمل على إيقافها.
ثمّة فرصة أمام «إسرائيل»
كتب شاؤول موفاز ـ رئيس الأركان ووزير الدفاع السابق في الكيان الغاصب ـ
في صحيفة «يديعوت أحرونوت» العبرية: إن الاتفاق الذي يتبلور بين إيران والقوى العظمى، هو عملياً لقاء مصالح بين زعيمين قويين، يتطلعان للدخول إلى صفحات التاريخ.
لقد انتخب روحاني في حزيران 2013 تحت علمين: حرية الاقتصاد وتحسينه. في الموضوع الاول صار له منذ الان إنجازات، ولكن كي يفي بتعهده الثاني ويحسّن الاقتصاد، نجده ملزماً بالحرص على رفع العقوبات. وتسمح طريقة الانتخابات في إيران للرئيس أن ينتخب لولايتين من خمس سنوات. ويريد روحاني أن ينتخب مرة أخرى في 2018 ـ وإلى هناك تتجه نيّته.
أما أوباما، فقد انتخب لولاية ثانية في 2012. وهو يقود في مجال السياسة الخارجية استراتيجية جوهرها «القوة الرقيقة» ـ الدبلوماسية في ظل التهديد لاستخدام القوة. نجاحاته حتى الآن محدودة، والاتفاق المتبلور مع إيران سيعتبر قمة تاريخية اختراقية، إنجازاً هائلاً. عنصر الزمن دراماتيكي بالنسبة إليه، فعليه أن يتوصل إلى الاتفاق قبل الانتخابات القريبة المقبلة.
لقد أدّى لقاء المصالح هذا إلى بداية محادثات سرية، ولدت الاتفاق المرحلي بين القوى العظمى وإيران في نهاية 2018، إذ زرعت بذور الاتفاق المتبلور اليوم والذي في مركزه حق إيران في مواصلة تخصيب اليورانيوم. هذا هو جذر الشر.
يمكنني أن أشهد أنني في الماضي أطلعت «إسرائيل» على مسائل جوهرية من هذا القبيل. ففي كل ما يتعلق بكوريا الشمالية، أشركنا، لا بل حذّرنا من خداع تحقق. هذه المرة، على رغم الاهمية الهائلة، لم تكن «إسرائيل» في سر الموضوع، لا سيما عقب منظومة العلاقات العكرة بين نتنياهو وأوباما والتخوّف الأميركي من أن يكون من شأن «إسرائيل» أن تعرقل الاتفاق. وكان أن كشفت أمر المفاوضات السرية بين إيران والقوى العظمى، كما نشر، محافل استخبارية في «إسرائيل»، والباقي مجرد تاريخ.
على رغم جهود «إسرائيل»، فإنها لم تنجح في منع البرنامج النووي الإيراني. وفي غياب تفاهمات سرية مع الولايات المتحدة ومنظومة علاقات قوية بين الزعيمين، ستجد «إسرائيل» صعوبة في التأثير عليه في المستقبل أيضاً. فالمواجهة العلنية والتوجه المباشر إلى الكونغرس من فوق رأس أوباما لم يجديا المصلحة «الإسرائيلية» نفعاً، وساهما بقدرٍ لا بأس به في «تفاهمات لوزان».
هذه التفاهمات خطيرة جدّاً، ولكن أن تصل إلى اتّفاق مكتوب وملزم، أمرٌ مشكوك فيه. فخامينئي لم يقل بعد كلمته، وعلى أوباما أن يجتاز الكونغرس الأميركي. وفي هذه الاثناء، تواصل إيران تطوير صواريخ باليستية بعيدة المدى، تشارك حتى الرقبة من خلال حزب الله في لبنان. وفي سورية تسيطر على مناطق جديدة في العراق وفي اليمن. وتشدّد المواجهة بين الشيعة والسنّة.
لا يترك سلوك الإيرانيين مجالاً للشك. ففي نيّتهم خداع الغرب والبقاء دولة حافة نووية. والتوقيع على الاتفاق من المتوقع أن يجري في نهاية حزيران. وشهران ونصف، زمن طويل في الشرق الاوسط. لا يزال لـ«إسرائيل» الوقت للتأثير والحسم في الملعب الدبلوماسي قبل أن نكون مطالبين بخيارات أخرى.
والآن، على نتنياهو أن يحسب مساراً جديداً. أولاً، عليه أن يتوصل إلى تفاهمات هادئة مع الزعامة السنّية المعتدلة في المنطقة وأن يشركها في الخطوة. لدينا مصالح مشتركة واضحة وإمكانية كامنة لتعاون هام. ثانياً، عليه أن يبادر إلى لقاء مع أوباما كخطوة ناجعة وحرجة في الطريق إلى وقف النووي الإيراني، ولهذا الغرض، المطلوب دراسة جدّية.
على نتنياهو أن يصل إلى البيت الابيض مع عددٍ من المطالب والتوصيات المهنية، مسنودة من قادة جهاز الامن ورؤساء الكتل الصهيونية في «الكنيست». أساسها: رفع العقوبات يكون تدريجياً وقابلاً للتراجع، من الخفيف إلى الثقيل، ويستغرق ما لا يقل عن نحو سنة إلى أن يعرض الإيرانيون وصولات. لا يسمح بالبحث والتطوير في الموضوع النووي في إيران، وذلك لأنّ تخصيب اليورانيوم تقرّر إلى مستوى مدني، وهذا تحقق منذ زمن بعيد. تفكيك «مجموعة السلاح» المسؤولة عن تركيب القنبلة على رأس الصاروخ ، تقليص ترسانة الصواريخ الباليستية، وعلى إيران أن تكف عن كل انشغال في الإرهاب. ويسري الاتفاق لـ15 سنة على الأقل، ويسند برقابة دولية شاملة ومعمقة.
سيدي رئيس الوزراء، هذا اللقاء هام أكثر من كل خطاب تلقيه في الكونغرس. الآن، تحدّث مع الرئيس من القلب إلى القلب، بلا وسائل إعلام، قف عند المصالح «الإسرائيلية» بصفتك الرجل الذي كلّفه التاريخ قيادة «إسرائيل»… سافر يا «بيبي» سافر.
في «إسرائيل» يقضمون أظافرهم قلقاً
وكتب إيال زيسر في صحيفة «إسرائيل توداي» العبرية:
مع انتهاء الاحتفالات في واشنطن وطهران بمناسبة التوصل إلى اتفاق الإطار بين إيران والولايات المتحدة الأميركية وشركائها، حان وقت الحساب. ولكن حيث يتضح شيئاً فشيئاً للدول العربية السنّية المعتدلة، التي ترى نفسها كحليفة لواشنطن في المنطقة، بأن التوقع الأميركي منها ليس فقط دفع حساب الوجبة، بل أن تكون جزءاً من قائمة الطعام المعدّ لإشباع شهية إيران.
لقد قيل الكثير حول الخطر الكامن الذي ينتظر دول المنطقة، ليس فقط «إسرائيل»، من الاتفاق المتبلور بين أوباما وروحاني. هذا الخطر يكمن ليس بالتحديد في مسألة ما سيحدث في المنطقة بعد نحو عقد أو حتى قبل ذلك، عندما تقرّر إيران أنه حان الوقت لتتحوّل إلى دولة نووية. قرار كهذا لا يقف الآن على سلّم الاولويات من جهة الإيرانيين، ومن الممكن جدّاً أنهم يفضلون تأجيله لبضع سنوات إلى حين نشوء الظروف الاقليمية والدولية التي تُمكّنهم من اتخاذ قرار كهذا.
المشكلة، أنّ الدعم الذي يتلقاه الإيرانيون من واشنطن ـ ولا نتحدث عن حرّية المناورة السياسية ـ وفي أعقاب رفع العقوبات وحتى حرية اقتصادية للتجرؤ والمناكفة أكثر من السابق، في محاولة تعزيز تأثيرها الاقليمي إزاء «إسرائيل»، بل أيضاً ـ وفي الأساس ـ إزاء الدول العربية المعتدلة. أربع دوائر تأثير وتدخّل إيرانيين، ظهرت في السنوات الاخيرة في منطقتنا. وفي كل واحدة منها علينا أن نتوقع نشاطاً وتهديداً إيرانيين ملموسين أكثر من الماضي.
في الدائرة الاولى، يدور الحديث عن مواقع إيرانية موجودة منذ فترة تحت سيطرة طهران. أولها النظام السوري، نظام بشار الاسد الذي يصارع للحفاظ على حياته في دمشق وإلى جانبه حزب الله في لبنان وحركة حماس في قطاع غزة. كل هؤلاء يعتمدون عسكرياً واقتصادياً على مائدة طهران، ويحتاجون كثيراً للمساعدة الإيرانية في صراعهم للبقاء أمام خصومهم. من الواضح أن اتفاقاً أميركياً ـ إيرانياً سيُعطي إيران حرية حركة، لا بل قدرة كبيرة أكثر من السابق لتقديم مساعدات كهذه. فقراء إيران ليسوا الوحيدين الذين يمكنهم أن يستفيدوا من الثمار الاقتصادية لانفتاح إيران على العالم، إنما ـ قبل الجميع ـ مقاتلو حزب الله وحماس الذين تصل رواتبهم ومعداتهم مباشرة من جيوب الإيرانيين.
في الدائرة الثانية، نجد أنّ معظم الأراضي السورية المسيطَر عليها من قبل «المتمرّدين السنّيين»، جزء من أراضي لبنان التي لم تسقط بعد بكاملها تحت سيطرة حزب الله. وكما هو مفهوم، فإنّ الشيعة الذين يعيشون في العراق واليمن دُفعوا إلى أحضان إيران، وهي من جانبها تشجعهم على القيام بأعمال حزب الله في لبنان نفسها، والتحوّل إلى قوة إيرانية متقدمة على شواطئ البحر الاحمر وفي قلب العراق. من ناحية الولايات المتحدة وقبل التوقيع على الاتفاق النووي، فإنّ نشاطات إيران في هذه المناطق مباركة، لأن من شأنها أن تضعف المنظمات السنّية المتطرفة التي هي ـ من وجهة نظر واشنطن ـ التهديد الحقيقي للمصالح الأميركية في المنطقة.
في الدائرة الثالثة، دول الخليج، مثل البحرين ذات الغالبية شيعية، ستشعر هذه الدول من دون شكّ ـ في الفترة القريبة ـ بقوة اليد الإيرانية التي تعمل على تشجيع الشيعة على رفع رؤوسهم ضد حكامهم.
الحديث في هذا السياق لا يدور عن مخططات للمستقبل البعيد، ولكن عن نشاطات إيرانية محددة وآنية. إذ إنه أكثر مما يدفع الاتفاق الإيراني ـ الأميركي طهران باتجاه الذرّة، فهو يمنحها مكانة دولة عظمى إقليمية شرعية، شريكة في مباحثات الكبار، الدول النووية الخمس العظمى في العالم القديم أضيفت إليها الآن… إيران.
لقد طمحت إيران دائماً إلى مكانة كهذه، التي تعني، ليس فقط احتراماً، إنما توسيع النفوذ الإيراني إلى المجال المحيط لإيران بدءاً من الخليج الفارسي وانتهاءً بما يسميه الإيرانيون «حلقة الأمن الإيرانية» التي تمتد من مرتفعات إيران حتّى الشواطئ الشرقية للبحر الابيض المتوسط، وتشمل لبنان وغزّة و«إسرائيل». بهذا، يمكن تفسير القلق في العالم العربي إزاء الاتفاق الذي طُبخ في لوزان.
وهكذا، في واشنطن وطهران يحتفلون، وفي «إسرائيل» يقضمون أظافرهم قلقاً، وفي العالم العربي يستعدّون لدفع الحساب.
طوني كارلوتشي هو محلّل وباحث جيوسياسي، يكتب في مجلة «New Eastern Outlook» حيث ظهر هذا المقال للمرة الأولى.
جائزة «بوليتزر» هي مجموعة من الجوائز والمِنح تقدّمها سنوياً جامعة كولومبيا في نيويورك ـ الولايات المتحدة الأميركية في مجالات الخدمة العامة والصحافة والآداب والموسيقى.