نافذة ضوء
العقائد بالنفوس وليست بالنصوص
} يوسف المسمار
لا بد من الإقرار بأن أية عقيدة دينية كانت أو زمنية مهما كانت صائبة وصالحة وراقية يتوقف تحقيقها على نوعية اتباعها المؤمنين بها، والمدافعين عنها، والممارسين لتعاليمها، والواثقين بانتصارها.
فالأناني لا يمارس منها الا ما وافق أنانيته، والخائن لا يتظاهر بها الا لتنفيذ مآرب خيانته، والسافل لا يرى منها الا الميدان الأنسب لتمرير سفالته.
وفي مقابل هؤلاء نرى الانسان الصالح الخيِّر يمارس عقيدته صلاحاً وخيراً، والانسان الأمين المخلص يعيشها أمانة وإخلاصاً، والانسان الكريم لا يفهمها ولا يتصرف بمقتضاها إلا بأخلاق الكرام. فالانسان بسلوكه هو النافذة التي نطل بواسطتها على عقيدته وفكره وخفايا روحه ونفسه.
يهوذا كان من تلامذة السيد المسيح المقرّبين وكان مسيحياً باع معلمه بدريهمات، وبعض تلامذة النبي محمد وصحابته المقرّبين كانوا مسلمين محمديين وفتكوا بالكثيرين من اتباع النبي محمد الصالحين وصبغوا العقيدة بكل ما يمسخها ويشوّهها ويحرفها عن الأمر بالمعروف والنهيّ عن المنكر.
هذا بما يتعلق بالعقائد الدينية. أما بالنسبة للعقائد الزمنية الاجتماعية الوطنية والقومية، فالأمثلة لا تعد ولاتحصى. ليس كل تعصّب خاطئ ولا كل تعصّب صحيح.
وبناء على هذه الحقيقة، نؤكد أن ليس كل تعصبٍ إيماني ديني مدان كما أنه ليس كل تعصب علماني بريء، ولا كل تعصب علماني صائب، ولا كل تعصب إيماني ديني خاطئ. فالتعصب الإيماني الصحيح للقيم الروحية فضيلة.
والتعصب الإيماني الديني الطائفي الفاسد للخرافات والأوهام رذيلة. وكذلك التعصب العلماني العلمي المتخذ العقل شرعاً أعلى هو قيمةٌ عليا، والتعصب العلماني العلمي المتغطرس المجرد من الأخلاق السامية قمة المثالب. والتعصب الديني الطائفي او التعصب العلماني الفئوي الممزق لوحدة المجتمع والمستهتر بحياة المجتمع وتاريخه ومصيره هو نفسه في الأذى سواء جاء من رجل دين او رجل دنيا.
والناس ليسوا سواء في طبائعهم وضمائرهم. فالمجرم المرائي الذي اعتنق الإسلام المسيحي ويعتنقه مسيحيته مراءاة وإجرام. والجاهلي المنافق الذي اعتنق الاسلام المحمدي إسلامه جاهلية ونفاق.
وهل أصدق من السيد المسيح حين قال: «لا تتكلموا بالحكمة عند الجهّال فتظلموها، ولا تمنعوها عن أهلها فتظلموهم، ولا تكافئوا ظالماً فيبطل فضلكم!!».
فمسيحية المتغطرسين الظالمين مسيحية ظلم، ومحمدية الجاهليين المجرمين محمدية إجرام، وعروبة الأعراب المتوحشين المنافقين عروبة توحش وهمجية. وهذه الحقيقة لم تنجُ منها حركة النهضة السورية القومية الاجتماعية التي جعلت المعلم انطون سعاده يقول بوضوح وبدون تردّد:
«نحن هذه النهضة التي لا تتزعزع بالذي يخرج منها من المنافقين والمتآمرين والدساسين، بل تتزعزع بمن بقي ضمنها من الدساسين المفسدين».
وعلى ضوء ما تقدم يصبح القول الذي لا شك فيه ولا التباس أن قومية المنافقين والمتآمرين والدساسين نفاق وتآمر ودسّ. وان أول خطوة على طريق النصر للنهضة السورية القومية الاجتماعية عندما تفتش عن المحبين المسيحيين والرحماء المحمديين والشرفاء العرب وكل بنات وأبناء الأمة الصادقين الأعزاء الكرماء الذين لا يبيعون الشرف بالسلامة ولا العز بتجنب الأخطار، بل يعشقون الموت عندما يكون سبيلا الى الحياة الفاضلة. وخطوة النصر تكون أيضاً بتطهير نفسها من الجبناء والدساسين والمنافقين وإخراجهم من صفوفها.
*باحث وشاعر قومي مقيم في البرازيل.