حالة انكشاف في القدس
} سعادة مصطفى أرشيد*
لم يكن ما تعدّه الحكومة «الإسرائيلية» الجديدة من مخططات تجاه رام الله وعمّان سراً من الأسرار، وإنما هو سياسة معلنة، وكان مما تؤكده الحكومة ووزيرها المكلف بحقيبة الأمن القومي، أن ملف القدس والمسجد الأقصى ستكون في طليعة الملفات التي تريد حسمها بالقوة القاهرة. والحكومة حين تشتبك بالدم والحديد والنار مع الفلسطيني في جنين ونابلس، فهي تشتبك بالسياسة مع الأردن في ملف المسجد الأقصى والوصاية الهاشمية ـ الأردنية عليه. من هنا اختار بن غفير القيام بزيارة المسجد الأقصى قبل أسبوع في عملية اختبار وقياس لردود الفعل الأردنية والفلسطينية أولاً والعربية والإسلامية ثانياً ومع دول التطبيع الجديد ثالثاً، وكانت النتيجة بيانات نمطية بائسة يحفظها المواطن الحزين عن ظهر قلب.
كان الأردن قد أخذ على حين غرة عندما عرف بالاتفاق المرحلي بين منظمة التحرير وحكومة رابين عام 1993 (اتفاق أوسلو)، الأمر الذي اضطره للاستعجال في التفاوض ومن ثم التوقيع على اتفاق وادي عربة. فالوقت لم يعد في مصلحته ووجوده كدولة ووطن قد أصبح في دائرة التهديد، فتمّ (سلق) على عجل، حيث رأى العقل السياسي الأردني أنّ الأولوية هي ضمان وجود الأردن كوطن نهائي للأردنيين بداية، ثم ولأسباب تتعلق بشرعية العرش أراد المحافظة على دوره في القدس، ولكن الاستعجال جاء بالنصوص غير موفقة ومبهمة بالمعطى القانوني، إذ جاء ليقول على أنّ «إسرائيل» تحترم دوراً للأردن في رعاية المقدسات الإسلامية في القدس، وكلمة احترام مطاطة وغير ذات معنى محدّد ودقيق في هذا السياق. فقد أرادت «إسرائيل» أن ترى أنّ دور الأردن في القدس ومقدساتها، هو دور إداري بالتنسيق معها لا دوراً سيادياً.
يوم الثلاثاء الماضي عقدت في القاهرة قمة ثلاثية ضمّت الرئيس الفلسطيني والعاهل الأردني مع الرئيس عبد الفتاح السيسي، وهم أطراف التطبيع القديم مع «إسرائيل»، وذلك لبحث تطورات القضية (المسألة) الفلسطينية في ضوء التطورات الراهنة المرتبطة بتشكيل حكومة نتنياهو السادسة. وخلصت القمة إلى بيان ختامي يمكن إيجازه بعد اختصار نصه الطويل وزخرفه الإنشائي بنقطتين، الأولى: ضرورة تفعيل الجهود الرامية لاستئناف المفاوضات، والثانية: إحياء عملية السلام، بهذا تحدّد مقدار الردّ من أطراف القمة الثلاثة على مخططات الحكومة «الإسرائيلية» الجديدة وعلى أنها لا تتغيّر مهما تغيّرت الظروف فهي ثابتة، عاجزة، محنّطة في عالم يتحرك ويتغيّر.
أما الردّ «الإسرائيلي» على هذه القمة وعلى نيات الرؤساء الطيبة في السلام وفي إحياء المفاوضات معها فقد جاء عصر يوم القمة في القدس، ففي حين كان السفير الأردني في تل أبيب يهمّ بدخول باحة المسجد الأقصى من باب الأسباط الشرقي، اعترضت طريقه الشرطة الإسرائيلية وحاولت منعه من الدخول أو عرقلة زيارته، وبعد جدال بينه ومعه لفيف من المقدسيين الذين تجمهروا في المكان مع الشرطة قام أحد أفرادها بدفعه بشكل غير لائق، بعد أخذ وردّ واتصالات عابرة لنهر الأردن سمحت له الشرطة أخيراً بالدخول بعد أن أوصلت رسالتين، واحدة للقمة التي لا تزال منعقدة في القاهرة وتتحدث عن التفاوض وإحياء عملية السلام، والرسالة الثانية لكلّ من رام الله وعمّان، تقول إن لا سيادة على هذا المكان لأحد سوى دولة «إسرائيل»، وكانت (إسرائيل) قد ناورت على مدى سنوات في هذا الملف إذ منحت امتيازات مؤقتة للمصريين في القدس ومقدساتها بما فيها الإسلامية والقبطية ثم عادت وسحبتها لصالح السعوديين ثم الإماراتيين والأتراك.
وزارة الخارجية الأردنية قامت باستدعاء السفير «الإسرائيلي» في عمّان وأبلغته رسالة احتجاج وصفتها بأنها شديدة اللهجة احتجاجاً على ما تعرّض له سفيرها. في المقابل أصدرت وزارة الخارجية في تل أبيب بياناً قالت فيه إنّ السفير الأردني كان يتوجّب عليه أن ينسق زيارته مع الشرطة بشكل مسبق. وللتذكير هذا هو سفير دولة الوصاية، وأضاف بيان الخارجية بأنّ الشرطة (الإسرائيلية) هي وحدها المسؤولة عن المكان (المسجد الأقصى وبمفرداتهم جبل الهيكل) وانّ حماية المكان وإنفاذ القانون فيه أمر يعود اليها فقط، بهذا أخذ العمل «الإسرائيلي» الدخول في مرحلة الإعلان، وبما يكشف المستور، فلا اتفاقيات تنفذ، ولا تعهّدات تلتزم بها، في حين لا يملك من يفترض به التصدّي لهذه الهجمة إلا البيانات البائسة، وإلا استمرار الركض وراء أوهام التفاوض مع مَن يعلن أنه لا يريد التفاوض واللهاث وراء أوهام عملية سلام مع من لا يؤمن إلا بالقوة والسيطرة ولا يجد لنا مكاناً في وطننا…
*سياسي فلسطيني مقيم في الكفير
– جنين – فلسطين المحتلة.