كلام السيد نصرالله وازدواجية المعايير
ناصر قنديل
– من ركام حفلات الشتائم التي طاولت الكلام المعبر عن رأي وموقف وتحليل، والمستند إلى معادلات صاغها السيد حسن نصرالله من الحرب السعودية في اليمن وعليه، يصعب على الباحث عن حجة ومنطق في مواجهة ما قاله السيد إيجادهما، حتى عندما يقع على شيء من المحاولات المستندة إلى إطار وسياق يريد المحاججة، سيجد نفسه مضطراً لتنظيف النص من الشتائم التي يبدو أنها الشيء الوحيد الذي يحسب لصاحبها عند الديوان الملكي كإعلان موقف. فكل من يتجرأ، نعم يتجرأ، على المناقشة سيصنف في دائرة الخائفين أو المترددين، ويحسب كلامه الانتقادي للسيد عليه لا له، ويصير لضمان الرضا، مضطراً لحشو مقالته بسيل من الشتائم يضيع فيها ما جهد به عقله لتقديم مشروع رأي.
– الحديث عن مشروع إيراني، وعن خطر على الأمن القومي العربي، استعادات سابقة للكلام الوارد في البيان السعودي الأصلي، بما فيه الكلام عن دعم الشرعية مرة وعن حماية الأمن السعودي مرة أخرى، وكل هذه الحجج يعرف السعوديون أنها تستدعي استقامة في ممارسة السياسة على أساسها، لتصح تسميتها معايير، فلم تكن السعودية موجودة لتحمي الشرعية، لما هرب إليها الرئيس التونسي الشرعي آنذاك زين العابدين بن علي، الصديق الصدوق للمملكة الذي تأويه كلاجئ عندها اليوم، ولم تكلف نفسها عناء إصدار بيان تضامني معه، ثم فليقولوا ما هي المعايير التي تشكل اختلافاً عن الحالة اليمنية تبرر التدخل هنا وتحجبه هناك، بينما ثمة رئيسان شرعيان تصدرت المملكة لائحة الحكومات التي سعت للتدخل الأجنبي فيها، خلافاً لأي معايير للأمن القومي العربي إلا إذا صار جلب الأميركي والبريطاني والفرنسي أمناً قومياً عربياً، وتم التدخل بأشكاله المختلفة ضدهما بدعم وتشجيع من السعودية، بهدف إزاحتهما كحكمين شرعيين، ففازت السعودية ومن معها في حالة ليبيا بإسقاط الشرعية، وفشلت في حالة سورية. تبخر مفهوم الدفاع عن الشرعية طبعاً في الحسابات السعودية ليحل مكانه السعي لإسقاط الشرعية، وبقوة التدخل العسكري الأجنبي، ولو أدى للمساس بالأمن القومي العربي.
– لا يعتد هنا بالحديث عن كون الشرعية التي يتحدثون عن الدفاع عنها ترتبط بالانتخاب، بغض النظر عما نعرفه ويعرفه السعوديون عن هذا الانتخاب، فكل شيء يقول أن هزال حالة هادي أشبه بالرئيس الأوكراني المخلوع والشرعي والذي لم تكلف روسيا، روسيا الدولة العظمى، نفسها عناء المغامرة للباس ثوب الشرعية لتبرير تدخل لتثبيت حكمه، ببساطة لأن الشرعية الواقعية تقول إن الرئيس الهزيل غير شرعي، ومن قاتلتهم السعودية وغطت قتالهم لإسقاط شرعيتهم كحالة ليبيا، قالت الأحداث في بلادهم، أن حجم شرعية وشعبية الرئيس الليبي المخلوع وجدت من يقاتل ويموت في سبيلها من آلاف الليبيين، بينما الأساطيل الجوية والبحرية الأطلسية تصليهم بحممها. بالمقابل لم تجد السعودية التي تسيطر بأسطولها وأساطيل عشر دول معها على اليمن وأجوائه وبحره، من تستنهضه للقتال تحت راية هادي إلا تنظيم «القاعدة»، وبمعيار الشرعية الواقعية ونسبة التأييد كتعبير مشفوع عليها، يبدو الرئيس التونسي المخلوع اللاجئ في السعودية، بدليل انتخاب أحد رجالاته وبجمهوره للرئاسة، أقوى تمثيلاً بكثير من منصور هادي، ومثله الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك، الذي وصل الرئيس عبد الفتاح السيسي من كنف نسيجه وجمهوره، وفي كل هذه الحالات لم نسمع كلمة سعودية عن الشرعية، بل سمعنا مشاركة في توصيف الثورات، على الأقل عبر الإعلام المموّل من السعودية. وعرفنا كما عرف العالم لاحقاً، أن كل شيء كان تحضيراً لعنوان الثورة التي يحضرونها لسورية، فصارت السعودية أم الديمقراطية وحاضنة الثورات، الشرعية والديمقراطية آلهة تمر سعودية في الجاهلية، يعبدونها ومتى جاعوا يأكلونها.
– أما الحديث عن معيار الانتخاب فيمكن لدولة مثل فرنسا أو أميركا أن تختبئ وراءه لتمرير ما تراه مصلحتها، أما السعودية فأبسط المنطق يقول بتفاديها مثل هذا النقاش لأنه لا يستقيم مع معايير شرعيتها. والقبول بمعيار الشرعية الواقعية يبقى أصلح للسعوديين في مثل هذا النقاش وأستر، وبكلّ حال يمكن للمرء أن يقول ببساطة إن حجم الشرعية الانتخابية للرئيس السوري يفوق بكثير الشرعية الصورية للرئيس منصور هادي، وعلى رغم ذلك وباعتبار الشرعية أمراً سيادياً وطنياً لكلّ بلد، فلن نجادل في درجة الشرعية الانتخابية للرئيس السوري، بل نكتفي بالشرعية الواقعية أيضاً التي تقول إنه رئيس دستوري لبلده يتساوى من هذه الزاوية بشرعية هادي، وإن له بين شعبه وجيشه، ما ليس لهادي بكل تأكيد، فتصير حكاية الشرعية باهتة هنا، لانتقائيتها المرضية الفاقعة، توضع كما يضع الفاخوري أذن الجرة حيث يشاء، إلا إذا وجدنا سبباً تخفيفياً للسعودية، يتصل بالجوار، أي أن السعودية تدخلت حيث الجوار، ودافعت عن الشرعية؟
– في مثل هذه الحالة يصير على السعوديين حصر موقفهم بالمصالح السعودية من دون تناول مسألة الشرعية إلا من باب، أن يملك السعوديون شجاعة الرئيس السوري حافظ الأسد لدى دخول قواته إلى لبنان، أن سورية دخلت لتمنع تدخلاً «إسرائيلياً» وتمنع تقسيم لبنان كمصلحة تراها لبلدها وللعرب، وأن تدخلها يحظى بتغطية من الرئيس الشرعي، وليست المسألة الدفاع عن الشرعية على الطريقة السعودية، بل وجود تغطية من الرئيس الشرعي، وهي تغطية يملك الروس مثلها في أوكرانيا بطلب مشابه للتدخل من الرئيس الهارب كمنصور هادي من بلده، ولأن روسيا دولة عاقلة لم تستعمل هذه التغطية بمغامرة شبيهة بالمغامرة السعودية، وبكل الأحوال يصير السؤال بمفهوم الرئيس الشرعي في الجوار فقط، لماذا لم يتم التدخل دفاعاً عن الرئيس السابق علي عبد الله صالح الذي تعرض للاعتداء وعولج في السعودية، وبدلاً من دعمه للبقاء كما هو حال هادي، تم التآمر عليه لخلعه من الحكم، والمجيء بهادي. واليوم يقول الإعلام السعودي إن القوة التي يتمتع بها الحوثيون مصدرها الرئيس علي عبد الله صالح، رئيس مخلوع بتدخل سعودي وهو صديق سابق للسعودية وفي بلد جار، كان شرعياً وهو اليوم خارج الحكم تقول السعودية إنه أقوى شعبياً وعسكرياً من الرئيس الذي تريد السعودية حمايته، ما يعني أنه شرعي أكثر منه؟
– وفقاً لمفهوم الأمن القومي العربي وباب المندب وإيران ونفوذها، يفترض بالسعودية ومن يريد الدفاع عنها، التخلي عن استخدام مصطلح أمن قومي عربي، ببساطة لأنهم لم يشنوا حرباً للدفاع عن أي من العناوين التي تعبر عن قدر عال من الإجماع على صلتها بمفهوم للأمن، مثل الاعتداءات «الإسرائيلية» المستدامة على لبنان وفلسطين وقبلهما حروب «إسرائيل» على مصر وسورية والأردن، والغزو الأميركي للعراق، والتمركز الأميركي الفرنسي في باب المندب، وفي الخليج، وفي الأراضي السعودية، لهذا أستر وأنظم للسعودية التحدث عن شيء واحد وباللغة المباشرة، فتقول في بيان رسمي «إن ما يجري في اليمن على رغم امتلاكه قدراً من المشروعية الشعبية، يهدد بوصول نظام حكم غير موال للسعودية في اليمن حتى ولو من خلال تسوية وحوار، وهذا ما لن ترضاه السعودية التي قاتلت الرئيس جمال عبد الناصر وثورة اليمن في الستينات منعاً لمثل هذه الفرضية وتعاونت مع نظام الشاه الفارسي، والشيعي، ودفاعاً عن نظام الإمامة الشيعي، وبوجه ثورة عبد الله السلال السني، والمدعوم من جمال عبد الناصر السني رائد القومية العربية وصانع مفهوم الأمن القومي العربي. السعودية لا يهمها شرعياً أم غير شرعي ولا عربياً أو فارسياً ولا سنياً أو شيعياً ولا أمناً قومياً، يعنيها أن اليمن حديقتها الخلفية وستفرض بقوتها المباشرة وإذا استدعى الأمر احتلال اليمن. فالسعودية مستعدة للاحتلال المباشر لليمن لفرض نظام حكم موال لها».
– بعد كل هذا يبقى ما قاله البعض ضمن كومة شتائم يراد البحث فيها عن فكرة، بعض من فكرة تستحق النقاش، وتقول، إن السيد نصرالله يبرر تدخله وتدخل إيران في سورية ويجد لهما مشروعية، وفقاً لمعايير لو طبقت على التدخل السعودي في اليمن بإنصاف لوجدته مشروعاً ومبرراً، فهل هذا صحيح؟
– غداً نتابع الجواب.