حزب الله والتيار الوطني الحر: هل من خريطة طريق؟
ناصر قنديل
– أما وقد نجح حزب الله والتيار الوطني الحر في العودة إلى الحوار بعد جفاء، وقررا التناصح والتصارح، كما أعلن المعاون السياسي للأمين العام لحزب الله الحاج حسين خليل، وتظهير هذا الحوار علنا في رسالة لـ “الممغوصين” من التفاهم، كما قال مسؤول وحدة الارتباط والتنسيق في حزب الله الحاج وفيق صفا، فقد بات للعقل والتعقل مكان في الدخول على خط هذه العلاقة، التي كانت ولا تزال محوراً رئيسياً في المشهد السياسي، سواء لجهة اهتمام الحريصين على استعادتها العافية، أو سعي المتربّصين لاستهدافها، أو للموقع المفصلي الذي تحتله في صياغة موازين القوى والمعادلات التي تحكم مستقبل الاستحقاق الرئاسي، بما له من أهمية سياسية ودستورية داخلية وخارجية، والأهم أنها واحدة من أهم الثنائيات الراسخة والثابتة التي تعبر خطوط التماس بين المسلمين والمسيحيين، وفق رؤية مشتركة وارتباط وجداني، بما يتّصل بقضايا كبرى أبعد من التحالفات التكتيكية الانتخابية أو الحكومية او السياسية التي أقامها آخرون، وثبت أنها عاجزة عن البقاء والصمود، لتشكل علاقة الحزب والتيار بهذا الثبات العابر للضفاف الطائفية، قيمة استراتيجية في حفظ الاستقرار والسلم الأهلي، وفي تعزيز مصادر قوة لبنان تجاه المخاطر الخارجية للعدوان الإسرائيلي والإخضاع الأميركي ومشاريع دمج النازحين السوريين وتوطين اللاجئين الفلسطينيين.
– هذا الفهم للعلاقة، يفرض عدم الاستسهال (نسبة للسهولة، تصوره سهلاً)، وعدم الاستسحال (نسبة للاستحالة، تخيّله مستحيلا)، على قاعدة أنه إذا عجز هذان الفريقان عن إدارة علاقتهما بود واحترام تحت سقف حدود الشراكة الممكنة، فيصعب إيجاد طرفين لبنانيين آخرين من الضفتين الطائفيتين الكبيرتين تقدر على ذلك. وهذا يعني أن لبنان في دائرة الخطر. المقصود عدم استسهال الفك وعدم استسهال التفاهم على قضايا الخلاف، وعدم استسحال التوصل إلى اتفاق على قضايا الخلاف، وعدم استسحال التوصل لصيغة لإدارة الخلاف إذا تعذر التوافق، بما يحمي التحالف. والمعادلة الذهبية التي لا يجوز أن تغيب عن القيادتين، هي أن السياسة ليست فن إدارة الاتفاق التكتيكي بين حلفاء استراتيجيين، ولا فن إدارة خلاف تكتيكي بين خصمين استراتيجيين، بل هي فن وحسن ادارة خلاف تكتيكي بين حليفين استراتيجيين، وحسن ادارة تفاهم تكتيكي بين خصمين استراتيجيين.
– ما تراكم من قضايا تحتاج بحثاً بين الفريقين، وفي قلبها النظر لتوقعات التيار من حزب الله في تقديم التحالف معه على أي تحالفات أخرى، خصوصاً التحالف مع حركة أمل وتيار المردة، أو في مناقشة التيار لأسباب الفشل في عهد الرئيس العماد ميشال عون وما يعتقده دور حزب الله بعدم تقديم الدعم المناسب، تزاحمت كلها في مقاربة قضيتي اجتماع حكومة تصريف الأعمال، ووقوعها في قلب المقاربتين المختلفتين للاستحقاق الرئاسي. والحوار فرصة للفك والتركيب بين القضايا. فالمسألة الحكومية سياسية أكثر مما هي دستورية، رغم الاجتهادات التي ترافق النقاش حولها، ويكفي التفاهم على تقنين حزب الله للحالات التي يرتضي فيها المشاركة في جلسات حكومية، خلال النقاش حول الاستحقاق الرئاسي بينه وبين التيار، لضمان نوع من ربط النزاع، الذي يتكفل تبلور النقاش الرئاسي سلباً أو إيجاباً أن يضعه في إطار أوسع خلافاً أو اتفاقاً.
– بات واضحاً في الملف الرئاسي حجم تمسك حزب الله بترشيح الوزير السابق سليمان فرنجية، وحجم تمسك التيار الوطني الحر بعدم السير بدعم فرنجية كمرشح رئاسي. وكانت فترة السجال بين الحزب والتيار فرصة لاختبار كل طرف درجة تمسك الآخر بخياره، وصولاً لقول التيار إنه يفكّر بفكّ التفاهم، وردّ الحزب بأنه لا يلزم أحداً رغماً عنه، وبالمقابل إدراك كل من الطرفين صعوبة سيره بمقاربة رئاسية قابلة للتحوّل إلى مشروع واقعي دون شراكته مع الآخر، فالحزب يعلم أن إنتاج رئيس للجمهورية ضمن تحالف لا يضمّ التيار الوطني الحر ويضم القوات اللبنانية يصل حدّ الاستحالة، وأن إنتاج رئيس للجمهورية دون القوتين المسيحيتين الرئيسيتين أي التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية يعادل مخاطرة غير مضمونة وطنياً ومتعبة رئاسياً إذا توافر نصابها النيابي. والتيار يعلم أن حملة العلاقات العامة التي يمكن أن تفتح أمامه أبواب التشجيع نكاية بحزب الله ورغبة بنقل موقع التيار من ضفة الى ضفة، لن تتيح نشوء تحالف واقعي قادر على إيصال رئيس يقترحه التيار من المقرّبين الموثوقين، وما سينتج عنها إذا سار بها التيار الى النهاية لن تنتج رئيساً أقرب إليه من أي مشروع رئاسي مشترك مع الحزب بمن فيهم فرنجية. وهذا كافٍ لمنح فرص التفاهم والتوافق فرصاً حقيقية، تبدأ من الاتفاق على ان تفاهم الفريقين مسؤولية وطنية بصفته أفضل الطرق لتفادي البقاء في الفراغ، وهو لذلك يستحقّ وضع خريطة طريق للحوار.
– خريطة طريق الحوار القائمة على عدم الاستسهال وعدم الاستسحال، تبدأ من التزام الطرفين طيلة فترة الحوار بأنهما يرغبان بالذهاب بخيار موحّد في مقاربة الاستحقاق الرئاسي، وأن يستعينا بما سبق أن عرضه النائب جبران باسيل عن أولوية المشروع، وطبيعة الضمانات وهوية الضامنين، على اسم الرئيس، وترك اسم الرئيس للمرحلة الأخيرة، ولأن التحالف الذي يستطيع المجيء بالرئيس لا تكفيه أصوات الطرفين، فإن الواقعية تستدعي التفاهم على حوار الراغبين، بمسعى من الطرفين، والمرشحون معلومون، الحليف الأول للحزب الذي تمثله حركة أمل بالإضافة الى تيار المردة وسائر الحلفاء الذي يضمنون جميعاً أكثر من ستين صوتاً، ثم دعوة الحزب التقدمي الاشتراكي والنواب المستقلين. وإذا كان الاتفاق على المعادلة ذاتها، الحوار حول المشروع والضمانات وهوية الضامنين، فهذا يعني تلقائياً وضوحاً للصورة أكثر، حيث الكل يحمل في النظر للمشروع طلبات من حزب الله، سواء في النظر للاستراتيجية الدفاعية بالنسبة للاشتراكي، أو تطبيق اتفاق الطائف بالنسبة للمستقلين، أو البنود الإصلاحية السياسية والاقتصادية بالنسبة للتيار، ويطلبون من حزب الله أن يكون مَن يقدّم الضمانة في السير بهذه البنود. فمن المنطقي أن تكون كلمة الحزب مرجّحة في تسمية المرشح الرئاسي إذا تم الاتفاق حول المشروع. والمعادلة هي ببساطة، إذا تمكن حزب الله من الحصول على موافقة أمل والاشتراكي والمردة على رؤية لمفهوم الدولة، بما فيها الضمانات الخاصة بالتيار، وما كان يسمّيه الرئيس نبيه بري بالسلة الشاملة كشرط للسير بانتخاب العماد ميشال عون يومها، ورفضها التيار آنذاك، فإن التيار يلتزم بما كان يعد بري بالالتزام به اذا تم التوافق على السلة الشاملة، وما كان يعنيه يومها انتخاب بري للعماد عون، يعنيه اليوم انتخاب التيار لمرشح يضمنه حزب الله، ولو كان سليمان فرنجية.
– قد يتعذّر الاتفاق على خريطة الطريق، وقد يتعذّر المجيء بالآخرين الى حوار الراغبين، أو إقناعهم بأولوية التفاهم على المشروع. وقد يتعذر الاتفاق في نهاية الحوار، عندها يكون البحث بتنظيم الخلاف واقعياً، ولا يحتمل تقاذف التهم، ومن الممكن التوصل إلى التفاهمات المطلوبة، وأن يستصعب التيار رغم التوصل إلى التفاهمات المنشودة القبول بترشيح فرنجية. وربما يكون مثال الرئيس بري في حالة ترشيح العماد عون صالحاً أيضاً في هذه الحالة، عندما تعذّر التفاهم بينه وبين حزب الله كحليفين على التصويت معاً، بأن ذهب إلى التصويت بورقة بيضاء من ضمن التفاهم.