بيطار يعلن نفسه قاضي القضاة… واللبنانيون رهائن في دولة سلامة وبيطار/ وزير العدل أحال قراراته لمجلس القضاء… والنيابة العامة: لن ننفذ… وإبراهيم: لا تعليق/ حزب الله والتيار الوطني الحر: عودة الحوار تحت سقف صيانة التفاهم… والمصارحة/
كتب المحرّر السياسيّ
بعد تحضير شارك فيه قضاة فرنسيون أقدم المحقق العدلي في انفجار مرفأ بيروت على خطوة انقلابية أعلن فيها نفسه قاضي قضاة الدولة اللبنانية، لا يحد سلطته سلطان ولا نص ولا مرجع، لا يحتاج إذناً ولا يقبل مراجعة ولا رد، لا يعترف بالنيابة العامة ولا بمحكمة التمييز ولا سلطان لمجلس القضاء الأعلى عليه، وأصدر بموجب هذا الإعلان “الإلهي” مجموعة قرارات إخلاء سبيل وادعاءات على شخصيات أمنية وعسكرية عرف منها مدير عام أمن الدولة اللواء أنطوان صليبا ومدير عام الأمن العام اللواء عباس ابراهيم، وقائد الجيش السابق جان قهوجي، ووجّه الاستدعاءات لمباشرة الاستجوابات بناء عليها الأسبوع المقبل، ولم يصدر بيطار قراراته ولا اجتهاده القانوني ببيان رسمي، بل قام بتسريبها عبر وسائل إعلام معينة يعتمدها شريكاً دائماً في التحقيق، وقام وزير العدل هنري خوري بناء على ما نشر في الإعلام بإحالة المقتطفات الى مجلس القضاء الأعلى، “للاطلاع، ولما يمكن مما تقدم التأثير على مجريات هذا الملف وحسن سير العدالة، وبخاصة لناحية وجوب المحافظة على سرية التحقيق”.
النيابة العامة التمييزية اعتبرت وفق مصادر إعلاميّة قرار البيطار “منعدم الوجود”، بينما اكتفى اللواء إبراهيم بالقول إن القرار لا يستدعي التعليق ولن أتحدّث عن المثول أمام القضاء قبل الاستدعاء”.
على الصعيد السياسي شكل اللقاء الذي جمع قيادتي حزب الله والتيار الوطني الحر، أبرز تطوّر في المشهد السياسي، مع زيارة قام بها المعاون السياسي للأمين العام لحزب الله الحاج حسين خليل ومسؤول وحدة الارتباط والتنسيق في الحزب الحاج وفيق صفا، إلى مقر قيادة التيار والتقى برئيسه النائب جبران باسيل والقيادي في التيار النائب سيزار أبي خليل، وبعد اجتماع دام أكثر من ساعتين ونصف قال خليل، إن “حزب الله والتيار الوطني الحر يسيران في اتجاه واحد، ولسنا في حال تصادم”. وأضاف أن “الجلسة كانت صريحة جداً وواضحة في موضوع رئاسة الجمهورية والحكومة، واتفقنا أن للبحث صلة، وهذا اللقاء لن يكون الأخير” واعتبر أنه “باستقراء للمرحلة الماضية كان دائماً حرص على الشراكة مع التيار الوطني الحر. والشراكة بالنسبة لنا أساس والإخوان في التيار يعرفون حرص الحزب الدائم عليها خصوصاً في الحكومات”. بدوره، مسؤول وحدة الارتباط والتنسيق في حزب الله وفيق صفا قال: “الممغوصين من التفاهم الليلة مش ح يكونوا مبسوطين”.
مصادر متابعة للقاء والعلاقة بين الحزب والتيار اعتبرت إعادة الوصل محطة هامة في العلاقة بين الطرفين لأنها تأتي بعدما بلغت السجالات مداها الأقصى، ولم يعد هناك في السلوك السلبي إلا إعلان الطلاق، انعقاد اللقاء بذاته إعلان معاكس وقرار بتثبيت البقاء تحت سقف التفاهم، وهذا مغزى كلام صفا، وهو محطة هامة في الطريق نحو الاستحقاق الرئاسي، بعدما اكتشف الطرفان درجة تمسك كل طرف منهما بموقفه حتى لو وصل الأمر حد الافتراق، بالتوازي مع اكتشاف مصاعب بلورة خيارات رئاسية أفضل في ظل الافتراق، ما جعل الحوار بينهما مرة أخرى أقرب الى الممر الإلزاميّ لتفادي الفراغ الرئاسي، مع استعصاء فرص إنتاج رئيس من خارج الشراكة مع الفريقين معاً. وقالت المصادر إن أمام الحوار بين الفريقين تحدّ أول هو القدرة على التفاهم مرة أخرى على خيار رئاسيّ مشترك، يمكن أن يقوم على معادلة المشروع للتيار وتسمية الرئيس للحزب والضمانات عليه، وتحدّ ثانٍ هو في حال الفشل في التوافق على خيار رئاسيّ واحد القدرة على وضع إطار ودّي لتنظيم الخلاف يحول دون الافتراق.
وأكد المعاون السياسي للأمين العام لحزب الله الحاج حسين الخليل بعد لقائه رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل، «أننا عرضنا موضوع الرئاسة ومسار العمل الحكوميّ، وتناصحنا وتناقشنا وعرضنا أيضًا النقاط الإيجابية والسلبية في تفاهم مار مخايل التي مرينا فيها»، مضيفًا «أننا لسنا في حال تصادم مع التيار ونسير في اتجاه واحد.. وهذا اللقاء لن يكون الأخير».
وأضاف الخليل خلال لقاء باسيل بمركز التيار في ميرنا الشالوحي، بحضور رئيس وحدة الارتباط والتنسيق في الحزب وفيق صفا أن «الجلسة كانت غنية واستعرضنا الملف الرئاسي بإسهاب وسنكمل النقاش المهم، إذ اننا والإخوان في التيار الوطني الحر نسير في الاتجاه الصحيح ذاته».
وأشار الخليل الى أن الجلسة كانت جدًا صريحة وعرضنا الكثير من الأفكار في موضوع الرئاسة وجلسات الحكومة، مضيفًا أننا والتيار نسير باتجاه واحد «كسيارتين على أوتوستراد لن يصطدما ببعض حتى وإن أسرعت واحدة أكثر من الأخرى».
ولفت الى أن حزب الله له رأي في الموضوع القضائي، والثوب القضائي الذي يجب أن يكون أبيض تعرّض للكثير من النقاط السود، ومنها ملف المرفأ.
وقال إن «تفاهم مار مخايل قائم، ولم نرَ أي امتعاض من النائب باسيل في هذا الخصوص، ونحن في بلد فيه نقاش سياسي دائم، ونحن لسنا حزبًا واحدًا بل حزبان ولدينا طريقتا تفكير، ولكننا نعمل على المساحات المشتركة».
وأوضح أنه باستقراء للمرحلة الماضية كان دائمًا حرص على الشراكة مع التيار الوطني الحر، والشراكة بالنسبة لنا اساس والاخوان في التيار يعرفون حرص الحزب الدائم عليها خصوصاً في الحكومات السابقة. وختم بالقول: «كنا دائما على شراكة مع المسيحيين خلال فترة الرئيس ميشال عون وقبله».
ووفق معلومات البناء فإن اللقاء الذي استمرّ حوالي الـ3 ساعات تطرّق إلى جملة ملفات، لكن الأبرز فيها هو الملفان الرئاسي والحكومي.
وأشارت مصادر في التيار الوطني الحر مطلعة على اللقاء لـ»البناء» الى أن «اللقاء بحث بجدية وبالعمق موقف وهواجس ورؤية الطرفين للمشهد بالكامل في البلد وكان هناك حرص من الجانبين على عدم التخلّي عن الثوابت التي تجمعهما وعدم التفريط بالعلاقة التي بنيت طيلة الفترة الماضية، وبالتالي الحفاظ على المكتسبات الوطنية لتفاهم مار مخايل وضرورة استمرار التنسيق والتشاور، لكن هناك بعض النقاط تحتاج إلى معالجة وأن تقترن بالفعل وتتعلق باحترام بالشراكة والدستور، لكي يتصحح الخطأ الذي حصل في جلستي مجلس الوزراء الأخيرتين».
وتطرّق اللقاء وفق المصادر الى الملف الرئاسي في إطار البحث بين الطرفين عن الخيارات المتاحة وضرورة الحوار للتوصل الى توافق على مرشح، لكن لم يتمّ الدخول في التفاصيل ولم تطرح أسماء.
وشرح وفد الحزب لباسيل بحسب المصادر الأسباب التي أملت على وزراء حزب الله المشاركة بجلسة مجلس الوزراء وتتعلق بحاجات الناس، لكن باسيل شدد للوفد على أن هناك حلولاً أخرى يمكن اللجوء إليها بهذه الحالة بديلة عن انعقاد مجلس الوزراء وتهديد الشراكة وضرب الدستور، كتلك التي حصلت في حكومة الرئيس تمام سلام.
ولفتت المصادر الى أن «اللقاء ليس لكسر الجليد لأن ليس هناك جليد بالعلاقة، بل هناك تباين وخلاف في وجهات النظر ومقاربة الأمور والاستحقاقات وكيفية التعامل معها، ويجب أن تُحل بالحوار وتمّ الاتفاق على إبقاء قنوات التواصل والتشاور مفتوحة ومستمرّة».
ولفتت معلومات «البناء» الى أن التيار الوطني الحر عاتب وفد الحزب بموضوع حضور وزرائه جلسة مجلس الوزراء.
ومن جهته، أعلن رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي «أن مجلس الوزراء سينعقد حكماً لبت القضايا الطارئة، ولكن ليس من دعوة سريعة لعقد الجلسة في انتظار استكمال الملفات الطارئة التي ستوضع على جدول الأعمال». وفي حوار مع مجلس نقابة الصحافة قال: “من الملفات الطارئة التي ينبغي بتها في مجلس الوزراء إضراب المدارس الرسمية الذي دخل اسبوعه الثالث، وملف التزامات لبنان تجاه الأمم المتحدة، وإبرام عقد هبة مع البنك الدولي بقيمة 25 مليون دولار وعقود النفايات وموضوع القمح، وغيرها.»
ورداً على سؤال قال: “إن حديث البعض عن عدم ميثاقية الجلسات مغلوط، حيث شارك في الجلسة سبعة وزراء مسيحيين من أصل اثني عشر وزيراً مسيحياً. اما القول إننا نريد مصادرة صلاحيات رئيس الجمهورية فهو غير صحيح، فما نقوم به ينص عليه الدستور، في انتظار انتخاب رئيس جديد. الحل لموضوع الرئاسة يبدأ باتفاق المسيحيين في ما بينهم وبالتالي هذا الموضوع مناط بمجلس النواب وليس بالحكومة التي وجدت نفسها أمام واقع دستوري وقانوني ووطني يحتم عليها القيام بعملية تصريف الأعمال”.
وأضاف: “انتخاب الرئيس هو المدخل الى الحل من أجل إعادة الدور لكل المؤسسات الدستورية، لكون هذا الانتخاب يعطي فترة سماح لاستنهاض الوطن. واعتبر “أن الكلام عن محاولة للسيطرة على المناصب المسيحية مستغرب ولا أساس له”. واشار الى “أن ولاية قائد الجيش تنتهي بتاريخ 10-3-2024، فيما حاكم مصرف لبنان تنتهي ولايته في شهر تموز، ونأمل أن يكون قد تم انتخاب رئيس جديد وتشكيل حكومة جديدة تتولى المهام، علماً أنه حسب الدستور فإن مجلس الوزراء له الصلاحية في اتخاذ ما يراه مناسباً بأكثرية الثلثين وفق مرسوم تشكيل الحكومة. اما موضوع المدير العام للأمن العام فيحتاج الى إصدار قانون في مجلس النواب”.
وكان ميقاتي ترأس اجتماعاً للجنة الوزارية الخاصة بملف الكهرباء، في السرايا الحكومية، وتقرّرت الموافقة على “مضمون الاقتراحات المقدّمة من مؤسسة كهرباء لبنان ووزارة الطاقة والمياه، لا سيما في الشق المتعلق بإعطاء مؤسسة كهرباء لبنان سلفة خزينة بقيمة 42 مليون دولار أميركي، بما يسمح بتفريغ البواخر المحملة بالفيول، شرط عدم استعمال مخزونها، إلا بموجب قرار واضح وصريح يصدر عن اللجنة”.
كما طلب ميقاتي من وزير الطاقة والمياه إجراء مفاوضات مع المورد بهدف الإعفاء من غرامات التأخير. كما اتفق المجتمعون على عقد اجتماع ثانٍ للجنة قبل 10 شباط لتقييم مؤشرات نجاح الخطة ومتابعة تطبيقها.
في غضون ذلك، وفي خطوة مفاجئة لا يمكن فصلها عن المستجدات الأخيرة التي حصلت في ملف المرفأ، قرّر المحقق العدلي في قضية المرفأ والمكفوف يده طارق البيطار، العودة الى الملف وفق مبررات خاصة ومن خارج الأصول القانونية، وذلك بناءً لاجتهاد قانوني ودراسة قانونية معللة ومبررة بمواد قانونية، وفق البيطار.
وتبعاً لذلك، قرّر إخلاء سبيل كلّ من سليم شبلي (متعهد أعمال الصيانة بالمرفأ)، أحمد الرجب (عامل سوري يعمل مع سليم شبلي)، ميشال نحول (مدير في المرفأ)، شفيق مرعي (مدير الجمارك سابقاً)، وسامي حسين (مدير عمليات في المرفأ). كما افيد أن البيطار سيدّعي على ثمانية أشخاص بينهم المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم واللواء أنطوان صليبا.
وإذ رأت أوساط سياسية عبر “البناء” أن خطوة البيطار تأتي في إطار وسائل التصعيد التي تتبعها أطراف سياسية للضغط السياسي في ملف رئاسة الجمهورية، من اقتحام قصر العدل الى التلاعب بسعر صرف الدولار الذي تخطى أمس عتبة الـ52 ألف ليرة الى إعادة البيطار الى المشهد القضائي، رغم كف يده من قبل محاكم التمييز.
وأشار اللواء عباس إبراهيم، في حديث تلفزيوني الى أن “الادعاء الذي قدّمه المحقق العدلي في قضية مرفأ بيروت القاضي طارق البيطار لا يستدعي التعليق ولن أتحدّث عن المثول أمام القضاء قبل الاستدعاء”.
وعُلم أن البيطار ذكر أنه كان شارف على إنهاء القرار الاتهامي في هذه الجريمة وقدّر أنه بلغ حتى الآن 540 صفحة، وتبقّى من 120 صفحة إلى 150 صفحة لإنجازه. وعلى الاثر، أحال وزير العدل هنري خوري نسخة من مقتطفات قرار المحقق العدلي الى مجلس القضاء الأعلى.
وأكد مصدر قضائي لبناني، لوكالة “سبوتنيك” الروسية، أن “النيابة العامة التمييزية ستتعاطى مع القرار الصادر عن قاضي التحقيق العدلي في ملف مرفأ بيروت طارق البيطار وكأنّه منعدم الوجود، ما يعني أنها لن تنفذ قرار إخلاء السبيل ولا قرار الادعاء”. ولفت المصدر، الى أن “زيارة الوفد القضائي الأوروبي الأسبوع الماضي إلى بيروت، أعطت قوة دفع للقاضي البيطار للعودة لاستئناف التحقيقات”.
وأعرب المرصد الأوروبي للنزاهة في لبنان، عن “ارتياحه لنجاح المرحلة الأولى من التحقيق الأوروبي الذي جرى في الأيام الماضية في لبنان، حيث وضع المسار القضائي على السكة الصحيحة”، مؤكدًا أنّ “التحقيق الأوروبي مع حاكم مصرف لبنان رياض سلامة سيحصل حتماً والأرجح أن يتم في شباط المقبل”، لافتاً إلى أنه “من المتوقع أن تقوم بالتحقيق معه القاضية الفرنسية اود بوريسي”.
وحذر المرصد الأوروبي للنزاهة في لبنان “أي مسؤول لبناني من محاولة عرقلة التحقيقات عبر قنوات ديبلوماسية، لأن اللبنانيين يعانون الامرّين من جراء فقدان الاموال وانهيار الليرة”.