لماذا الكابيتال كونترول هو الجواب؟
ناصر قنديل
– تمّ تمييع وتقييد وتوسيع قانون الكابيتال كونترول بصورة جعلت لبنان البلد الوحيد في العالم الذي يشهد أزمة بحجم ترتبط بانهيار سعر صرف العملة الوطنية، ويبقى شهوراً ومن ثم سنوات دون قانون للكابيتال كونترول. والقانون له وظيفة محددة هي وضع قيود على العملات الأجنبية الخارجة من البلد، بصورة فورية وعاجلة توقف النزيف كي يتمكّن المعنيّون وضع الخطط اللازمة لمعالجة الأزمة وبدء النهوض. وكل ربط بين إقرار القانون وإجراءات المعالجة، هو تمييع القانون وتوسيع للقانون وتقييد للقانون، ينتهي بعدم إقراره، وإبقاء الفلتان المالي سيد الموقف، كما هو الحال.
– الكابيتال كونترول لا يؤمن مزيداً من الدولارات للسوق اللبنانية، فيقول البعض بناء على ذلك أن المشكلة هي بالنقص ولن يحلها الكابيتال كونترول، لكن هذا غير صحيح، فمنذ 2019 انخفض الاستيراد الاستهلاكي إلى النصف، وعندما زاد هذا العام استباقاً للزيادة في سعر الدولار الجمركي وتخزين بضائع تكفي لعامين، ووفقاً لأرقام جمعية المصارف حجم الاستهلاك الثابت سنوياً مستقر على معدل سقفه ثمانية مليارات دولار سنوياً دون فاتورة المحروقات، التي تتحرك بين مليارين وثلاثة مليارات دولار حسب السعر العالمي لبرميل النفط، وأنها تبقى ضمن هذه الحدود إذا استوردت كهرباء لبنان الفيول لتأمين ساعات تغذية كهربائية، لأن هذه التغذية ستفرض تخفيض فاتورة مازوت المولدات حكماً.
– واردات لبنان من الدولارات تعادل ضعف المستوردات، لأن التحويلات الاغترابية تزيد عن 7 مليارات دولار سنوياً، وعائدات التصدير تزيد عن 4 مليارات دولار سنوياً، وتدفقات الاصطياف والأعياد تزيد عن 5 مليارات دولار، وتحويلات الأموال المخصصة للنازحين أكثر من ملياري دولار سنوياً، لكن هذا الفائض الإيجابي في ميزان المدفوعات لا يظهر، لأن ليس لدينا كابيتال كونترول، لأن التحويلات الجارية للخارج تزيد عن حاجات الاستيراد، إما لتغطية استيراد لحساب إعادة تصدير سواء للسيارات أو للمحروقات أو سواها من السلع، وإما إعادة التصدير التي تمول من السوق اللبنانية بشراء دولارات بالليرات اللبنانية، تذهب الدولارات الناتجة عنها إلى الخارج بسبب غياب الكابيتال كونترول، وبالتوازي لأن عملية التصدير للبضائع المصنعة لبنانياً التي تتم بعد عملية إنتاج تحظى بمواد أولية ممولة من دولارات تمّ شراؤها بالليرات اللبنانية، يحتفظ أصحابها بدولاراتهم الناتجة عن التصدير في الخارج لأنهم لا يخضعون لأي رقابة، بسبب غياب الكابيتال كونترول. ولأن عائدات الاصطياف والأعياد، تبقى بالدولار في حساب أصحابها عموماً خارج المصارف، وبعضها يتم تحويله إلى الخارج، بسبب غياب الكابيتال كونترول. هكذا ترتفع فاتورة الاستيراد بسبب تجارة إعادة التصدير، لكن الزيادة تذهب إلى الخارج، بينما كلفتها تسحب من الداخل، ومثلها عائدات التصدير والسياحة، وتبقى تحويلات الاغتراب التي تأتي بالمئة ومئتي دولار ينفقها الذين يتلقوها في الداخل ويمولون عبرها طلباً يعادل ضعف قيمتها على الدولار، فينتج الارتفاع المتمادي في سعر الصرف.
– مصرف لبنان والمصارف لا يريدون إقرار الكابيتال كونترول، لأنه يقيد قدرة مصرف لبنان على سحب الدولارات من السوق مقابل الليرات التي يطبعها، ويقيد قدرة المصارف على الاستفادة من العمولات التي تتقاضاها عن الخدمات غير المشروعة التي تؤديها لزبائنها عن تحويلات المصدرين والمستوردين وأصحاب شركات السياحة، وهؤلاء جميعاً لا يريدون الكابيتال كونترول لأنهم يمنعهم من تحويل غير مشروع لأموال يجب أن تبقى في السوق اللبنانية الى خارج هذه السوق. والذين يعرقلون إقرار الكابيتال كونترول، ولو عبر تكبير الحجر بربطه بحماية أموال المودعين، يتحمّلون مسؤولية انهيار سعر الليرة، الذي يشكل أكبر سبب لضياع حقوق المودعين.
– كما أن الكابيتال كونترول هو القانون البديهيّ في حالة مثل حالة لبنان منذ اليوم الأول للأزمة، كذلك تقييد قدرة المصرف المركزي على طباعة العملة أول تشريع يُقدم عليه البرلمان في أي دولة تدخل أزمة عنوانها عجز الموازنة وتراكم الديون على الدولة من جهة، وانهيار سعر الصرف وتراجع القدرة الشرائية للعملة الوطنية من جهة موازية، وذلك كي لا يقوم المصرف المركزي بتمويل الدولة عبر طباعة العملة بدلاً من أن تقوم الدولة بتحسين وارداتها وربط الإنفاق بالدخل، وكي لا يطرح المصرف المركزي عملات مطبوعة طلباً لشراء الدولار من السوق بدلاً من أن يوازن كتلته النقدية مع متطلباته بالعملة الصعبة.
– الانهيار ليس قدراً بل هو خيار.