ياسر العظمة والحوار…
} طارق الأحمد
تأخرت متعمّداً في الاطلاع على الفيديو الذي نشره الفنان ياسر العظمة، وقد يكون السبب الرئيسي هو أنني قد تحدثت على الإعلام السوري مع أول الأحداث منتقداً كلّ السياسة الإعلامية التي تجعل جمهورنا مشابهاً للحمصي في نكتة مشهورة، هي أنه (أكل مئة كف على غفلة)…
وبصراحة فقد كان ذلك مثار نقاش محتدم بيني وبين الصديق الراحل وزير الإعلام عمران الزعبي في مكتبه، وقلت له آنذاك: كلما تعطش الجمهور للحوار ستجد الفنانين يملأون الفراغ بمواقف متضاربة ويزيدون الرأي العام تقسيماً وحتى تهشيماً، وهذا ما حصل ويحصل منذ اثني عشر عاماً إلى الآن…
وهنا سأورد رأيي بما سمعت منه أولاً:
سؤال: ما الفرق بين ما قاله بالفيديو وبين ما يمكن ان تسمعه منه ومن المئات غيره بجلسات خاصة وشبه عامة أو علنية؟ الجواب: لا شيء وتسمعه كلّ يوم.
ثم لماذا عليه هو كفنان بالذات ومع الاحترام الكامل لشخصه وغيره من الفنانين، أن يقول كلّ شيء بمنتهى الحكمة وان يجري تحليلاً سياسياً واستراتيجياً شاملاً للأزمة وعواملها ومآلات الصراع والقوى المتدخلة إلخ إلخ… كما كتب البعض وهم كتاب مرموقون، ومنذ متى كان هو أو غيره من الفنانين (مفكر الأمة) مثل ألكسندر دوغين في روسيا او ماهاتما غاندي في الهند؟
هو ببساطة من حقه أن يقول ما يشاء كما كان يقول في فنه دوماً ولكلّ الحقّ في أن يعجبه جزء أو جلّ او كلّ ما قال أو لا يعجبه شيء، وبالنسبة لي ببساطة فقد رأيت أنه يقول ما قاله من القلب بدون تكليف ولم يقرأ من ورقة وهذا ما يفكر به وهو ابن البلد وعبّر عما يدور في صدره وقلبه…
أين المشكلة؟
أصبحنا كسوريين ومنذ عقد من الزمان كجمهور في سينما شاشتها مقسومة الى قسمين، وأمامنا حركة وكلام المشخصين ولا ننفكّ نقسم الناس إلى من هو معنا ومن هو علينا، والكارثة هي أنّ البعض بات يصنّف الناس بأنهم ضدّنا ولو كان في رصيدهم آلاف التضحيات الجسام والمواقف الكريمة الوطنية، ويصنّف البعض الآخر بأنه ما شاء الله أصبح مزاوداً في مديحه والتستر على الأخطاء والعيوب ولو علم تمام العلم بأنّ مواقفه بحت انتهازية ولم يأخذ تلك المواقف المستجدة إلا بعد أن أخطأت حساباته…
بالنسبة لي فقد أقيس على مقياس الفنانين، بأنّ أؤلئك المترَفين الذين يتنعّمون بالمهرجانات ومليارات الفنّ المباع لصالح ثقافات استهلاكية تريد تنميط مجتمعنا، ولا يبالون بوضع وطنهم وشعبهم، هم الملامون وليس من تكلم بصدق وحرقة عما يدور في قلبه، وكلّ ذلك بغضّ النظر عن مقدار صحة ما يقول من عدمه، فمن قال بأنّ المطلوب منه ان يقول كلّ ما هو صحيح ومرضٍ؟ ومن قال إنّ الحقيقة تكمن عند مقال لشخص واحد، وحتى أنا وغيري حين نكتب فنحن نقول آراءنا وأفكارنا…
ثمة نقطتان هامتان برأيي ويشكلان أس المعادلة:
الأولى: انّ المجتمعات المتخلفة تهتمّ بالشهرة أكثر من الفكر وبالتالي فقد عني مجتمعنا كثيراً بمواقف لاعب كرة قدم السياسية او مطربة تغني باللهجة المصرية وبالغة الشهرة إلى حدّ اعتقد الكثيرون بأنّ على رأي من مثلهم سيتحدّد مصير البلد! وهذه طامة كبرى لأنّ من حدّد مصير البلد وحماه هم شهداؤه والذين ضحّوا من أجله وسهروا لحمايته كما أصحاب الفكر والمواقف النبيلة والرأي السديد مع صحة العقيدة.
وبالطبع فلو كان مجتمعنا أكثر وعياً وتقدّماً ولو كان مجتمعاً قارئاً ولا يؤخذ بالغرائز لكنا قد وفرنا الكثير من الدماء والتضحيات، ولا أنسى بأنّ كلّ الإعلام المعارض والموالي قد لعب دوراً خاطئاً، كما أسلفت، وهذا رأيي وأستطيع مناقشة من يريد بذلك، فمشكلة إعلامنا الوطني أنه لم يحاول خلق آلياته الخاصة بل انجرّ في كثير من الحالات للعب ألعاب الإعلام المعادي لنا مع انّ إمكانياته تفوق إمكانياتنا بما لا يتخيّله عقل.
الثانية: العلاج لكلّ ذلك يا أصدقاء يكمن في الحوار الذي كلما تأخر، ازداد الفراغ أكثر والطبيعة لا تقبل الفراغ وسيملؤه أحد ما برغبتنا او رغماً عنا، وبرأيي فلا أحد يملك الحقيقة وحده، ولذلك لا بدّ من الحوار الذي يأخذ آراء الجميع ويصوغها تحت عنوان… أنّ العاقل هو من شارك الناس عقولهم.