زمرة حاكمة ترقص على أطلال وطن !
} د. عدنان منصور*
في وطن سادت فيه زمرة متوحشة افترست شعباً بأكمله في وضح النهار، نهشت لحمه، وقضمت عظامه على مرأى من العالم كله.
زمرة أتت الى السلطة، أقدامها حافية، وأمعاؤها خاوية، فإذا بها تملأ بطونها بمال الدولة والشعب، لا همّ لها الا تجميع الثروات، ونهب المال العام، وتجويع الشعب.
بكلّ فجورها، ونهمها ووحشيتها، سحقت في طريقها كلّ من وقف في وجهها، بعد أن صادرت القضاء، وقبضت على الدستور، وعبثت بالقوانين.
زمرة لا ككلّ الزمر! فريدة من نوعها، في توحشها، وسلوكها، وفجعها، وسرقاتها، وعربدتها، وعدم إحساسها بالمسؤولية الوطنية. زمرة باغية تمادت بفجورها، ووقاحتها، التي فاقت كلّ حدود، لتجعل من بلد عزيز وشعب كريم مقهور، صغيراً في عيون الدول والشعوب، يستدرّ العطف والمساعدة، والهبات من هنا وهناك، حتى وصل الأمر بالبلد، الى من يتصدّق عليه بالمعونات، وعلى من؟! على أفراد جيشه بدولارات معدودة كلّ شهر ولمدة زمنية محددة…
يا للعار على هذه الزمرة من الزعماء الذين ارتضوا الذلّ، وأذلوا شعبهم ووطنهم بلا خجل أو حياء، أو ذرة من عزة النفس، والإباء والكرامة.
العار كلّ العار على الذين يحكموننا، ويملكون الطائرات الخاصة، والمليارات والقصور، والعقارات، والفنادق، واليخوت الفخمة، الذين وضعوا أفراد الجيش في وضع حزين، معيب، مؤلم، قاهر، ما كنا نتمناه ونرضى به، كي تتصدّق دولة خارجية على تقديم «إعاشة» شهرية بمبلغ زهيد، كان بغنى عنه أبناء جيشنا البواسل، لو لم تكن الزمرة الفاسدة، الحاكمة، المارقة في السلطة، لتضعهم في موقف حرج كانوا بغنى عنه.
انها المنظومة السياسية البالية، التي لم تحافظ على سمعة وطن، وكرامة شعب، ولا على عزة وعنفوان أفراد المؤسسة الوطنية، من قوى جيش وأمن داخلي وأمن عام، ما كانوا بتضحياتهم على الدوام، إلا درع الوطن، وسيفه، وحماته بكلّ شجاعة وجدارة، والضمانة القوية لسلامه، وسيادته، ووحدة شعبه وأرضه.
مائة دولار مساعدة أو هبة أو معونة، سمّوها كما تشاؤون يا قتلة الوطن، أباطرة النهب وعبيد المال! مائة دولار لا تعادل ثلت ما يتقاضاه أجير او أجيرة أجنبية، فلماذا هذا الذلّ!
لقد كبّلتم لبنان وخنقتموه بأفعالكم المشينة، وسرقاتكم الموثوفة، وسوء سياساتكم الفاشلة، وإدارتكم السيئة، ونهجكم الخبيث الأسود، الذي قضى على المؤسسات، والقضاء، والإدارات،
والمرافق العامة، لتوصلوا شعبه المقهور المسحوق الى ما وصل اليه، وأنتم بعنجهيتكم لا زلتم تلقون المواعظ هنا وهناك، تصرّحون، تتبجّحون، تخطبون، تنظّرون، وتتراشقون بالشتائم والاتهامات المتبادلة التي أدمنتم عليها، وأصبحت جزءاً لا يتجزأ من أخلاقكم، وسلوككم، وسيرتكم، وضميركم الميت.
مائة دولار أميركي، هبة «العم سام»، الذي يبدي سخاءه، وهو الذي يفرض على شعبنا اللبناني العقوبات، والحصار، ويمارس بحق شعبنا سياسة الإذلال، والتجويع، والتخويف، والتهديد والترهيب.
بعد «إعاشة» الولايات المتحدة، أو المساعدة، أو «هبة الشعب الأميركي» ـ لا يهمّ التسمية، سمّوها كما شئتم ـ هل سيجرؤ ويستطيع رئيس الحكومة العتيد بعد اليوم، أن يرفض طلباً محرجاً من الولايات المتحدة، ويقول لها لا، فيما لو أرادت منه أن ينفذ ما تطلبه منه، وإنْ كان الطلب حساساً للغاية!
لقد صمتت الحكومة صمت أهل القبور عندما انهالت عليها العروض السخية من روسيا وإيران والصين. عروض غير خاضعة للشروط أو الابتزاز، تصبّ كلها في صالح لبنان، لكن «نخوتها»، و»حميتها» العظيمة تحرّكت بسرعة للترحيب بـ «إعاشة» الولايات المتحدة و «كرمها».
كان حرياً برئيس الحكومة أن يقول للأميركيين وبصوت عال: ارفعوا عقوباتكم, وضغوطكم عن لبنان، قبل إظهار «مشاعركم العظيمة» حيال جيشه وأفراده، ولا نريد منكم هبة أو صدقة، أو منة. ارفعوا الحظر الذي يمنع لبنان من التحرك، والتزوّد بالغاز من مصر والكهرباء من الأردن، أو من إيران، أو روسيا إنْ كنتم صادقين، لا متصدّقين.
مع هذه الزمرة، لم يعد ينفع البكاء على أطلال الوطن. حتى الأطلال تشوّهت على يد هذه الطغمة البالية، التي آن الأوان لرحيلها، وقلعها من جذورها، بأيّ شكل من الأشكال، لا أسف عليها ولا ندم. بها لم يعد الوطن وطناً، ولا الأطلال أطلالاً. بوجودها، وعلى يديها غابت الابتسامة عن وجوه اللبنانيين، وحلّ البؤس، واليأس، ومات في داخلهم الأمل، وعمّ الفقر، واستفحل الجوع، ولم يعد في جعبة الشعب إلا لغة واحدة يردّدها في كلّ أوان: ألا لعنة الله صبي على الفاجرين، وعلى كلّ من أوصله الى هذا الحضيض!
فما الذي ننتظره ونتوقعه من هذه الزمرة بعد اليوم، غير ما يقوله الخارج عن لبنان، انّ عصابة من «المافيا» لا مثيل لها في العالم كله، تصادره، وتتحكم به، تديره كشركة ذات ملكية خاصة بها!
*وزير الخارجية والمغتربين الأسبق