أولى

السؤال المقلق: هل تردّ إيران بضرب «إسرائيل» في العمق؟

} د. عصام نعمان*

منذ سنوات تتحاربإسرائيل، بدعمٍ من الولايات المتحدة، مع إيران عن بُعد. الحرب الناعمة بينهما ما كانت تجري في أراضي أيّ منهما. “إسرائيلركّزت هجماتها على مواقع ادّعت انها لإيران في سورية، كما على مواقع ظنّت أنها لحليفها حزب الله في لبنان، وأخرى لحليفها الآخر، الحشد الشعبي في العراق.

إيران كانت تردّ بترفيع تسليحها لحزب الله، كما للحشد الشعبي. حزب الله، أقوى حلفاء إيران الإقليميين، تمكّن من مواجهةإسرائيلبنجاح منذ سنة 1982، وألحق بها هزيمة مدوّية بإكراهها على إنهاء احتلالها للشريط الحدودي في لبنان سنة 2000 من دون قيد ولا شرط، كما بإحباط حربها الضارية على لبنان والمقاومة سنة 2006. الى ذلك، دعمت إيران حزب الله وفصائل سوريّة مقاوِمة في الجولان ما مكّنها من دحر تنظيمداعشوحلفائه في جنوب البلاد، كما دعمت حزب الله في تعاونه مع الجيش العربي السوري لطردداعشوحلفائه من شمال شرق سوريا، وطرده كذلك من منطقة القلمون الجبلية غربيّ دمشق، وفي دعمه الجيش اللبناني أيضاً لإجلاءداعشعن الجبال شرقيّ مدينة بعلبك اللبنانية.

 الحرب عن بُعد بينإسرائيلوإيران انتهت، او كادت، بقيامإسرائيلبضرب موقع صناعي وعسكري في أصفهان الواقعة في عمق إيران ما أدّى، وفقاً لبيان إيراني، إلى إلحاق تخريب بسقفه من دون وقوع خسائر بشرية.

 إيران توعّدتإسرائيلبالردّ كما سبق لها أن توعّدت الولايات المتحدة، ونفذت وعيدها، عقب قيام هذه الأخيرة باغتيال الجنرال قاسم سليماني، قائد فيلق القدس، وزميله أبو مهدي المهندس، قائد الحشد الشعبي العراقي، وذلك بعملية عسكرية جوية قرب مطار بغداد مطلعَ سنة 2022 الأمر الذي أقلق المسؤولين الأميركيين والإسرائيليين، فكان أن أصبح سؤال الساعة، منذ ذلك الوقت، أين تراها تردّ إيران؟ هل تردّ علىإسرائيلفي عمقها مباشرةً أم مداورةً بضرب موقعٍ لها في إحدى الدول المتحالفة معها في غرب آسيا؟

خبير استراتيجي لبناني ذكّرني بأنّ إيران ردّت على قيام أميركا باغتيال سليماني وأبو مهدي المهندس على مقربة من مطار بغداد بتسديد ضربةٍ شديدة لقاعدة عين الأسد الأميركية الكائنة في عمق العراق، وانّ إيران ستقوم، على الأرجح، بالردّ علىإسرائيلفي عمقها أيضاً، ذلك أنّ من يقدر على الأقوى، أيّ أميركا، يقدر على الأضعف، أيّإسرائيل”.

 إذا افترضنا انّ إيران ستتصرّف وفق هذه المعادلة، فما تراها تكون أهدافها المحتملة في عمق كيان العدو؟

ثمة أهداف ثمينة كثيرة، لعلّ أبرزها ثلاثة:

ـ موقع صناعي او عسكري مهمّ في مدينة حيفا أو مدينة عسقلان أو في محيطهما.

ـ موقع صناعي او عسكري مهمّ في منطقةغوش دان، وهو سهل ساحلي ممتدّ بين حيفا ويافا بمسافةٍ لا تقلّ عن 80 كيلومتراً.

ـ موقع عسكري أو سيبراني مركزي في مطار بن غوريون غير البعيد عن تل أبيب.

 ماذا عن المحاذير؟

 ثمة حقائق واعتبارات جيوسياسية يضعها كلّ من الولايات المتحدة وإسرائيلوإيران في الحسبان قبل مباشرة أيّ عملية للردّ او للردّ على الردّ. في هذا السياق، يقتضي التنبّه الى الحقائق والإعتبارت الآتية:

ـ ما كانتإسرئيللتقدم على ضرب إيران في عمقها لو لم تكن قد حصلت على ضوءٍ أخضر من أميركا. أكثر من ذلك: عاموس هرئيل، المحلل العسكري في صحيفةهآرتس” (2023/1/30) كشف أنّإسرائيللمّحت الى إيران بأنها تنسّق مع الولايات المتحدة ولا تخشى من تصعيد حدّة المواجهة العسكرية.

ـ صحيفةيديعوت أحرونوت” (2023/1/31) كشفت انّ الجيشالإسرائيليأجرى بالاشتراك مع قوات أميركية، عشيةَ عملية أصفهان، مناورةسنديان البازلتوهي أكبر مناورة قام بها الجيشان معاً وشارك فيها 6500 ضابط وجندي. كما ذكرت الصحيفة عينها أنّ تهديد إيران بالانتقام سيتناول تحديداً إمكانية ضرب سفنإسرائيليةفي البحر الأحمر او البحر المتوسط.

ـ صحيح أنّ واشنطن تقصّدت تسريب معلومات بأنّإسرائيلوليست هي مَن نفذ العملية في أصفهان، وانّ الغاية من وراء هذا التسريب، بحسب صحيفةيسرائيل هيوم” (2023/1/29)، توجيه رسالة الى إيران بأنّ بإمكانإسرائيلالوصول الى أيّ مكان، فإنّ واشنطن تدرك انّ الكيان الصهيوني منخرط عملياً في مواجهات ساخنة غير مسبوقة على خمس جبهات: إيران، سورية، الضفة الغربية، غزة، والقدس، وهي كلها بحسب صحيفةيديعوت أحرونوتجبهات حساسة وتفرض معالجات خاصة. كلّ ذلك بالإضافة الى تحديات الحرب في أوكرانيا ومتطلباتها حمل وزير الخارجية الأميركي أنطوني بلينكن على أن يُقرن دعم واشنطن الدائم لـِإسرائيلوأمنها بدعوة مسؤوليها خلال زيارته الأخيرة لها إلى كبح جماح المتطرفين ولجم تصرفات أركان الائتلاف اليميني الحاكم وذلك مخافة الإضرار بالمصالح المشتركة للطرفين الأميركي والإسرائيلي”.

إيران من جهتها واعية تماماً لمأزق الائتلاف الصهيوني اليميني الحاكم إزاء كلٍّ من قوى الوسط واليسار المعارضة له بضراوةٍ من جهة وتصاعد مقاومة الفلسطينيين على نحوٍ غير مسبوق في الضفة الغربية من جهة أخرى، ما يمنحها هامش مرونة وفرصة مريحة عند تقرير مكان ضربتها القادمة للعدو.

الى ذلك، فإنّ فريقاً من الخبراء الاستراتيجيين القريبين من المقاومة في لبنان يرجّحون، قياساً على تحديات مشابهة واجهتها إيران في الماضي، ان تقوم الجمهورية الإسلامية، بدافع الحرص على هيبتها وصدقيتها حيال شعبها وحلفائها في الإقليم، بالردّ علىإسرائيلبضربةٍ في عمقها مباشرةً وليس مداورةً على سفينة لها في البحر الأحمر أو على قاعدة عسكرية لها في إحدى دول غرب آسيا المتعاونة معها.

الضربة الإيرانية المرتقبة ستكون لها بالتأكيد تداعيات سلبية مؤثرة على كيان العدو وربما على حلفائه الإقليميين أيضاً.

*نائب ووزير سابق

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى