دبوس
نحن والبرهان
حتى لو نحّينا جانباً ذلك الارتباط والتماهي الإسلامي أو العروبي الذي من المفترض ان يصبغ العلاقة بين مجلس السودان الرئاسي العسكري، وبين قضايا الأمتين العربية والإسلامية، وفي الأمام منها القضية الفلسطينية، فلننحّ هذا جانباً، ألا يكفي لأيّ إنسان يحمل في جنباته ضميراً إنسانياً، وحدّاً أدنى من الأنا المثالية كيما يصطفّ الى جانب المظلومية المغرقة في وضوحها وفي جلائها. شعب يعيش على أرضه، يمارس الفلاحة والتجارة والتفاعل الإنساني مع مجاوريه، ولا يتعرّض بالإيذاء لأحد، كافياً خيره شرّه، قانعاً بما أعطاه الله من عنده، يسجد حمداً وشكراً لأنعمه، ولا يكنّ عداءً لأحد.
تتشدّق ذات فجأة، وبدون سابق إنذار مجموعة إنسانية من قاطني هذه الأرض، تجمع بينهم في ما يدّعون، عقيدة واحدة ما أنزل الله بها من سلطان، ويعيشون في شتات الأرض، وفي كلّ أصقاع المعمورة، لا يجمعهم سوى رغبة مجنونة في الاستيلاء على أرض ليست لهم، وبدعوى حيكت أجزاؤها في الظلام، من قاذورات تلمودية، لا تمتّ الى أيّ واقع بصلة، بأنّ هذه الأرض، وهذا الوطن، هو وعد من عند الله، لتلك الفئة الشاذة، وأنهم تبعاً، الشعب الذي ليس له أرض، يتطلع نحو الاستحواذ على أرض بلا شعب، ثم يترتب على هذا الهراء بعد ذلك، وبمعونة من كلّ قوى الظلام والإجرام في العالم، تشتيت هذا الشعب الذي يُقال له الشعب الفلسطيني، وارتكاب المجازر بحقه لإجباره على تخلية الأرض، وإحلال حثالات الأرض مكانه، واستباحة مقدساته، وسرقة حتى تراثه وشخصيته الإنسانية، وهدم بيوته وقتل أبنائه، والسعي، ومن خلال السيطرة على وسائل الإشعاع والتأثير، إلى تشويه صورته، وقلب الحقيقة والكذب والافتراء، واستعمال السلاح والمال القذر لتحقيق الأهداف الشيطانية.
لا أظنّ أنّ من يمدّ يده لمصافحة هذا الوحش، الذي عبقت رياح الأرض، فأزكمت الأنوف برائحة فساده وإجرامه وأنفاسه وقذارته، يحتفظ في داخله بذرّة واحدة من الأخلاق أو الشعور الإنساني، هذه المصافحة الذليلة هي برهان على انّ البرهان ليس فقط لا ينتمي الى هذه الأمة ببُعديها العربي والإسلامي، بل هي برهان أيضاً على انّ البرهان يفتقد الى أدنى حدّ من الانتماء الى أيّ قيمة أخلاقية أو إنسانية، ناهيك عن أيّ حالة قيمية.
سميح التايه