وقع الزلزال… والتوقيت المناسب للشجعان فقط!
ناصر قنديل
الزلزال الذي ضرب تركيا وسورية وأسقط آلاف الضحايا والمصابين وخلّف عشرات آلاف المشرّدين بلا مأوى، كارثة إنسانية موصوفة، والعالم الذي ينفق تريليونات من الدولارات على التسلح والحروب يرسل القروش لتركيا، لكنه يحجم عن إرسال شيء الى سورية، بل يواصل المكر والخبث والكيد والحقد عبر العقوبات والحصار، كما تقول بيانات التضامن المخادعة بالحديث عن مساعدة الشعب السوري، بدلاً من القول سورية، وعبر المؤسسات الإنسانية، كي يقولوا وليس عبر الحكومة السورية، وكي يقولوا ضمناً لا شيء، لأنهم يعلمون أنّ صناديق هذه المؤسسات خاوية وقد بدأت بالتقشف في مساعداتها التي كانت تقدّمها في العام الماضي، ولحق النازحين السوريين نصيب من هذا التقشف، وبالمقارنة بين العالم ما قبل الحضارة المدينة وعالم اليوم، نكتشف بسهولة أنّ المسمّى عالم ما قبل الحضارة المدنية كان أشدّ رحمة وأكثر شهامة، وأشدّ كرماً، عندما يتعلق الأمر بالكوارث الطبيعية، حتى في حالات الحروب، فتوضع الخلافات جانبا وتتحد الجهود لدرء الكارثة، بينما لا يرفّ جفن العالم المدّعي للحضارة ولا قلب، والمطلوب رفع العقوبات والحصار، وتخفيف وطأة الكارثة.
كلّ الذين يتهرّبون من الحقيقة السورية يخادعون أنفسهم، وهم في سرّهم يعلمون أنّ سورية سواء انتهت كارثة الزلزال عندها برقم 2000 ضحية أو عشرة آلاف ضحية، فهي ستعود وتتعافى وتقف على قدميها، كما دأبها دائماً، لكن دماء وأرواح هذا الفارق سوف يتمّ تقييدها في حساب لا يقفل على ذمة وضمائر كلّ الذين كان بوسعهم فعل شيء، ولم يفعلوه، ولنبدأ بالأمين العام للجامعة العربية مكتوم الصوت، ليكفّر عن جريمة رئاسته للوفد الذي ذهب يدعو لشنّ الحرب عليها، بعد قرار الجامعة تعليق عضويتها، لم لا يكون أول الواصلين الى دمشق يشرف بنفسه على الاتصالات الهادفة لحث الحكومات العربية على تسيير جسور جوية وقوافل بحرية وبرية لكلّ ما تحتاجه سورية في زمن الكارثة، سفن الوقود والمعدات الطبية والأدوية والمستشفيات الميدانية، والآليات الثقيلة لدعم جهود البحث والإنقاذ، والبيوت السريعة الإنشاء لإيواء المشرّدين، وأدوات التدفئة والألبسة والمطابخ الضخمة لتأمين الطعام، ومثله السؤال لكلّ حاكم عربي قادر ولم يفعل شيئا، خصوصاً في الدول العربية الغنية، وبالأخص في الخليج، وفي الطريق سؤال للحكومة اللبنانية، أليس ما تحتاجه سورية اليوم أكثر من وفد استكشافي للحاجات، هو إعلان تخصيص مطار القليعات ومرفأ طرابلس لاستقبال السفن والطائرات التي تحمل الإغاثة لسورية، والتي لا تستطيع التوجه إلى مطاراتها ومرافئها بسبب العقوبات، ومعلوم أنّ لبنان عندما يفعل ذلك لن يتعرّض لأيّ مساءلة أو أذى، وهو قادر ان يطلب من الأمم المتحدة تولي الإشراف على ما يصل عبر المطار والمرفأ نحو سورية، وربطه بزمن الكارثة.
لأنّ سورية عائدة وسوف تتعافى رغماً عن أنوف أعدائها، ولأنهم يعرفون ذلك، فالسؤال ماذا عن أميركا وأوروبا، أليس التوقيت مناسباً، بلغة المصالح بعيداً عن الضمائر الميتة، للتذرّع بالزلزال واعتباره توقيتاً مناسباً لاستثناء كلّ ما هو إغاثي وطبي وإنساني وغذائي ومنه الوقود وما يتصل بالبنى التحتية وإيواء النازحين والمشرّدين، من كلّ ما له صلة بالعقوبات، وقد سبق للأميركيين والأوروبيين أن كتبوا وحللوا عن مشاريع تفاوض مع سورية بفعل ذلك مقابل أثمان سياسية، فماذا سوف يخسرون إنْ فعلوا ذلك دون مقابل، وهم يعلمون أنهم سوف يربحون وضع القطار على السكة، لكسر الجليد وبدء الحديث مع سورية؟
بلغة المصلحة أيضاً أليست فرصة للسعودية ومصر اللتان تبحثان عن مدخل لبناء جسر جديد للعلاقة مع سورية، أن تصل وفود وزارية منهما على رأس قوافل الدعم والمستشفيات الميدانية، وقد سبق لهما خلال محنة مرفأ بيروت أن فعلا شيئاً مشابهاً، واعتبار التوقيت المناسب لفعل ذلك هو هذه البوابة الإنسانية؟
بمفهوم التوقيت المناسب، هو توقيت مناسب لتركيا لتسلم مناطق سيطرتها للدولة السورية، وهي تحتاج كلّ مقدراتها داخل تركيا في مواجهة الكارثة، وتحت إشراف لجنة رباعية سورية روسية إيرانية تركية تقام غرفة عمليات مشتركة، تفتح الطرق، وتدير فرق الإغاثة، في كلّ المناطق السورية، وهي فرصة للذين تورّطوا في الخروج عن حضن الوطن ليعودوا ويظهروا بعضاً من وطنية في زمن الكارثة.
التوقيت المناسب للشجعان فقط!