قانون وادي النحلة يهزم قانون قيصر
ناصر قنديل
– قانون قيصر معروف لكن قانون وادي النحلة غير معرَوف بعد، قانون قيصر هو القانون الأميركي الصادر مطلع عام 2020، ويمنع كل أشكال البيع والشراء والتعامل المالي والاقتصادي مع سورية تحت طائلة الوقوع تحت نظام العقوبات الأميركية، خصوصا الحجز على أموال من يتجرأ على انتهاك العقوبات. والقانون منذ وضعه قيد التنفيذ تكفّل بحرمان سورية من الوقود والمعدات التقنية والأدوية والمعدّات الطبية، ونقل سورية المثخنة بجراحات الحرب، الى بلد يعاني أكثر من ثلاثة أرباع سكانه من فقدان مقومات الحياة البسيطة، وجاءت كارثة الزلزال لتظهر حجم أثر قانون قيصر الظالم والمتوحش، بغياب الكهرباء والإنارة والتدفئة والمعدات الثقيلة المجهزة المهيأة للعمل، أو التقنيات الطبية والمعدّات اللازمة للمستشفيات، أو مراكز الإيواء القادرة على استيعاب الذين شردهم الزلزال، وتوفير مقومات الحياة الضرورية لهم.
– في لحظة المأساة خرجت قرية لبنانية اسمها وادي النحلة في قضاء الضنية من شمال لبنان، تعلن إسقاط قانون قيصر، تطلق أول حملة إغاثة نحو سورية، ونقلت قناة الحرة الأميركية في تقرير لها وقائع تلك اللحظة فقالت، “حتى أكثر المناطق فقراً في لبنان، تناسى سكانها معاناتهم وهبوا لنجدة جيرانهم، فتوحّد أهالي مدينة طرابلس وجمعياتها الأهلية، من بينها جمعية «بسمة أمل»، التي يقول رئيسها، محمود مهدي سيف «نتشارك مع جمعية أجيال العرب وجمعية ليان وحراس وادي النحلة وأبو عبود سيف في هذه المهمة الإنسانية، وقد كان أهالي وادي النحلة السبّاقين في اتخاذ هذه الخطوة، ليتبعهم الكثيرون بالتبرعات التي شملت الفرش والبطانيات وأجهزة التدفئة والألبسة لكون الظرف المناخي صعباً»، مضيفاً «خلال 24 ساعة استطعنا تأمين ما يزيد عن عشرة آلاف قطعة ملابس وبعض الأجهزة الطبية كالكراسي المتحرّكة لنقل المصابين بالإضافة إلى المعقمات». ويتابع التقرير الذي نقلته قناة الحرة الأميركية، «انطلقت أولى القوافل من وادي النحلة، إلى حماة واللاذقية وإدلب، والاتصالات مستمرّة من قبل عدد كبير من اللبنانيين الراغبين بالوقوف إلى جانب المتضررين السوريين، كل منهم يريد التبرّع بحسب قدرته»، ويقول سيف «سنبدأ التحضير للقافلة الثانية مطلع الأسبوع المقبل»، لافتاً إلى أنه «نتيجة الكارثة ننسق مع الأجهزة الأمنية السورية التي بدورها تنسّق مباشرة مع المعارضة، لتأمين جسر إنساني إلى كل المناطق المتضررة، ونحن نعمل على إيصال المساعدات عبر أشخاص يحملون الجنسية السورية».
– في مواجهة اليد الثقيلة للسياسة المتوحشة، نهضت يد إنسانية ناعمة، وانطلق تيار كهربائي مغناطيسي في الجسد اللبناني، لحقته السياسة اللبنانية، وظهر موقف حكومي تحت عنوان الوقوف مع سورية، بلغ ذروته بإعلان وزير الأشغال والنقل علي حمية باسم الحكومة اللبنانية عن وضع مطار بيروت والموانئ اللبنانية بتصرّف المساعدات التي ترغب بالوصول إلى سورية وتمنعها العقوبات من الوصول الى مطار دمشق وموانئ سورية، فسقط قانون قيصر، طالما أن الحكومة التي تعامل الأميركيون معها بصفتها أكثر الحكومات العربية خضوعاً للمشيئة الأميركية وخشية من الغضب الأميركي، تشق عصا الطاعة، وتضرب قانون قيصر بعرض الحائط، وتنتصر لهويتها وقضيتها وعروبتها وإنسانيتها، وتتخذ قراراتها وفقاً لقانون وادي النحلة لا لقانون قيصر، الذي حرم لبنان من الكهرباء الأردنية والغاز المصري، رغم الوعود الكاذبة.
– ارتبك الأميركيون وماذا عساهم يفعلون أمام هول الكارثة، والحكومات العربية والإسلامية تنظر لما يفعله اللبنانيون، بانتظار معرفة ما سيُصيب لبنان جراء هذا التمرد. وثبتت مقولة أن مصدر قوة الأميركي وقانون قيصر يأتي من الخضوع لوهم القوة لا من القوة. وتسارعت الخطوات المشابهة، أغلبها مدفوعة بفعل المبادرة الذاتية من الجزائر الى العراق، وصولاً للهبة الشعبية الليبية والموقفين الشعبي والحكومي في تونس، ومنها ما جاء على خلفية القراءة لحجم الثغرة المفتوحة في جدار قانون قيصر. خطوة وراء خطوة صار قانون قيصر مثل بيت العنكبوت، مليئاً بالثقوب، وصار على الأميركي أن يفعل شيئاً، أن يفعِل العقوبات على الذين خرقوا القانون، أو أن يعيد صياغة تطبيق القانون بما ينسجم مع استيعاب الخطوات التي اخترقت القانون، فجاء الإعلان عن الاستثناءات الغامضة، ولمدة ستة شهور، مهلة وسياق لاستيعاب الاختراقات التي أصابت القانون، وليس استجابة لحاجات الاغاثة والنداء الإنساني، بما في ذلك من اعتراف بأن الرئيس بايدن وإدارته كانوا يكذبون عندما قالوا إن قانون قيصر لا يعيق المساعدات، والاستثناء يقول العكس تماماً، فيعترف بأن القانون عقبة أمام المساعدات ويعلن تعليق بعض بنوده لمدة ستة شهور على هذا الأساس.
قانون وادي النحلة هزم قانون قيصر، لكن المعركة لم تنته، لأن قانون قيصر يده خشنة وثقيلة ومتوحش، وقانون وادي النحلة روح إنسانية ناعمة، وإذا بردت الحركة التي أطلقها قانون وادي النحلة في الجسد اللبناني والجسد العربي وصولاً الى العالمي، يمكن لقانون قيصر أن يستعدّ لما بعد الشهور الستة لجولة جديدة. وهذا معنى النداء لمراكمة الوقائع والحقائق والمواقف التي يجب أن تجعل قانون قيصر هباء، وأن تجعل قانون وادي النحلة نصاً وميثاقاً مكتوباً بحبر الحقائق الذي لا يزول ولا يُمحى.