طلعت العبدالله في ذكراه الثالثة لن تغيب شمسه ولن يأفل نجمه
علي بدر الدين
في الذكرى السنوية الثالثة لرحيل رئيس إتحاد الأدباء والمثقفين المغتربين اللبنانيين وعضو الهيئة الإدارية لاتحاد الكتّاب اللبنانيين الكاتب والأديب طلعت العبدالله (13/2/2023)، نتذكَّر رمزاً وطنياً شامخاً وعملاقاً من عمالقة الثقافة والأدب، ورائداً من رواد الاغتراب اللبناني وقامة مُشبعة بقِيَم الإنسانية والأخلاق والإيمان والعطاء، ونموذجاً يُحتذى في القيادة والريادة والتواضع ونكران “الأنا والذات”.
لا نبالغ القول، إنّ الراحل العبدالله هو أول مَن زرع بذرة الأدب المهجري الأفريقي وسقاها ونمّاها من مخزونه الثقافي والمعرفي، وجسَّدها في أربعة كتبٍ روائية وقصصية، وقد وافته المنية قبل إنجاز الرواية الخامسة، وقدَّمها على أطباقٍ أدبية شهيِّة، لم يسبقه إليها أيّ مغتربٍ أقله من القارة الأفريقية (على حدِّ علمنا).
هذا النتاج الأدبي النوعي المتميِّز للعبدالله، لم يكن وليد صدفة أو مجرّد هواية، أراد منها ملء فراغه المستجدّ بعد بلوغه سن التقاعد، وليس الهدف منها وفق قوله في مقابلة صحافية “تسطير حكايات وسردها لتحكي فقط عن تجربة شخصية عاش فصولها على مدى عقودٍ من من غربة أبعدته قسراً عن الوطن والأهل ومراتع الطفولة في بلدته الخيام”. أجزم أنها لم تكن أبداً للتباهي بنجاح أصابه في مجالي المال والأعمال في أفريقيا وفرنسا ولبنان وحصد منه شهادات تقدير وجوائز عالمية مذهّبة من باريس (2005) وفراكفورت (2009) وماسيّة من لندن(2011)،
أراد فقط من الانكباب على الكتابة العودة إلى الجذور والأصالة ورسالة إنسانية أخلاقية معمّدة بالآلام والآمال حفَرَ صخورها المعاندة بإبرة صغيرة لتحقيق الأحلام والطموحات في ظروف صعبة ومعقدة، وكشف فيها عن “رحلة الإنسان اللبناني ومعاناته وكفاحه الذي لا يتوقف منذ بداية هجرته القسرية” وفق ما أورده في في كتابه الأول (يوم من خريف العمر 2011)،
يبدو أنّ الراحل أراد أيضاً لإبداعاته وتجاربه بنجاحاتها وإخفاقاتها أن تحيا في بطون الكتب لتقتفيها وتستفيد من معناها وفحواها وجدواها أجيال متعاقبة من المغتربين، خاصة من الشباب اللبناني الذي ينشد السفر والهجرة والارتحال للبحث عن ملاذٍ لاعتقاده بأنه سيكون بمثابة فانوس الأحلام السحري الذي سيوفر له عملاً وأماناً واستقراراً فقدهم في وطنه، وأن يضيء بها شمعة على دروب الغربة على أمل أن تُنير طريق العودة إلى الوطن المنكوب و”المبتلي” بمنظومة سياسية أوقعته في شغور رئاسي وفراغ حكومي وانهيار اقتصادي وإفلاس مالي، أراد من خلالها أن تُنعش أحلاماً كأحلامه التي رافقته كظله في مشواره الطويل وهو الذي كان غارقاً في هموم الوطن والعائلة والعمل.
لم يشأ العبدالله أن يستريح قبل اكتمال عقد مسيرته الاغترابية والأدبية وإيصال رسائله إلى من يهمّهم الأمر، وعندما حان القطاف لملَمَ أشلاء أحلامه ووثقها في كتابه الثاني (عذاب الذاكرة 2013) الذي صدر باللغتين العربية والفرنسية (قدّم نسخة منه لرئيس جمهورية الكونغو برازافيل الذي استقبله في القصر الجمهوري)، وبعزيمة لم تقو عليها سنون الغربة والترحال والتعب، وبإرادة لم تكسرها الشدائد ولا الصعاب ترك ليراعه أن يخطَّ تاريخاً مغمَّساً بالمعاناة والآلام والأمال والأحلام وجسّدها في كتابين آخرين (أحلام مستعصية 2015) و (الهجرة إلى أقصى الشرق 2017).
وهنا لا بدّ من القول إنّ الدولة خاصة وزراء الثقافة في الحكومات السابقة المتعاقبة قصّرت كثيراً بحق العبدالله المغترب والأديب والكاتب والإنسان، وكان يستحق عن جدارة واقتدار أن يُكَرَّم ويُمنَح الأوسمة وشهادات التقدير قبل وفاته.
ستبقى ذكراك أيها الراحل الكبير حيَّة وخالدة في قلوب محبيك ومعارفك الكُثُر على مساحة الوطن والإغتراب، لأنّ أمثالك من فوارس الكلمة والعطاء لا تغيب شمسهم ولا يأفل نجمهم.
رحمك الله ومأواك الجنة.