البرامج الكوميدية صارت… «بايخة»!
هنادي عيسى
تحفل معظم الشاشات اللبنانية ببرامج كوميديا ساخرة، هدفها زرع البسمة على وجوه المشاهدين، عبر انتقاد الأوضاع السياسية والاجتماعية. وكانت هذه النوعية من البرامج قد بدأت منذ أكثر من عشر سنوات، وكان أشهرها «أس أل شي» على قناة «mtv»، ثمّ «لا يملّ» على «المستقبل». وساهم البرنامجان في ترسيخ عدد من الشخصيات في أذهان الناس، ومنها: «أبو رياض» و«أبو زهير» و«أم زهير». إذ ـ وبعد نجاحهما الكبير ـ توالت البرامج المشابهة على معظم المحطات اللبنانية، ومنها «طق رير» عبر شاشة تلفزيون لبنان، الذي أوقفه رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري لشدّة جرأته في انتقاد السياسيين، وهذا التوقّف جعل معدّ البرنامج ومخرجه شربل خليل، ينتقل إلى «lbc»، مع برنامج «بس مات الوطن» الذي لا يزال مستمراً حتى اليوم، إنّما بشخصيات مختلفة عن تلك التي انطلق بها. وفي حينها، شكلت شخصية «أم طعان» التي كانت تؤدّيها المبدعة ميراي بانوسيان نموذجاً للنجاح الصاعق. لكن للأسف، ما إن تنجح فكرة، حتى تُستنسَخ، وها هي قناة «الجديد» تقدّم ثلاثة برامج مشابهة وهي: «إربت تنحلّ» مساء الأربعاء، و«شي أن أن»، و«غابي وشادي كوميدي شو» مساء الثلاثاء. وكل فقرات هذه البرامج هدفها النقد السياسي والاجتماعي.
أما على محطة «otv»، فهناك «مش معقول». وعلى «المنار» «أوّل ع آخر»، لأحمد الزين وبيار شماسيان، وعلى «mtv» «ما في متلو»، وعلى «lbc» «كتير سلبي شو» و«بس مات الوطن»… والحبل ع الجرّار.
وهنا، لا بدّ من توجيه أسئلة لإدارة الإنتاج في كل محطة. فعلى سبيل المثال، لماذا تملأ «الجديد» سلّتها من البرامج، ببرامج كلفتها قليلة ومضمونها متشابه، خصوصاً أن هذا المضمون لم يعد مضحكاً. إذ مهما بحث المعدّون عن أفكار جديدة، حتماً سيقعون في فخّ التكرار والابتذال. لأنّ الأزمات السياسية والاجتماعية هي نفسها منذ سنوات في لبنان والمحيط. وكتّاب السيناريوات فقدوا حنكة الكوميديا، ما جعل كثيرين منهم يلجأون إلى الكلام المبتذل والسوقي لانتزاع الضحكة، كما هي الحال في «كتير سلبي شو»، الذي تخطّى حدود اللياقة وحرمة الدخول إلى كل بيت من دون رقيب أو حسيب.
أما شربل خليل، فهو يسعى بين الحين والآخر لافتعال مشكلة من أجل شدّ النظر نحو برنامجه «بس مات الوطن»، عبر تقليد شخصيات تثير محبّيها، مثل شخصية السيد حسن نصر الله. إذ، لمجرد تقليده في البرنامج، تشتعل مواقع التواصل الاجتماعي، وبذلك يحقّق الهدف ويرفع نسبة المشاهدة ولو عن طريق الاستفزاز.
وفي مكان آخر، لم تعد شخصيتا «مجدي ووجدي» الشاذان جنسياً محطّ أنظار المشاهدين في «ما في متلو»، لأن حركاتهما وأحاديثهما صارت نافرة للغاية. أمّا برنامج «مش معقول» على «otv»، فهو مسخّر لتبنّي المواقف السياسية للشاشة البرتقالية التي يعرَض عليها. وهنا تتجلّى الصورة الانحيازية العمياء للتيّار السياسي الذي يدير المحطة. وكثيراً ما تفتقد الاسكتشات للروح الكوميدية، نظراً إلى الموقف السياسي الذي ينصّه الكاتب بناءً على رغبة الإدارة.
وتبقى الأبرز في كل هذه البرامج، شخصية «أبو طلال» في «شي أن أن»، وهو يستحق الإشادة. وربما يكون أجدى، لو تنتج «الجديد» له برنامجاً ساخراً يشبه شخصيته المحبّبة إنّما من دون كلام بذيء ولا صافرات تقطع الكلام. إذ إن كل فقرات «أبو طلال» عبر «شي أن أن» تبدو عفوية ومرتجلة ومفعمة بالكوميديا والفرح.
أما باقي البرامج الساخرة، فصارت مملّة ومكرّرة، وحبّذا لو تسعى إدارات الإنتاج في المحطات اللبنانية إلى التغيير، لربما يساهم هذا التغيير في إيجاد حلول للأزمات المالية المستفحلة في المحطّات، لأنّ الاستنساخ أدّى إلى وقوعها في فخّ الرتابة. فهل من مجيب؟