مفارقات حياتية…
} صباح العلي
هناك فرق بين النزعة والرغبة، فالنزعة أبعد أثراً في تكييف حياة الإنسان ممّا يقصده عن وعي وتفكير.
فالنزعات المباشرة هي التي تحركنا، أمّا الرغبات فهي ليست إلّا ستاراً للنزعات.
نشرت مجلة ( (forbes منذ أيام مقالة تتحدث فيها عن دراسة نفسيّة توصلت من خلالها أنّ عدد حالات الانتحار كانت شبه معدومة بين طلاب المدارس المراهقين خلال فترة جائحة كورونا، وبحسب ما أشارت إليه الدراسة فإنّ حلالات التنمّر والسخرية والإساءات اللفظية والاعتداءات الجسديّة التي كان يتلقاها الطلاب توقفت مع توقف الذهاب للمدارس!
يبدو أنّ أغلب المشاكل التي يتعرّض لها الإنسان مسبّباتها تكمن في البشر أنفسهم.
حتّى الحيوانات المفترسة إذا ابتعدت عنها تسلم منها، ولو أجريت إحصائية بسيطة عن عدد الحيوانات الذين قتلوا إنساناً عمداً لكانت الأعداد قليلة جداً مقارنة بقتل البشر بعضهم بعضاً.
نعم، الأمان الحقيقي عندما يكون الإنسان محاطاً بأحبته.
الأمان الحقيقي بتكوين علاقات وصداقات مريحة ووجود من يحبّك ويقدّرك على الدوام.
والسؤال الأهمّ هل يوجد أمان على هذا الكوكب الغريب الأطوار؟
هناك عائلات امّحت من السجلات المدنية، قتل، نهب، تشرّد، فقر، ذلّ، حرمان مع انعدام الكثير الكثير من الأمان.
أمراض تحضّر في المختبرات، ثمّ يخترعون لها أدوية ليكونوا بنظر الآخرين هم المنقذون، وهذا مؤشر خطير لانعدام الأمان.
هذه البشريّة تعاني من انفصام رهيب، فمنذ أيام ليست بالبعيدة عقد مجلس العموم البريطاني جلسة بطلب من النائبة البرلمانية (بيل ريبيرو) لمناقشة قضية دهس القطط في الشوارع.
هذا المجلس نفسه يشرّع بإلقاء أطنان القذائف على أطفال دول عربية متعددة! أين هو الأمان؟
نعم، سكان هذا الكوكب يعيشون حالة انفصام، فكل واحد يريد منك أن تمدح وجهه الجميل وتغضّ النظر عن كلّ عيوبه!
يبدو أنّ الأكثرية غادرت قفص الإنسانية، فالأكثرية باتوا ساديّين ويحبون أن يروا أثر ضرباتهم ويستمتعون بالألم الذي يسبّبونه للآخرين، ويقهقهون عند سماع أنّات الآخرين تحت وطأة طعناتهم وطغيانهم!
عندما يضطّر الإنسان أن يبيع كبده أو قرنية عينه ليشتري ثمن تذكرة الطيارة، هو ليس تاجر أعضاء ولا مجرماً، هو ضحيّة. ضحيّة واقع بات الإنسان فيه هو السلعة الأرخص.
صدق الشاعر حين قال:
ألقاه في اليمّ مكتوفاً وقال له: إيّاك أن تبتلّ بالماء!
من أين أتى كلّ هذا السلوك الوحشي الذي يمارَس على الإنسان يوميّاً، وأين أين هو الأمان؟
في الصين من يتنبّأون بالزمن يُسمّونهم: مرايا الريح
وحالنا اليوم كحال الريح تهمس أو تزمجز، لكن ما تقوله غير مفهوم وكأنّها تعلن نهاية شيء ما…!