من نيوزيلاندا درس لزعماء لبنان!
} د. عدنان منصور*
من نيوزيلاندا تناقلت وسائل الإعلام العالمية خطاب رئيسة وزرائها جاسيندا أردرنJacinda Ardern ، أصغر رئيسة وزراء في العالم، وإحدى أقوى وأفضل الساسة، وهي تعلن بكلّ شجاعة، وثقة، ومسؤولية، تنحّيها عن السلطة، رغم أنها أدارت البلاد بجدارة ونجاح منذ توليها الحكم عام 2017، وقادت حزبها، حزب العمال، في انتخابات عام 2020، ليسجل على الساحة النيوزيلاندية فوزاً ساحقاً.
كان لدى أردرن الشجاعة الكاملة، لتقول للشعب، إنها لم يعُد لديها الطاقة لتقديم المزيد، فقرّرت ترك منصبها والمغادرة، وهي التي لا تزال في سن السابعة والثلاثين.
أعلنت انها لن تسعى لإعادة انتخابها، وأنّ فترة ولايتها كرئيسة للوزراء ستنتهي في موعد أقصاه السابع من شباط 2023.
في خطابها المؤثر قالت أردرن: «أنا إنسانة، والسياسيون بشر، نحن نعطي كلّ ما بوسعنا لأطول فترة ممكنة، وبعد ذلك يحين الوقت. وبالنسبة لي، حان الوقت… أنا مغادرة، لأنه مع هذا الدور المميّز تأتي المسؤولية، مسؤولية معرفة متى يكون الشخص المناسب للقيادة. أنا أعرف ما الذي تتطلبها هذه الوظيفة، وأنا أعلم أنه لم يعُد لديّ ما يكفي من الطاقة لإعطاء المزيد.»
هذه هي رئيسة وزراء نيوزيلاندا، البلد الذي بلغ عدد سكانه عام 2022 أربعة ملايين وتسعمائة ألف نسمة، مع ناتج قومي بلغ 206 مليار دولار عام 2017، حيث نصيب الفرد يتجاوز الـ 43 ألف دولار.
أين جاسيندا أردرن من سياسيّي وقادة وزعماء لبنان؟! من أيّ طينة سياسيو وزعماء هذا البلد الذي يستميت الواحد منهم بالتمسك بالمنصب ولو أدّى ذلك الى التضحية بالوطن والشعب على السواء! سياسيون فاشلون بكلّ المقاييس، قادوا وطننا الى الإفلاس المتعمد والهاوية، ولا يزال الواحد منهم يتبجّح بكلّ وقاحة وغرور، وعنجهية، مدافعاً عن إنجازاته العظيمة وتضحياته الكبيرة، وحرصه الشديد على الوطن وغيرته اللامحدودة على وحدة شعبه!
من يمتلك من هؤلاء شجاعة، وسمو، ورفعة جاسيندا أردرن؟! لقد تنحّت في الوقت الذي كانت فيه تتمتع برصيد شعبي كبير، فيما طغاة هذا البلد ومدمّروه وناهبوه، ومذلو شعبه، يتمسكون بكلّ قوة بالمنصب، والحكم، ويستميتون من أجل السلطة، غير مبالين بسخط الشعب ونقمته عليهم، وكرهه الشديد لهم. لا يهمّهم سمعة كرامتهم، ولا صالح شعبهم، فهم يمعنون بفسادهم، ووقاحتهم، لا حياء لهم ولا ضمير.
جاسيندا أردرن تنحّت عن السلطة وهي في قمة العطاء والشعبية، والتواضع. لكن ماذا عن فشل الحكام والمسؤولين
في بلدنا التعيس؟! ماذا عن عطاءاتهم، ونزاهتهم، وتضحياتهم،
ووعودهم، وشعبيتهم، وتواضعهم، وإنجازاتهم؟! ما هو الإنجاز الوطني العظيم الذي حققوه للبنان؟! مَن مِن هؤلاء له الشجاعة الكافية، والمسؤولية الحقيقية، والشعور الوطني ليتنحّى عن الحياة السياسية، ويصارح الشعب بكلّ جرأة وشفافية، ويقول له كما قالت جاسيندا أردرن لشعبها: «أنا مغادرة لأنه مع هذا الدور المميّز تأتي المسؤولية، مسؤولية متى يكون الشخص المناسب للقيادة. أنا أعرف ما الذي يتطلبه هذا المنصب. وأنا أعلم أنه لم يعُد لديّ ما يكفي من الطاقة لإعطاء المزيد !»
بكلّ تأكيد ليس هناك من سلطان طاووس في لبنان له جرأة وشفافية، ووطنية وصدقية جاسيندا أردرن، لأنّ معدنها وطينتها غير معدن وطينة حكامنا. وحتى نرى الفرق ما علينا إلا أن نقارن بين أداء حكومة أردرن وأداء حكوماتنا، بين قضاء نيوزيلاندا وقضاء بلدنا، بين مسؤولية نواب نيوزيلاندا ومسؤولية نوابنا، بين أداء إدارات نيوزيلاندا وأداء إداراتنا. بين مداخيل مسؤولي نيوزيلاندا، والثروات والمداخيل غير المشروعة للعديد من المسؤولين في بلدنا.
أردرن لم تأخذ قروضاً من إجل مكاسب خاصة، أردرن لم تنقل ملكية عقاراتها في جنح الليل تهرّباً من الضرائب، أردرن لم تحوّل أموالاً بصورة غير شرعية للخارج، أردرن لم تستول على أملاك بلدها، خدمت شعبها ولم تسرقه. ضمير أردرن، وشفافيتها، وصدقيتها، وإخلاصها لبلدها دفعها إلى التنحّي عن السلطة، زاهدة بالمنصب وبريق السلطة.
في بلدنا يتمسك المسؤولون بالمنصب والكرسي، يتنافسون عليه مثل تنافس الضباع على الفريسة، همّهم الأول والأخير، التمسك بالمنصب، والجلوس على الكرسي، حتى ولو جثم الكرسي على جثة الوطن ورقاب الشعب!
*وزير الخارجية والمغتربين الأسبق