الأسد شكر الدول التي وقفت إلى جانب سورية بعد الزلزال: تأسيس صندوق لدعم المتضرِّرين وإجراءات لتخفيف التداعيات
أكّد الرئيس بشّار الأسد أنّ المشهد في إثر الزلزال المدمِّر الذي ضرب سورية لم يكن غريباً إذ كان ملموساً خلال الحرب على سورية وأتى بعد 12 عاماً من الحرب والحصار»، وشكر «الدول التي وقفت إلى جانب سورية منذ الساعة الأولى للكارثة من أشقّاء عرب وأصدقاء»، كما شكر فرق الإنقاذ التي أُرسلت من أجل المشاركة في عمليّات الإغاثة، لافتاً إلى العمل على تأسيس صندوق لدعم المتضرِّرينو إصدار تشريعات واتّخاذ إجراءات لتخفيف التداعيات، بالإضافة إلى أفكار أخرى سيُعلن عنها من جانب المؤسّسات المعنيّة.
كلام الرئيس الأسد جاء في كلمة متلفزة عن تداعيات الزلزال واستهلّها بالقول « أيّها الأخوة المواطنون: الوطن هو المنزل وحمايتُه واجبٌ بغضّ النظر عن نوع وحجم التحدّي، وبغضّ النظر عن الإمكانيّات زادت أو نقُصَت، هذا ما كان منذ اللحظات الأولى للزلزال. هذا الشعور العميق والشامل تجاه الوطن البيت سورية، من قبل أبناء عائلته الواحدة أفراداً ومؤسّسات. وهذه الهبّةُ الهائلة لحماية وإنقاذ ومساعدة أخوتِهم المكلومين في حلب واللاذقيّة وحماة، لم يكن المشهد الوطني والإنساني غريباً عن أيٍّ منّا وقد لمسناه بمفاصل متعدِّدة خلال الحرب على سورية، لكنّه كان أكثرَ شمولاً ووضوحاً. والأهمّ أنّه كان أكثرَ بلاغةً، لأنّه أتى بعد اثني عشر عاماً من الحرب والحصار، مع ما رافقهما من موت وتخريب وقلّة موارد على المستوى الوطني لكن كلّ ذلك على قسوته، لم يُغيِّر من جوهر شعورنا وتفكيرنا تجاه بعضنا البعض، وتجاه الوطن بأرضه وشعبه، بمفاهيمه وعاداته وتقاليده».
ضعف الإمكانيّات ومحاولة كسر الحصار
أضاف «وإذا كانت هذه الحرب قد استنزفت واستنفذت الكثيرَ من الموارد الوطنيّة، وأضعفت الإمكانيّات لمواجهة المزيد من الأزمات، فهي نفسُها التي أعطت المجتمع السوري الخبرة والمقدرة على التحرّك السريع والفعّال في الساعات الأولى للزلزال. فكان حجم تلك الكارثة والمهامُ المناطةُ بنا جميعاً أكبرَ بكثير من الإمكانيّات المتاحة، لكن ما تمكّن مجتمعُنا من القيام به بأفراده ومؤسّساته، كان أيضاً أكبرَ بكثير من الإمكانيّات المُتاحة، ليس بسبب الحرب والحصار فقط، وإنّما لأن سورية لم تكن منطقة زلازلَ مدمِّرة على امتداد قرنين ونصف. فلا المنشآت والأبنية، ولا المؤسّسات والمعدات محضَّرةٌ للكوارث الطبيعيّة بأنواعها. ما جعل التحدّي الأول من نوعه هو الأكبرُ بحجمه. ولم يُعوِّض نقاط الضعف تلك، سوى الاستجابة العالية والسريعة من قبل المؤسّسات الحكوميّة ومؤسّسات المجتمع المدني والأفراد، متطوّعين بأعمال الإنقاذ أو متبرعين بمساعدات عينيّة أو ماليّة، مقيمين أو مغتربين، حاولوا بكلّ الطرق كسر الحصار لإيصال أيّ مقدار ممكن لمساعدة أخوتهم المنكوبين. بالإضافة إلى المساعدات العاجلة التي وصلت من الدول الشقيقة والصديقة، والتي شكّلت دعماً مهمّاً للجهود الوطنيّة في تخفيف آثار الزلزال وإنقاذِ الكثيرِ من المصابين».
تداعياتٍ عاجلةً وآجلة
وتابع «لكن ومن خلال تجارِبِ الدول الأخرى في هذا المجال، فإن للزلازل تداعياتٍ عاجلةً وآجلة. وما سنواجهه على مدى أشهر وسنوات من تحديات خدمية واقتصاديّة واجتماعيّة، لا يقل أهمية عمّا واجهناه خلال الأيام الأولى، وهو بحاجة للكثير من التفكير والحوار والتكافل والتنظيم لدى مختلف القطاعات الوطنيّة ومن الضروري ألاّ ننظر إلى تلك التداعيات كحالة منعزلة مرتبطة بالزلزال حصراً، بل كحالة تراكميّة للحرب والتخريب الإرهابي، وللحصار بتأثيراته، وللزلزال مؤخراً.. يُضاف إليها عواملُ خلل تراكمت عبر عقود سابقة للحرب في القطاعات المختلفة».
المهمّ امتلاك رؤية وطنيّة
وأردف «قد يبدو المشهد معقّداً، وقد يكون من الصعب الفرز بين الأسباب المؤدّية لكلّ مشكلة من المشكلات على حدة. لكنّه يعطينا بالمقابل فرصةً لحلّ تلك المشكلات المتراكمة بشكل مترابط. وهذا يعني أن ننتقل من معالجة سلبيّات الظروف الطارئة، إلى إضافة إيجابيّات المعالجة الشاملة، وما يعنيه ذلك من تطوير وتقدّم إلى الأمام، بدل الاكتفاء بالوقوف في المكان في مواجهة الأزمات. وهذا لا يُمكنُ أن يحصلَ دفعةً واحدة، بل كأولويّاتٍ بحسب توافر الإمكانيات وعلى مراحلَ زمنيّة، لكن المهمّ هو امتلاكُ الرؤية، المبنيّة على توافق وطني، منطلِق من حوار واسع».
تأمين مساكن مؤقتة
وقال «لكن حتى ذلك الحين يجب علينا متابعةُ التعامل مع تداعيات الزلزال بحسب تسلسلها. فبعد تجاوز مرحلة الإنقاذ وتأمين مراكز الإيواء الطارئة وتأمين المستلزمات الأساسيّة من غذاءٍ وكساءٍ ودواء، وهذا الذي تمّ حتى الآن، فقد بدأت المؤسّسات الحكوميّة المعنيّة بالعمل على توفير المساكنِ المؤقتة، ريثما يتمّ تأمينُ المساكنِ الدائمةِ في مرحلة لاحقة. وحاليّاً تتِم دراسة تأسيس صندوق لدعم المتضرِّرين بهدف مساندتهم ريثما يتمكنون من استعادة قدراتهم الحياتيّة بجوانبها المختلفة، وذلك بعد الانتهاء من إحصاء الأضرار، ووضعِ المعايير لتحديد المشمولين وأسس الدعم. كلّ ذلك بالتوازي مع العمل السريع للجم التراجع الاقتصادي الذي يُصيب عادةً المناطق المنكوبة ويؤثِّر على الاقتصاد الوطني بشكل عام، عبر إصدار التشريعات واتّخاذ الإجراءات التي تُخفِّف الأعباءَ الاقتصاديةَ عن أهلها وتُسرِّع دورة الاقتصاد فيها، والتي تمّ البدء بدراستها قبل عرضها من أجل النقاش واتّخاذ القرارات المناسبة خلال الأيّام القليلة القادمة. بالإضافة لعدد من الأفكار الأخرى المطروحة مؤخراً، والتي سيُعلَن عنها من قبل المؤسّسات المعنيّة بعد أن تستوفي حقّها من الدراسة والنقاش ويثبتَ جدواها».
مشهد وطني إنساني متميِّز
وتابع «أيّها الأخوة: عندما تتعرّض المجتمعاتُ للزلازل بأنواعها، جيولوجيّةً كانت، سياسيّة، عسكريّة، ثقافيّةً، اجتماعيّة، أم غيرها من الهزّات العنيفة، فلا بدّ لها أن تفقِد شيئاً من استقرارِها، لاهتزاز ضوابطها المؤسّسيّة والاجتماعيّة، من قوانينَ وأنظمة، ومن مفاهيمَ وأعرافٍ وأخلاقيّات. وهذا يؤدّي بدوره لظهور السلبيّات الموجودة أساساً، لكنّها كامنة أو محدودة بفعل تلك الضوابط. والحماس والاندفاع لمعالجة تلك المظاهر التي تطفو على السطح في الأزمات ضروري، شرط أن يرتكز على الحكمة والوعيّ، وعلى الحقائق لا على المبالغات أو الأوهام فلنبحث عن الحقيقة بدلاً من تسويق الشائعة، التي إن طغت على مشاهد البطولة والتضحية والتفاني والتعاضد والاندفاع اللامحدود الذي شهدناه خلال الساعات والأيام التي تلت الزلزال، فإنّها ستُرسل رسائل الإحباط لكلّ أولئك الذين صنعوا ذلك المشهد الوطني الإنساني المتميِّز والمُذهل، وتُسوِّق لصورة مناقضة ومغايرة لتلك الصورة ناصعة البياض التي رسمناها لدى الآخرين. فهل من حدث – صغُر أو كبُر- قادر على محو صور البطولة لمؤسّساتنا الوطنيّة المدنيّة والعسكريّة، والمجتمع الأهلي، والأفراد المتطوعين خلال قيامهم بعمليّات الإنقاذ كخلايا نحلٍ على مدار الليل والنهار؟ وكانوا أصحاب الفضل في كلّ ما أُنجز، حملوا الوطن بآماله وآلامه بحماسٍ ورضىً وحبٍ لا محدود وتضحية عظيمة، وكانوا هم الوطن بكلّ معانيه الجميلة، وقيمه النبيلة؟ أم ذلك الاندفاع الشعبي العفَوي لدعم المنكوبين بطوفان من الخير، حجب عنهم العَوَزَ والسؤال. ذلك الاندفاع الذي تساوى فيه ميسور يُعطي بلا طلب، ومحتاج يقتطع شيئاً من موارده وقوتِ يومه الذي بالكادِ يكفيه وعائلته ليساعد منكوباً؟ فجسّدوا لنا أنموذجاً حيّاً وحقيقيّاً للأخلاق بأنبل تجلياتها، والوطنيّة بأعمق معانيها، والإنسانيّة بأرقى صفاتها؟ وهل يُمكن أن ننسى أولئك الذين استنفروا غِيرةً وحرصاً للدفاع عن الصورة الحقيقيّة لمجتمعنا في وسائل الإعلام والتواصل المختلفة، ولم يسمحوا للصورة المشوّهة التي حاول البعض تسويقها، المساس بسمعتنا كمجتمع، للأخلاق فيه وللتعاضد والغيرية القيمة الأعلى على المستوى الفردي والجماعي؟ وغيرُ ذلك من قصص وحكايا وتفاصيل لا نهاية لها، وأشخاصٍ وأبطالٍ، بواسل ومقاديم، هم للحاضر قدوات وللمستقبل منارات».
أضاف «لكلّ أولئك، لكلّ من عمل على تخفيف المُصاب الأليم بما يستطيع ماديّاً ومعنويّاً، بشيء أو بكلمة، مقيمين ومغتربين، لا نوجه الشكر، لأنّ محبة الوطن وخدمته والدفاعَ عنه من قبل أيٍّ منّا هو واجب لا يستدعي الشكر، بل نقول لهم، نفخر بكم ويفخر بكم الوطن. وفي خضّم ألمنا وحزننا على الضحايا، وفخرنا بأبناء وطننا، لا يفوتنا تقديم الشكر لكلّ الدول التي وقفت معنا منذ الساعات الأولى للكارثة، من أشقاء عربٍ ومن أصدقاء، وكان لمساعداتهم العينيّة والميدانيّة الأثرُ الكبير في تعزيز قدراتنا لمواجهة الظروف الصعبة في الساعات الحرجة. وأخصّ بالذكر فرق الإنقاذ من مختلف الدول التي شاركت بفعاليّة، وبقيت تعمل حتى آخر لحظات الأمل بوجود شخص حيّ تحت الأنقاض، وشاركوا بعمليّات الإنقاذ بتفاني وحماس زملائهم من السوريين، وكانوا أخوةً حقيقيين. لهم نوجّه باسم كل سوري، تحيةً وشكراً وامتناناً».
الإيمانُ بقدراتنا الذاتيّة الكبيرة
وختم «أخوتي المواطنين: كلّنا في هذا الوطن مسلمين ومسيحيين نؤمن بالله.. والإيمانُ به يعني الإيمانَ بإرادته. وإرادتُه بالنسبة لنا قدر قد يأتينا بأشياء نُحبّها وأخرى نبغُضُها.. وإن لم نكن في موقع من يدركُ الحكمةَ الإلهيّةَ من البلايا والنعم التي تصيبُنا وأسبابها، فنحن بكل تأكيد في موقع تعلُّم الدروس وأخذ العبر منها، من حسنها وسيئها. وأهمّ وأوّل ما نتعلّمه من هذه التجرِبة القاسية وقد تمكنّا مع بعضنا البعض، بمختلف أطيافنا وقطاعاتنا من التغلّب على ظروفنا وقلّة إمكانياتنا، هو الإيمانُ بقدراتنا الذاتيّة الكبيرة، والإيمانُ أن تعاضدَنا هو الذي يفعّلها، وأن تشتتَنا هو الذي يخمدها. فلنؤمن بالله، ولنؤمن بالوطن، ولنؤمن بالإرادة القادرة على صنع المعجزات عندما نمتلكُها، لتبقى سورية عزيزةً بأبنائها، قويّة بتاريخها، غنيّة بكرامتها، قادرة بإرادتها. رحم الله فقداءَنا، وشفى جرحانا، وحمى سورية وشعبها من كلّ مكروه».