لا حلول قبل انتظام عمل المؤسسات وتحديدأ القضاء…
} أحمد بهجة*
يعاني اللبنانيون من أزمات اقتصادية واجتماعية ومعيشية تزداد تعقيداً بشكل يومي، وتفرض على الغالبية الكبرى من المواطنين التقشف وتخفيف الفواتير حتى في بعض الأساسيات…
رغم ذلك نجد أنّ المستوى السياسي في لبنان لا يريد اعتماد الحلول اللازمة للأزمات المتراكمة، خاصة أنّ هناك حلولاً موجودة لكنها تتطلب من المسؤولين وضع مصالحهم الخاصة جانباً واتخاذ بعض القرارات الجريئة والجذرية التي سنعود إليها لاحقاً.
وحين نقول المستوى السياسي فإننا نتحدث عن المكونات السياسية في البلد، الموالي منها والمعارض والـ «ما بين بين»، علماً أنّ الطاسة ضايعة هذه الأيام، حيث نجد أنّ مَن بقي لسنوات طويلة في السلطة يصنّف نفسه اليوم معارضاً! بهدف عدم تحمّل المسؤولية عن سياساته الاقتصادية والمالية الخاطئة التي يدفع ثمنها مجموع اللبنانيين. وبالتالي لم نعد نعرف من هو المعارض ومن هو الموالي، وإذا صنّف أيّ طرف نفسه على أنه موالٍ أو معارض فإنّ السؤال يُطرح عليه فوراً: تعارض مَن وتوالي مَن؟
على أيّ حال موضوعنا هو ضرورة إيجاد الحلول، لأنّنا بغير ذلك ذاهبون بعيون مفتوحة إلى الانفجار الاجتماعي الكبير، وهنا لا بدّ من التحذير المسبق بأنّ المصطادين في المياه العكرة كثيرون جداً ويعملون لكي يأخذوا أيّ تحرك للناس في الشارع باتجاهات أخرى بحيث يكون الناس مجموعات منقسمة وتتحرك ضدّ بعضها البعض مع أنّ وجعهم واحد ومصدر العلة واحد…
أول الحلول هو وجود دولة فاعلة وعاملة، بما يعني أنّ الأولوية هي لانتخاب رئيس للجمهورية، لأنّ هذا الأمر هو مفتاح إعادة الانتظام العام لعمل المؤسسات، الحكومة والمجلس النيابي والسلطة القضائية التي نجدها في أحيان كثيرة معطلة أو مكبّلة وغير قادرة على القيام بالدور المنوط بها في عملية النهوض، حيث لا يمكن الحديث عن خطوات إنقاذية حقيقية في غياب القانون.
في هذا السياق يجب أن تأتي الحلول لأزمة القطاع المصرفي، لأنّ الوسيلة الوحيدة لتحقيق إيجابيات في هذا المجال تكون عبر اتباع الطرق القانونية السليمة في حلقة متكاملة تجعل الجميع يصلون إلى حقوقهم حتى لو أخذ هذا المسار بعض الوقت، على عكس ما هو حاصل اليوم حيث يمرّ الوقت ولا حلول أبداً منذ نحو أربع سنوات، والناس لا تعرف كيف يمكن أن تحصل على ودائعها، وهناك في القطاع المصرفي مَن يقول إنّ الأموال تمّ إيداعها في مصرف لبنان، وهذا الأخير يدّعي بلسان «حاكمه» أنه أعاد إلى المصارف أموالها، وأنّ الدولة أيضاً استدانت أموالاً من المصرف المركزي… وهي حلقة ستبقى مفرغة إذا لم يتمّ وضع الحلول القانونية الصارمة لها بحيث تتحمّل كلّ جهة ما عليها من مسؤوليات، ويعرف كلّ صاحب حق أين حقه وكيف يمكن له أن يسترجعه…
بذلك فقط يمكن حلّ معضلة القطاع المصرفي، وليس بالإضراب المخالف للقانون، حيث توجد طرق وأساليب أخرى على المصارف اتباعها إذا كان لديها احتجاج أو اعتراض على طريقة تعامل القضاء معها، علماً أنّ المطالبات القضائية تخص بعض المصارف وليس كلها، فلماذا الإضراب الجماعي بشكل يثير الريبة بأنّ الجميع لا يريدون الخضوع للقانون الذي من خلاله وحده يتمّ التحديد بوضوح أيّ مصرف يجب أن يُقفل، وأيّ مصرف ممكن أن يستمرّ وأن يكسب مجدّداً ثقة الناس، وأيّ مصرف جديد ممكن أن يدخل إلى السوق، علماً أن لا حاجة إلى هذا العدد الكبير من المصارف في اقتصاد بحجم الاقتصاد اللبناني، وكان ذلك العدد الكبير للمصارف وجهاً من وجوه الأزمة التي وصلنا إليها اليوم، خاصة أنّ هذه المصارف لم تعمل بالاستثمار الإنتاجي بل حصرت كلّ اهتماماتها بالفوائد والريع والمضاربات المالية،
إذا لم نعتمد المسار القانوني الطبيعي فإنّ أحداً لن يصل إلى حقه، وستبقى الودائع ضائعة بين حانا ومانا، حيث لا تزال حركة الأموال مفتوحة في كلّ الاتجاهات ويستطيع النافذون أن يخرجوا ما يريدون من أموال بالوسائل التي يسمّونها شرعية وقانونية، في حين أنّ مودعين آخرين لا يستطيعون الحصول على فتات ودائعهم لتغطية مصاريفهم الضرورية والملحّة ومنها مصاريف الاستشفاء والطبابة والتربية والمعيشة اليومية وغيرها مما لا غنى عنه أبداً…
وحين نقول نافذين لا نقصد السياسيين وحدهم بل معهم شركاؤهم من أصحاب المصارف ورجال الدين والإعلاميين، وعلى رأس هذه المنظومة يأتي «الحاكم» ما غيره رياض سلامة الذي تناقضت الأنباء بشأنه في الأيام الأخيرة، فمنها مَن قال إنّ الولايات المتحدة تعدّ لفرض عقوبات عليه، ومنها ما أوردته وكالة «رويترز» نقلاً عن وزير المال يوسف خليل الذي ألمح إلى إمكانية التمديد لسلامة بعد انتهاء ولايته الحالية في تموز المقبل، علماً أنّ سلامة نفسه جزم في حديث صحافي قبل أيام بأنه ذاهب إلى التقاعد بعد انتهاء ولايته…!
أولاً خبرية العقوبات الأميركية على «الحاكم» مضحكة فعلاً، حتى لو أنّ الولايات المتحدة سبق وتخلت عن كثيرين ممن خدموها لسنوات طويلة وبينهم رؤساء دول وحكومات وقادة كثر، لكن في وضعية سلامة لا تصحّ هذه المسألة حتى لو انتهى دوره وأحيل إلى التقاعد، لأنّ بعض شركائه مستمرون على قيد الحياة السياسية، ويواصلون خدمة السياسة الأميركية في لبنان والمنطقة، ولا تريد واشنطن التأثير على أدوارهم المطلوب استمرارها، وبالتالي تريد للأسرار الكبيرة والكثيرة التي يملكها «الحاكم» أن تبقى طيّ الكتمان.
ثانياً خبرية التمديد لسلامة بعد انتهاء ولايته في تموز المقبل، والتي أتت على لسان وزير المال يوسف خليل الذي حاول أن ينفي حديثه عن التمديد، إلا أنّ هذا الأمر لا يمكن أن يحصل بأيّ شكل، وهو غير مقبول شعبياً وسياسياً، ولا يمكن مع عقليات كهذه الإتيان بالحلول المطلوبة.
ثالثاً عن رغبة سلامة في التقاعد خارج لبنان بعد انتهاء ولايته، لا يهمّ أين ومع مَن سوف يمضي بقية حياته، المهمّ هو أن يخضع للحساب، وهنا نعود إلى ما قلناه قبل قليل عن ضرورة تفعيل الأطر القانونية وإبعادها كلياً عن السياسة والأهواء والمصالح… إذ لا يمكن أن يتنعّم أيّ شخص مع عائلته وحاشيته بملايين أو مليارات الدولارات العائدة للبنانيين جميعاً من دون سؤال أو محاسبة ومحاكمة بأشدّ العقوبات، وطبعاً استعادة الأموال…
*خبير اقتصادي ومالي