آخر الكلام
لماذا الاحتفال بذكرى ولادة الزعيم سعاده؟
يكتبها الياس عشّي
يحتفل السوريون القوميون الاجتماعيون بذكرى ولادة سعاده في الأول من آذار من كلّ عام.
لماذا هذا الاحتفال؟ ولماذا الإعداد له في الوطن وعبر الحدود إعداداً يليق بصاحب المناسبة، ويليق بالحزب السوري القومي الاجتماعي الذي يحتلّ مركز الصدارة في تصدّيه للمحاصصات الطائفية، والمذهبية، والعشائرية، والرأسمالية المتوحشة؟
وتزداد حماستك في الجواب عندما يُتّهم القوميون، بحسن نيّة حيناً وبسوئها أحياناً كثيرة، بأنهم يبالغون في احتفالاتهم، وأنهم حوّلوا المناسبة إلى طقس من الطقوس، بل أنهم أفرغوها من محتواها الإنساني، ليتحوّل أنطون سعاده، كما يزعمون، إلى رمز أسطوري يكرّس عبادة الشخص!
فكيف نردّ، نحن القوميين، على هذه الترّهات؟
الواقع هو غير ذلك تماماً، فالقوميون يرون في الأول من آذار معبراً من الأنا إلى الآخر؛ بمعنى أنهم يحتفلون بولادة رجل جاء بعقيدة تؤكد أهميّة الفكر الاجتماعي الذي يؤدّي بالضرورة إلى أن يكون القومي الاجتماعي في خدمة مصالح الأمة، وأن يضحّي بحياته من أجل حياة الأمة. ولذلك اختار سعاده يوم الأول من آذار من عام 1935 ليتلوَ قسم الزعامة في احتفال بسيط أمام بعض الرفقاء، ومن بينهم الأمينان عبدالله قبرصي، وجورج عبد المسيح.
وفي احتفال الأول من آذار سنة 1940 «لم يتصوّر (كما قال سعاده) أنّ هذه الحفلة أعدّت لشخصه مجرّداً عن التعاليم السورية القومية، بل هو موقن أنها أعدّت لشخصه من أجل تمثيله لتلك التعاليم والمبادئ». ثم عاد وأكّد أهمية المناسبة ودورها في توليد « وحدة الشعور في المجموع القومي الاجتماعي».
وأضاف: «… وصار استمرار هذا الاشتراك عاماً بعد عام، البرهان القاطع على أنّ الوحدة الروحية بيني وبين رفقائي تزداد متانة مع مرور الأيام «.
ويرى القوميون، إلى هذه المناسبة، وكأنها محطّة يتجمّع فيها أبناء الأمة الواحدة بكلّ أطيافهم. ففي الأول من آذار، وفي بيئة مخلّعة تتكرّس فيها الصراعات الدينية والمذهبية والعشائرية والعرقية، والطبقية، يلتقي القوميون، ومعهم المواطنون، بفرح، ويعلنون أنّ سعاده اجترح أعجوبة، ووحّد القوميين الاجتماعيين في عائلة واحدة.
وفي الأول من آذار من كلّ عام، يعلن القوميون، أسوة بالمعلم، مواقفهم السياسية، ويطلون على الناس بندوات ثقافية وفكرية ونضالية تنسحب على مِساحة الأمة بكاملها، متماهين مع الخطوط العريضة التي تناولها مؤسّس الحزب في الأول من كلّ آذار بدءاً من عام 1935 وانتهاءً بعام 1949.
فما هي أهمّ الخطوط العريضة التي أرساها سعاده في مناسبات الأول من آذار؟
على سبيل المثال وليس الحصر:
في الأول من آذار من عام 1937 «وعلى أثر الاصطدام الدامي في بكفيا بين القوميين وقوى الاستعمار «وزّع» بيان زعيم النهضة القومية الاجتماعية، وعلى أثره اعتقل الزعيم بعد ثمانية أيام من توزيعه، وأودع السجن لشهرين كاملين».
ماذا جاء في هذا البيان؟
حدّد سعاده هُويّة الكيان اللبناني: «… نحن لبنان، ومن نحن يا ترى؟ ألعلّنا غرباء عن لبنان؟ إنّ هذا التبجّح الفارغ بالغيرة على لبنان، والدفاع عن الكيان اللبناني، يجعلنا أن نتصوّر لبنان ملكاً خاصاً بهؤلاء المدّعين (…) إننا نعلن أنّ كياناً من هذا النوع هو كيان فاسد من أساسه. فإذا كان للبنان كيان فهو كيان للشعب اللبناني كلّه». وفي مكان آخر من البيان ذاته يقول سعاده: «إنهم يتهموننا بمحاولة هدم كيان لبنان، ونحن قد صرّحنا أكثر من مرّة أنّ الحزب السوري القومي لم ينشأ لغرض هدم كيان لبنان، بل لتأسيس العقيدة القومية الصحيحة التي تزيل المخاوف التي أوجبت إنشاء كيان لبنان».
والعجيب أنّ هذه الاتهامات ما زالت قائمة حتى اليوم، ولقد ازدادت شراسة في السنوات الأخيرة مع نموّ ثقافة المقاومة وتفوّقها الميداني على ثقافة الاستسلام. لكن ذلك لم ينل من عزيمة الحزب، ولا من عزيمة أعضائه، ومواطنيه، وأصدقائه الذين يستمرّون في الدفاع عن لبنان، ويسعَون، كما قال سعاده، لإزالة المخاوف التي أوجبت إنشاء هذا الكيان.
وفي هذا البيان في الذات تحدث سعاده عن الحكومة والدولة، وفصل بينهما؛ «… نحن أعضاء في الدولة اللبنانية، ولنا ملء الحقّ في إبداء رأينا بشأن مصيرها، ومن يمنعنا من هذا الحقّ يتمرّد على سيادتنا! ليست الحكومة الدولة، لقد دُفن هذا المبدأ مع لويس الرابع عشر…»، وتتجلّى أهمية هذه الرؤية في تقييم أكثر المراحل خطورة في تاريخ لبنان الحديث عبر الاختلاف الحادّ الناشئ اليوم حول صلاحيات الحكومة في ظلّ خلوّ كرسي الرئاسة الأولى في بعبدا.
لقد وضع هذا البيان الحزب السوري القومي الاجتماعي في واجهة العمل السياسي، وإنما بذاكرة جديدة، وعقلية جديدة، تئدان الممارسات السياسية القائمة على الحسابات الضيقة، وعلى التدليس، وعلى تقاسم الغنائم، وعلى المحاصصات الطائفية والعائلية، كما أكّد هذا البيان أهميّة الفكر السياسي عند سعاده، وعن تصوّره لكيان لبناني يقود عملية التغيير في الكيانات السورية الأخرى.
وفي الأول من آذار من عام 1938، وفي منزل الرفيق لبابيدي، أهدى أنطون سعاده إلى رفقائه القوميين كتابه «نشوء الأمم» الذي انكبّ على تأليفه في أثناء تنفيذه عقوبةَ السجن. ومن ثَمّ ارتجل خطاب الأول من آذار البالغة صفحاته أربعاً وثلاثين، سأفرد له، في مناسبة أخرى، مساحة خاصة لمناقشته.