ليلة حصار تل أبيب…
} شوقي عواضة
في ثوانٍ بسيطةٍ أُسقطت المنظومة الأمنيّة والاستخباريّة «الإسرائيليّة» ومعها سقطت كلّ نظريّتها الأمنيّة وإجراءاتها الاحترازيّة، وتهاوت معها منظومة الباتريوت وأحدث ترسانةٍ عسكريّة يمتلكها (الجيش الذي لا يُقهر) الذي تعدّدت مشاهد هزيمته وتهشيم صورته…
ذلك هو المشهد اليومي في عمق مناطق الكيان المحتلّ الذي بات على يقينٍ بحتمية زواله في ظلّ تصاعد العمليّات العسكريّة التي قلبت المشهد، من خلال عمليّتين نفّذهما فدائيّون من أبناء فلسطين. العمليّة الأولى نفّذها فارس القدس الاستشهادي معتزّ الخواجا مخترقاً كلّ الإجراءات الأمنيّة مطلقاً النّار على مجموعةٍ من المستوطنين في شارع ديزنغوف، وسط تل أبيب من مسدسه الحربيّ من مسافة صفر ممّا أدّى إلى سقوط خمس إصاباتٍ وُصفت حالة اثنتينِ منها بالخطيرة والحرجة جدّاً حيث وضعا تحت التّخدير والتّنفّس الصّناعيّ، وهناك خطرٌ فعليٌّ على حياة أحدهما. في حين أنّ الإصابات الثّلاث وُصفت بالمتوسطة والمستقرّة وفقاً لما أعلنته إدارة مستشفى إيخيلوف التي استقبلت المستوطنين المصابين.
أمّا العمليّة الثّانية فقد نفّذها فلسطينيٌّ على خطّ الباص رقم 226 من القدس إلى بيت عيليت في بيت لحم حيث وضع حقيبةً مفخّخةً بعبوةٍ ناسفةٍ في حافلة نقلٍ ثمّ غادرها، وفي إحدى المحطّات تمّ اكتشاف الحقيبة وتحييدها بمعجزةٍ دون وقوع إصاباتٍ…
العمليّتان شكّلتا إرباكاً كبيراً لدى العدوّ على كافّة المستويات السّياسيّة والعسكريّة والأمنيّة والاجتماعيّة ممّا أجبر القيادة العسكريّة على رفع مستوى الجهوزيّة إلى أقصاها بعد أن كانت قد رفعتها منذ أسبوع تقريباً إلى درجة البرتقالي، لكن ذلك لم يمنع أو يضع حدّاً لتنفيذ العمليّات العسكريّة ضدّ الاحتلال الذي استنفر قوّاته من الجيش والشاباك وحرس الحدود لشنّ عمليّة مداهمةٍ على قرية نعلين مسقط رأس الاستشهاديّ معتز الخواجا ابن القيادي في حركة حماس صلاح خواجا منفّذ عمليّة تل أبيب بالتّزامن مع شنّ حملة تفتيشٍ ومداهماتٍ واسعةٍ بحثاً عن الشّاب الذي زرع العبوة النّاسفة داخل حافلةٍ جاهزة للتّفجير عن بُعد في شارع زكاي في مستوطنة بيتار عليت بالقدس، حيث قامت قوّات الاحتلال بتطويق بلدة بيت إيليت بحثاً عنه وفقاً لما ذكره موقعا (مفزاكي راعام العبري) و(كود كود) وموقع كان العبري الذي أفاد بأنّ زارع العبوة هو مسلّحٌ أيضاً.
كلّ تلك الإجراءات وعمليّات التّمشيط لم توفّر عنصر الأمان للمستوطنين ولم تستطعِ السّيطرة على حالة الرّعب والذّعر التي فرضها المقاومونَ الفلسطينيّون الذين استطاعوا بإراداتهم وعزيمتهم وإمكانيّاتهم المتواضعة جدّاً أن يفرضوا حصاراً على تلّ أبيب من خلال حالة الرّعب التي حوّلتها إلى جبهة قتالٍ بدقائقَ معدودةٍ ممّا أجبر رئيس بلدية تل أبيب رون هولداي على مطالبة الجميع بالبقاء داخل منازلهم وإفساح المجال لقوّات الأمن لتقوم بعملها بالتّزامن مع إطلاق إنذار وبقاء أكثر من 70 ألف مستوطن محاصرين داخل منازلهم في مستعمرة بيتار عليت بسبب اقتحام المستعمرة.
على مستوى ردود الأفعال لقادة العدو فقد نقل موقع انتلي نيوز العبريّ أنّ رئيس حكومة العدوّ بنيامين نتنياهو الذي يقوم بزيارة دبلوماسيّة لإيطاليا قد أجرى تقييماً هاتفياً للوضع مع (وزير الأمن القومي) إيتمار بن غفير الذي كان في طريقه إلى مكان الحادث في حين نقلت القناة 12 العبريّة عن مقرّبين من بن غفير قولهم إنّه لم يأتِ إلى مكان العمليّة بناءً على تعليماتٍ أمنيّةٍ وليس خوفاً من سكان تل أبيب. وهذا يؤشّر إلى مدى مستوى التّهديد الذي بات يقلق قادة الكيان الصّهيوني ويعبّر بوضوحٍ عن قدرة المقاومة في الوصول إلى عمق الكيان وإلى أيّ هدفٍ تريده وهذا يكشف عن نوعيّة وتقدّم عمليّات المقاومة وتهديدها القائم الذي أكّده قائد شرطة العدوّ الإسرائيليّ يعقوب شبتاي الذي حذّر من وجود احتمالاتٍ كبيرةٍ لتنفيذ عمليّات.
في الاستنتاج ثمّة وقائع ميدانيّة تؤكّد أنّنا على مسافةٍ قريبةٍ جدّاً من سقوط الكيان الذي وصفه الأمين العام لحزب الله السّيّد حسن نصرالله بأنه «أوهن من بيت العنكبوت» في ظلّ استكمال كلّ ظروف سقوطه من الدّاخل والخارج، والتي بدأت تظهر للعلن من خلال انقسامه وتآكله من الدّاخل، وهي حقيقةٌ أكّدها العديد من المؤرّخين الصّهاينة وفي مقدّمتهم المؤرّخ بيني موريس الذي رسم نهاية الكيان السّوداء ضمن مدى زمنيّ حتميّ.
(فـ دولة الوعد الإلهيّ) وفقاً لادّعاءاتهم التّوراتيّة باتت عاجزةً عن توفير الأمن لنفسها و(شعب الله المختار) الذي تشكّل أعماله الرّكيزة الأساسيّة لخلاص العالم وفقاً لاعتقادهم فشل في حماية نفسه وتأمين استقراره، وهم في حالة انتظار السّقوط والانهيار.