مقالات وآراء

الحلّ الجذري بالنمو… والنموذج الصالح قدّمه الوزيران بيرم وحمية

‭}‬ أحمد بهجة*
من الناحية العلمية يجب أن يكون سعر صرف الدولار الأميركي تجاه العملة المحلية مرتبطاً بالمعطيات الاقتصادية والمالية والنقدية، ولكن في لبنان يأتي العامل السياسي قبل كلّ ذلك، حيث يتحكم التوقيت السياسي بسعر الصرف.
ونجد مثلاً أنّ سعر صرف الدولار يقفز صعوداً أو يهبط نزولاً بآلاف الليرات حتى في أيام العطلة أو بعد الدوام الرسمي، وأحياناً نشهد تقلبات في سعر الصرف في الليل، وهذا أمر لا يحصل في أيّ دولة من دول العالم مهما كانت طبيعة نظامها الاقتصادي، لأنّ هذا الأمر ليس ناتجاً عن نظام اقتصادي بل عن عدم وجود نظام على الإطلاق، حيث يكون سيد الموقف هو التفلت وغياب القانون وما يشبه شريعة الغاب…
وفي ظلّ أجواء كهذه لا يستطيع أحد التكهّن إلى أين تتجه الأمور، لأنّ ما يحصل غير مستند كما قلنا إلى أيّ أساس علمي أو تقني، والسوق متروكة للفوضى…
أما الحديث عن إفلاس للمصارف بشكل جَماعي فهو مجرد تهويل على الناس، لأنّ الإفلاس له شروطه وقوانينه ولا يمكن رمي الكلام بهذه الطريقة العشوائية التي لا تقدّم ولا تؤخر، بل فقط تشغل بال الناس وخاصة المودعين الذين لا ينقصهم من يصبّ الزيت على النار في هذا الملف الشائك والمعقد.
ويعرف خبراء المحاسبة جيداً أنّ إقفال شركة صغيرة فيها عدد محدود من الموظفين يتطلب إجراءات معقدة وجملة تواقيع في أكثر من دائرة، فكيف إذا كان الحديث عن مصارف فيها آلاف الموظفين ولديها موجودات وأبنية وعقارات تقدّر بمئات ملايين الدولارات؟ هذا أمر لا يحصل بكبسة زر وهناك نماذج حصلت في لبنان خلال السنوات القليلة الماضية مثل بنك المدينة والبنك اللبناني الكندي وبنك الجمال، حيث تمّ تعيين مدير لكلّ من هذه المصارف حتى يتولى بإشراف القضاء المختص وبالتعاون مع مصرف لبنان إعادة الأموال إلى المودعين وإيجاد الحلول المناسبة لنقل ملكيات هذه البنوك إلى مشترين آخرين أو إلى المصرف المركزي نفسه ليعود ويتصرف بها في ما بعد…
وايضاً يأتي إضراب المصارف وإقفالها لأيام أو لأسابيع في سياق التهويل على الناس، أذ لا وجود لكلة إضراب في قاموس العالم المصرفي إجمالاً، فالمصارف تشبه المرفأ والمطار والمستشفى من حيث هي مرفق عام لا يجوز إقفاله أو توقفه بشكل دائم عن العمل.
لكننا في لبنان بلد العجائب والغرائب، لا نستغرب أن تلجأ المصارف إلى هذا الاختراع الجديد، بحجة أنها مستهدفة من القضاء! وهذا أمر غير صحيح أبداً، رغم أنّ معظم الإعلام المموّل من المصارف (بشقيها الرسمي والخاص) يحاول أن يُرسّخ في أذهان الناس أنّ هناك في القضاء مَن يظلم المصارف من خلال بعض الأحكام التي تصدر لمصلحة مودِعين أقاموا دعاوى قضائية في لبنان وخارج لبنان ضدّ مصارف امتنعت عن إعادة أموال هؤلاء المُدّعين.
وإضافة إلى ذلك كان هناك المسار القضائي الذي تقوده القاضية غادة عون التي تحقق في تحويل الأموال إلى خارج لبنان في فترة إقفال المصارف في تشرين الأول 2019، وقد توصلت إلى نتائج جعلتها تدّعي على عدد محدود من المصارف التي رفضت تلبية طلب القاضية عون بالكشف عن حسابات معينة وفق قانون رفع السرية المصرفية بعد تعديله مؤخراً، علماً أنّ هناك مصارف أخرى تجاوبت وكشفت أمام القضاء عن الحسابات المشكوك بها…
من هنا نستغرب كمتابعين لهذا الملف أن تعلن المصارف كلها الإضراب وتقفل أبوابها أمام الناس، رغم أنها قبل الإقفال لم تكن تقوم بكلّ واجباتها تجاه عملائها وخاصة موضوع رفض التداول بالشيكات، وهو أمر يسهّل على المواطنين الكثير من الأمور…
والمشكلة هنا أنّ المسؤولين الحكوميين رضخوا لمطالب جمعية المصارف وحاكم المصرف المركزي وضغطوا على القضاء لكي يوقف مسارات التحقيق، بينما كان يجب أن يحصل العكس، أيّ أن يدعم المسؤولون السياسيون القضاء لكي يصل المسار القضائي إلى نهايته ويتمّ تحديد المسؤوليات بشكل حاسم ثم إنزال العقوبة اللازمة بحق كلّ المتورّطين…
ومما لا شكّ فيه الخروج من الأزمة ليس سهلاً، ولكنه ليس مستحيلاً إذا توفرت الإرادة والقرارات الجريئة، والبداية هنا يجب أن تكون في السياسة إذ نحتاج إلى قيام سلطة لا تحكمها المصالح الشخصية للمسؤولين فيها…
لنأخذ مثلاً الهبة المجانية التي قدّمتها إيران للبنان، أيّ هبة الفيول لتشغيل معامل إنتاج الكهرباء، لماذا لم تقبلها الحكومة اللبنانية…؟ فقط لأنّ رئيسها يخاف على حساباته في الخارج، علماً أنّ هذه الهبة كان من شأنها أن تُنجّح الخطة التي وضعها وزير الطاقة الدكتور وليد فياض، بدل أن تكون الخطة رهينة بيد مصرف لبنان، سواء من حيث التمويل أو من حيث سعر منصة صيرفة الذي يزيد بشكل مستمرّ وينعكس سلباً على الخطة…!
ما حصل مع هبة الفيول الإيراني يعطينا نموذجاً عن طريقة تعاطي الحكومة مع الكثير من العروض التي تلقاها لبنان من أصدقائه حيث هناك العرض الإيراني أيضاً لإنشاء معملي إنتاج كهرباء في الجنوب والشمال بقدرة إنتاجية تصل إلى ألفي ميغاوات، وهو ما نحن بأمسّ الحاجة إليه لأنّ اللبنانيين بغالبيتهم الكبرى ما عادوا قادرين على تحمّل فواتير المولدات الخاصة…
ومثل العرض الإيراني هناك عروض من الصين في ما يتعلق بإنشاء سكك الحديد من الجنوب إلى الشمال ومن بيروت إلى المصنع وإنجاز نفق حمانا ـ شتورة وهو المشروع المزمن الذي لم يجد بعد طريقه إلى التنفيذ، وإضافة إلى ذلك تعرض علينا الشركات الصينية إنشاء شبكة أنفاق في المدن الرئيسية وخاصة في العاصمة بيروت، وهذا من شأنه حلّ أزمة السير الخانقة التي تكلف لبنان واقتصاده ومواطنيه مئات ملايين الدولارات…
وهناك أيضاً العرض الروسي بإنشاء مصفاة للنفط سبق أن تحدث عنها السيد حسن نصرالله في أحد خطاباته قبل فترة، حيث نستطيع الحصول من المصفاة على ما نحتاجه من فيول لمعامل الكهرباء إضافة لما يدخل إلى الخزينة العامة من أموال جراء إعادة تصدير ما تنتجه المصفاة إلى الدول الأخرى… وهنا نشير إلى اليونان التي لا نفط فيها لكنها تملك خمس مصافي للنفط لا يقلّ مدخولها منها عن 8 مليارات دولار في السنة، وكان لها الأثر الكبير في نهوض اليونان من الأزمة الاقتصادية الكبيرة التي واجهتها قبل سنوات…
نورد هذا الكلام لأنّ الحلّ لأزمتنا الكبيرة والمعقدة لا يمكن أن يكون حلاً مالياً أو نقدياً من خلال بهلوانيات يمارسها «الحاكم» دون حسيب أو رقيب، بل الحلّ هو في وضع الاقتصاد على سكة النمو مجدّداً، من خلال تنشيط القطاعات الإنتاجية وتفعيل العلاقات التبادلية مع الدول الشقيقة والصديقة بدءاً من سورية التي لا غنى لنا عنها أبداً ومنها إلى العراق والأردن وباقي الدول العربية…
وفي هذا الإطار لا بدّ من التنويه بإنجازات وزير الأشغال العامة والنقل الدكتور علي حمية الذي خلق من الضعف قوّة وحقق نموّاً ملحوظاً جداً في مداخيل الخزينة بعشرات ملايين الدولارات من المرفأ والمطار…
وأيضاً لا بدّ من الحديث عن إنجازات وزير العمل الدكتور مصطفى بيرم وآخرها إعفاء اللبنانيين من رسم التأشيرة لزيارة العراق، ثمّ متابعته موضوع توفير فرص عمل للمواطنين اللبنانيين سواء في العراق أو غيره من الدول العربية، وهذا ما جعله يجتمع إلى مسؤولي شركة توتال في لبنان ومطالبتهم بالتزام الاتفاق الذي أبرمته الشركة مع الدولة اللبنانية لجهة أن تكون حصة اللبنانيين ثمانين بالمئة من اليد العاملة التي يحتاجها موضوع الاستكشاف والحفر ثم استخراج النفط والغاز من البلوك رقم 9 في جنوب لبنان.
*خبير اقتصادي ومالي

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى