أوباما يفوز على نتنياهو والوهّابيين بالضربة القاضية
طاهر محي الدين
في خطابه الأخير وجه الرئيس الأميركي باراك أوباما اللكمات إلى حلفائه تباعاً، بدءاً برئيس وزراء العدو بنيامين بنتنياهو، وصولاً إلى آل سعود، مروراً بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان، حيث برّر قناعته وإدارته بالإنجاز النووي مع إيران، مشيراً إلى أنّ فتوى المرشد الخامنئي بتحريم تصنيع السلاح النووي تمثل ضمانة نهائية لتبديد مخاوف كلّ دول العالم من تصنيع إيران لهذا السلاح.
يدرك أوباما أنّ التعاون مع «عدو عاقل» في المنطقة، هو الحلّ الأكثر أمناً وهو أفضل من التعامل مع «صديق جاهل» أي نتنياهو وأذياله من آل سعود ومشايخ الخليج، والانجرار وراء جنونهم الذي سيقود إلى حرب، طالما حاولت الإدارات الأميركية تجنبها حتى أيام غطرسة بوش الابن الذي وصف إيران بـ»الجائزة الكبرى»، ومن أجل إسقاطها وتحطيمها دمّر العراق بالتآمر مع مملكة الرمال وتمويلها، وشنّ حربه في أفغانستان، واستخدم القاعدة في مسرحية برجي التجارة العالميين، وشنّ حرباً بواسطة «إسرائيل» على حزب الله في تموز، ليكسر قوة المحور الممتدّ من طهران إلى دمشق فالضاحية الجنوبية لبيروت.
وجاءت بعد ذلك إدراة الديمقراطيين لتستكمل الهدف بشنّ حروب بالوكالة وتعميم الفوضى وإداراتها، في شكل يؤدي إلى تدمير الدول ذاتياً. وقد بدأت تلك الحروب في تونس، ثم انتقلت إلى ليبيا ومصر عن طريق التلاعب بالوعي الجمعي للشعوب العربية عبر إعلام قطر والسعودية، لتصل إلى سورية الهدف الأكبر والقلب النابض لمحور المقاومة والممانعة. واستخدمت في تلك الحروب كلّ أنواع الإرهاب باستعادة الأداة القديمة «القاعدة»، ولكن بمسميات جديدة مثل «جبهة النصرة» وتنظيم «داعش»، اللذين نشرا الفوضى والإرهاب في المنطقة واحتلا مساحات شاسعة بدعم تركي وسعودي.
لكنّ السحر انقلب على الساحر، سحر إسقاط الحدود، فاشتراك الجبهات كان السلاح الأمضى الذي استخدمه محور المقاومة في مواجهة المشروع الصهيووهابي، فأعلن أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله معادلته الأشهر «سنكون حيث يجب أن نكون»، فكان برجاله في سورية وبدأ إسقاط المشروع من القصير إلى القلمون إلى القنيطرة وريف درعا وريف حلب وقبلها كسب، كما كانت تلك المعادلة هي الضامنة لجماعة عصائب أهل الحقّ في العراق وقوات الحشد الشعبي.
كان موقف إيران حاسماً عندما أعلنت استعدادها لنسف كلّ ملف التفاوض النووي إبان عملية القنيطرة الغادرة وعملية الردّ عليها من قبل حليفها حزب الله في مزارع شبعا. حينها اضطر الأميركي للانكفاء وإعلان قرار عدم انجراره إلى الحرب خلف جنون نتنياهو. وعندما قال إنّ ما حدث هو أمرٌ خطير، لكنه لا يستدعي نشوب حرب، سدّد الضربة القاضية لرئيس وزراء العدو، فأخرج حزب الله «إسرائيل» من معارك الإرهاب في القنيطرة والجولان وقلص حجم دعمها المباشر لـ»النصرة».
إنّ ما قامت به «النصرة» في إدلب و غيرها من المناطق بجنون السعودي والعثماني لا يغير قيد أنملة في مسار الحرب الاستراتيجية الكبرى ولا في معادلات الصراع لأنّ أفعى «النصرة» يتم دقّ رأسها في الجولان والقنيطرة على الشريط المحتل، وبالتالي أقول لكلّ المنظرين الاستراتيجيين من «الوطنيين»، لا يهولكم جنون «النصرة» في إدلب لأنّها تدرك أكثر منكم أنها تموت ببطء نتيجة قطع رأسها في الجنوب السوري.
أما النقطة الثالثة التي آلمت نتنياهو مع أذنابه وصعقتهم، فهي إصدر آخر قائمة للإرهاب والتي لا تضم حزب الله ولا إيران.
والنقطة الرابعة هي رسائل أميركا المباشرة إلى «إسرائيل» والأعراب عبر وزير الخارجية الأميركي جون كيري الذي أعلنها واضحة في نهاية المطاف حين قال: «لا بدّ لنا من التفاوض مع الرئيس السوري بشار الأسد لمحاربة الإرهاب وحلّ مشاكل المنطقة»، فكان ردّ الرئيس الأسد مدوياً: «نحن ننتظر أفعال أميركا وليس أقوالها».
أما الضربة القاضية النهائية، فكانت تصريح الرئيس الأميركي باراك أوباما لإحدى المحطات الأميركية والذي شكل صدمة لأعراب الخليج والكيان الصهيوني، حين قال: «إنّ أميركا ملتزمة بحماية حلفائها من أي اعتداء خارجي، ولكن عليهم إصلاح سياساتهم وأوضاعهم الداخلية أولاً». وهذا يعني أنّ محاولات «إسرائيل» والسعودية لنسف الإنجاز النووي الذي تمّ مع إيران هي أوهام وأضغاث أحلام، فمشكلة السعودية هي مع نفسها وليست مع إيران، وأمنها الذي تدعي أنه مهدّد من قبل إيران النووية هو محض كذب، فما يهدّد أمنها هو سياساتها.
المهم أنّ إيران أصبحت دولة نووية مشاركة في صنع القرار العالمي، وتملك حق الفيتو ولو حتى من خارج مجلس الأمن في شكل رسمي، بينما أثبتت السعودية فشلها في كلّ الملفات في المنطقة، أما «إسرائيل» فبدلاً من أن تكون رأس حربة المشروع الأميركي في المنطقة، أصبحت عبئاً عليه بعد هزائمها المتلاحقة في سورية ولبنان وأمام بطولات المقاومة التي رسمت منذ تفاهم نيسان أولى معادلات توازن الردع وقاومت العدو الصهيوني الذي أجبر على الانسحاب من جنوب لبنان عام 2000، ثم مني بهزيمة نكراء في حرب تموز 2006. وبعد أعوام على تلك الحرب، أسقطت عملية مزارع شبعا كلّ قواعد الاشتباك القديمة وأغرقت الكيان الصهيوني في معادلات كسر الردع الجديدة، مع الإشارة إلى هزائم هذا الكيان في غزة، كما هو حال كيان آل سعود الذي فشل في إنجاز كلّ مهمّاته في العراق وسورية والبحرين، وهو يتجرع الكأس المرة بحربه الإرهابية على اليمن التي ورطه فيها الأميركي لتكون مقبرته، كذلك كان حال العثماني الإخواني الذي سقط في ليلته الكبيرة في مصر، كما كان حاله في تونس وليبيا، وهزيمته وفشله الذريع في سورية، وقد أسقط معه مشروع الإخوان بلا رجعة.
لكلّ المعترضين على الاتفاق النووي الإيراني أقول: موتوا بغيظكم، فسيدكم الأميركي عاد صاغراً إلى تقرير بايكر ـ هاملتون للتعامل مع سورية وإيران في المنطقة حيث جاء في متنه التالي:
إنّ التعامل مع إيران وسورية، ورغم أنه مثار خلاف كبير، إلا أننا نرى أنّ أي أمة من وجهة نظر ديبلوماسية، يمكنها وينبغي عليها أن تشرك خصومها وأعداءها في محاولة إيجاد تسوية للنزاعات والخلافات، تماشياً مع مصالحها، وعليه، فإنّ على المجموعة الدولية إشراك إيران وسورية في حوارها الديبلوماسي من دون شروط مسبقة.
وترى مجموعة الدراسات حول العراق أنّ العلاقات الأميركية مع سورية وإيران تشمل قضايا صعبة يجب أن تحلّ، لكن ينبغي إجراء محادثات ديبلوماسية مكثفة وموضوعية، تتضمن قدراً من توازن المصالح. ويجب أن تضع واشنطن في اعتبارها نظام الحوافز لإشراك سورية وإيران في حلّ ملفات المنطقة.