الاتفاق الثلاثي «الإيراني – السعودي – الصيني» صفعة لـ «إسرائيل» وفشل لسياسة الهيمنة على المنطقة
} بتول قصير
«الحفاظ على الأمن القومي» لعلّها الجملة الأبرز التي سعى طرفا النقيض على مدى سنوات مضت لتحقيقها بعد عودة العلاقات الدبلوماسية بين الرياض وطهران.
بعد سبع سنوات من قطع العلاقات بينهما، أعلنت الرياض وطهران يوم الجمعة الفائت أنهما ستعيدان فتح السفارات والممثليات الدبلوماسية في غضون شهرين وتنفيذ اتفاقيات التعاون الأمني والاقتصادي الموقعة قبل أكثر من 20 عاماً. وقد يكون هذا التطور هو الأهمّ استراتيجياً في الشرق الأوسط في العقدين الماضيين. فنبأ عودة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين بعد قطيعة بسبب التباينات بينهما، إنما يوجه ضربة قاضية لـ «إسرائيل» المستفيد الأول من توتر العلاقات بين إيران والسعودية، وإضعاف قدرتها على تأليف تحالف سياسي تطمح إلى تحوّله سريعاً إلى تحالف عسكري ضدّ إيران.
ولعلّ اتهام المعارضة الصهيونية لحكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بإهماله الملف الإيراني، والذي أفضت نتائجه إلى الاتفاق السعودي الإيراني. وهو ما عبّر عنه صراحةً رئيس الحكومة الإسرائيلية السابق نفتالي بينيت حين قال إنّ عودة العلاقات الدبلوماسية بين الرياض وطهران تنمّ عن فشل حكومة نتنياهو وتُعتبر نصراً سياسياً آخر لإيران، إذ يُعتبر الانكفاء الأميركي المذلّ من أفغانستان، وهزيمة مخططاته في سورية من قبل، والوجود الروسي القوي في منطقة شرق المتوسط، أضف إلى ذلك تراجع اهتمام الولايات المتحدة الأميركية بمنطقة الشرق الأوسط، وصعود نفوذ القوى المعادية لهيمنة الأحادية الأميركية على الخارطة الدولية وفي مقدمتها الصين وروسيا وإيران. وهذا ما كرّسته الأزمة الأوكرانية من إعادة خلط الأوراق الدولية، وإنتاج اصطفافات جديدة على مستوى العلاقات الدولية من جهة وتوازنات سيادة المنظومة الدولية من جهة أخرى.
الاتفاق الذي يكتسب أهمية استثنائية أولاً كونه بين أهمّ بلدين في المنطقة، فعلاوة على دور السعودية المحوري في العالم الإسلامي كحاضنة للحرمين الشريفين وهي تملك أكبر اقتصاد في المنطقة وأكبر مصدر للنفط في العالم هي الآن تقود قاطرة العمل العربي وكذلك تتزعّم دول الخليج، وإيران كذلك دولة نفطية مهمة جداً وأيضاً تمتلك ثاني أكبر احتياطي غاز في العالم وعلى أبواب النادي النووي.
كما تكمن أهميته الثانية في انّ الصين الراعي الرسمي لهذا الاتفاق، والطرف الضامن بداية بإعلانه لمبادرته ونجاحها، ومن ثم باستفادة الصين من إيران والمملكة اقتصادياً ناهيك من كونها رسخت موقعها الاستراتيجي في المنظومة العالمية لتشغل فراغات هنا وهناك بدول الشرق والسير قدُماً في ترسيخ رؤية العالم متعدد الأقطاب.
وعليه فإنّ هذا الاتفاق يفضي الى عدة مسائل مهمة تتجلى أولاً، بظهور ملامح نظام عالمي جديد وتبلور شرق أوسط مختلف عما كان عليه إبان الهيمنة الأمييكية منذ دخولها المنطقة باحتلالها أفغانستان والعراق، وإعادة تموضع للتحالفات الاستراتيجية في المنطقة، أبرز معالمها ترسيخ السياسة الخارجية السعودية الحديثة القائمة على توازن استراتيجي يحكم شكل علاقاتها الدولية بين الغرب والشرق. وإعادة بلورة العلاقات الطبيعية بين العرب وإيران ومع حلفائها في المنطقة (اليمن والعراق وبلاد الشام)، وبالتالي انحسار حالة التوتر وعدم الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط. أضف الى ذلك سيؤدي الاتفاق الآنف الذكر الى تعزيز مكانة الصين في المنطقة وفي العالم، خصوصاً أنها أكبر شريك تجاري لدول المنطقة، لا سيما بعدما بلغ حجم التبادل التجاري بين بكين والرياض خلال السنوات (2017-2021) 1.2 تريليون ريال، وهو ما يعكس قوة الشراكة الاقتصادية وتنوع الفرص التجارية والاستثمارية لدى البلدين بالتزامن مع مبادرتها لمشروع «الحزام والطريق» المزمع تنفيذه مستقبلاً.
بالإضافة الى كلّ ذلك سيسهل هذا الاتفاق انضمام كلا من السعودية وإيران إلى منظومة «بريكس» التي تضمّ حالياً الصين وروسيا والهند والبرازيل وجنوب أفريقيا ويعتبرها الكثيرون نواة النظام العالمي الجديد.
انّ الاتفاق الثلاثي المعلن عن عودة العلاقات الدبلوماسية بين إيران والسعودية، أثار موجة من الأمل والتفاؤل في كافة أرجاء العالم ربما باستثناء الولايات المتحدة الأميركية ومن يجري في فلكها الى جانب ربيبتها «إسرائيل»، ممن صنعوا أمجادهم الأسطورية على الدماء وإراقتها ونشر الفوضى وزعزعة أمن دول المنطقة وبالتالي تقويض استقرارها ليسهل ابتزازها ونهب ثرواتها، وإجبارها على شراء الأسلحة بمليارات الدولارات. ما يعني انّ انفتاح السعودية على الصين سمح للأخيرة بتعزيز وجودها في الشرق الأوسط، الأمر الذي كانت «إسرائيل» تدرك خطورته، لكون الصين لا تأتي إلى الشرق الأوسط من البوابة «الإسرائيلية»، كما كانت تخطط، ولكنها قدمت من البوابة الإيرانية، ومن ثم من البوابة السعودية، وخصوصاً مع إدراك «إسرائيل» أهمية تلك البلدان في استراتيجية «الحزام والطريق» الصينية، وتراجع تأثير الولايات المتحدة الأميركية في دول الخليج العربي، وحضور النفوذ الصيني – الروسي الحليف لإيران قلب الموازين وهو الخطر الذي تستشعره تل أبيب بتراجع توافر الحلفاء الإقليميين لها في المنطقة لمواجهة إيران وحلفائها وبالتالي تراجعها لنقطة الحلقة الأضعف، خاصة مع الأزمة المشتعلة في الداخل الصهيوني وغياب الحلول في الأفق.