شروط الأسد السياديّة لمصالحة أردوغان: أدهشت الحلفاء وأصابت الخصوم بالذهول!
ناصر قنديل
طوال سنوات وخصوم الدولة السورية من ضيوف القنوات التلفزيونية الناطقة بالعربية شرقاً وغرباً، حملة ألقاب المحللين والخبراء، وكتّاب الصحف العربية داخل البلاد العربية وفي الغرب، يردّدون على مسامع وأمام عيون المواطن العربي لازمة مفادها، أن الدولة السورية التي تلقت دعم حليفين هما روسيا وإيران، لم يعد لها قرار سياديّ، فهي تحت حماية هذين الحليفين وتعيش بمساعدات مالية منهما، وقرارها السياديّ تتقاسمه هاتان الدولتان تأمران فتطاعان.
خلال المدة الممتدة من أول العام، كنا أمام تدفق إعلاميّ من كل حدب وصوب حول تبلور مسار مصالحة تركي سوري بزخم روسي إيراني عرف آخر تجلياته في الإعلان عن تشكيل رباعية روسية إيرانية سورية تركية، سوف تلتقي على مستوى نواب وزراء الخارجية خلال أيام تمهيداً للقاء على مستوى وزراء الخارجية، وصولاً للقمة المرتقبة للرئيسين السوري بشار الأسد والتركي رجب أردوغان. وكان معلوماً حجم الجهد المبذول من روسيا وإيران على مدى سنوات لاحتواء تركيا ونقلها تدريجاً من الحضن الأميركي، حيث شكلت قاعدة الحرب الأميركية على سورية، وجعلها تتموضع في منطقة وسط مثلها محور أستانة، وصولاً للتطلع بعد قمة طهران الثلاثية الروسية الإيرانية التركية بإحداث نقلة في الموقع التركي أكثر اقتراباً من الثنائي الروسي الإيراني، خصوصاً في لحظة تموضع سعودي مثله الاتفاق السعودي الإيراني برعاية صينية، وعندما بدأ الرئيس السوري بشار الأسد الى موسكو ظنّ الكثيرون، وبشّر بعض الإعلام، بأن الرئيس التركي رجب أردوغان سوف يقوم على الأرجح في اليوم الثاني بزيارة موسكو، ويرعى الرئيس الروسي اللقاء المرتقب بين الرئيسين الأسد وأردوغان، واعتبار ما تسرّب عن تحفظات سورية أموراً شكلية لن تعطل المسار، لماذا؟ لأن سورية «فاقدة للسيادة» وقرارها عن الحليفين الروسي والإيراني، فهما «يُطعمانها ويحرسانها»، كما قال لنا جهابذة الإعلام العربي والغربي على السواء.
في اليوم الثاني لزيارته الى موسكو أطلّ الرئيس السوري عبر القنوات الروسية الكبرى، وتحدّث براحة وأريحية عن كل شيء، وعندما وصل الى فرضية اللقاء بالرئيس التركي، قال إن سورية لن تقبل بحدوث هذا اللقاء ما لم تلتزم تركيا بالانسحاب من الأراضي السورية، وهي حتى ذلك التاريخ قوة احتلال وترعى جماعات إرهابية تقتطع جزءاً من الأراضي السورية، وللوهلة الأولى ظنّ الكثيرون أن هذا الموقف متفق عليه مع الرئيس التركي كمخرج لعقد اللقاء، حتى صدر البيان الرئاسي التركي يقول إن شروط الرئيس الأسد لعقد اللقاء الرئاسي غير مناسبة بالنسبة للرئاسة التركية، فصار التساؤل الطبيعي من موقع أهمية اللقاء السوري التركي بالنسبة لأردوغان وانتخاباته، وبالتالي لروسيا وتركيا في احتضان أردوغان، هل دخلنا مرحلة أزمة علاقات بين سورية وحليفيها، اللذين يتقاسمان سيادتها، كما أبلغنا الجهابذة؟
بدا واضحاً أن الحليفين ساندا مواقف الأسد، وأن الرئيس التركي تبلّغ بذلك، وهو الآن يحسب أخماسه بأسداسه، عاجز عن استبدال العملية السياسية التصالحية مع الدولة السورية بحرب لا يجرؤ على خوضها بوجه الأميركي الذي يحمي كانتون شرق الفرات، ولا يملك مقوّمات خوضها ضد الدولة السورية المدعومة من حليفيها، وبدلاً من أزمة علاقات سورية مع روسيا وإيران، أدهشت النبرة السيادية للأسد حليفيه، اللذين يعرفان أن الأولوية عندهما لا تزال تعافي سورية كدولة سيّدة موحّدة تفرض سيطرتها على كامل أراضيها وثرواتها، باعتبار هذا التعافي بهذه المعايير هو علامة نجاح الدورين الروسي والإيراني في سورية، وكسب أردوغان هو أرباح إضافية، وليس الوجهة الرئيسية للاستثمار. ومعيار التعافي تقرره الدولة السورية وفق المفهوم القانونيّ والأخلاقيّ الذي يقوم الروس والإيرانيون بصياغة مشروعهم الإقليمي والدولي وعلى أساسه يقدمونه للعالم، وهم يقولون انظروا إلى سورية هذا هو مثالنا.
فقأ الأسد حصرمة السيادة في عيون الخصوم فأربكهم وأصابهم بالذهول، وصفع الوجوه الباردة لمدّعي الفهم من الكلامنجية منتحلي صفات التحليل والخبرة!