لقاء شرم الشيخ الأمني الخماسي: هل يحقق لـ «إسرائيل» أهدافها؟
} العميد د. أمين محمد حطيط*
في مواجهة التصاعد الاحترافي لأعمال المقاومة الفلسطينية في الضفة الغربية، الأعمال التي ينفذها بشكل خاص فدائيو عرين الأسود ومقاومو الفصائل الفلسطينية الملتزمة خط المقاومة، عُقد في 26 شباط الماضي وبإشراف أميركي وحضور أردني ومصري، لقاء أمني بين السلطة الفلسطينية و»إسرائيل»، لقاء عملت «إسرائيل» فيه للحصول على أمرين أساسيين الأول تفعيل التنسيق الأمني مع السلطة والثاني التخدير عبر الإيحاء بأنها مستعدة للحوار مع الفلسطينيين لمنحهم شيئاً من حقوقهم.
بيد أنه كان من الواضح انّ جوهر أهداف لقاء العقبة هو تحقيق «أمن إسرائيل» الذي هزّته المقاومة النوعية الفلسطينية، أما المشاركون العرب فقد كانوا يؤملون تحقيق أهداف معينة بالمقدار الذي يمكن انتزاعه من «إسرائيل» حيث انّ السلطة تطمح لتجميد الاستيطان وتفعيل بعض ما ورد في أوسلو حتى تبرّر ما تقوم به ضدّ شعبها في مجال التنسيق الأمني، أما مصر والأردن فإنهما بحاجة لتجنّب الإحراج الذي سيشكله السلوك «الإسرائيلي» من حيث القمع الوحشي والإفراط في عمليات الاستيطان، وما يمكن ان تشكله انتفاضة ثالثة من إحراج لهم أيضاً، لذلك انعقد هذا المؤتمر بضغط أميركي واستجابة عربية كما تقدّم.
أما في النتائج فقد تمخض الاجتماع عملياً عن التزام فلسطيني بتفعيل التنسيق الأمني مقابل تعهّد «إسرائيلي» بالامتناع خلال 4 أشهر عن وضع أو تنفيذ خطط استيطانية جديدة، وتقليص نشاط «إسرائيل» الأمني والعسكري في الضفة الغربية الى الحدّ الأدنى الممكن مقابل اضطلاع السلطة بمسؤولية ضبط الوضع لضمان أمن المستوطنين بما يغني عن التدخل «الإسرائيلي» ويحقق أهداف استراتيجية «إسرائيل» بوضع رجل الأمن الفلسطيني بمواجهة الشعب الفلسطيني لضمان مصالح «إسرائيل».
ورغم ما تمخض عنه اللقاء اعتبرت «إسرائيل» أنه كان دون مستوى طموحها ما استتبع التخطيط لعقد اجتماع تطويري في الأسبوع الذي يسبق شهر رمضان المقبل. وبالفعل عُقد هذا اللقاء بتاريخ 19 آذار الحالي في شرم الشيخ، بمشاركة أطراف اجتماع العقبة ذاتهم ما شكل امتداداً للاجتماع السابق وفتح المجال أمام تصوّر تحوّل هذا اللقاء الى شبه «مؤسسة أمنية» من أجل «أمن إسرائيل»، إذ تقرّرت العودة الى اللقاء بعد 3 أسابيع أيضاً، أما مقرّرات الاجتماع الأساسية فقد كانت ذات طبيعة أمنية خطرة حيث تضمّنت إنشاء غرفة عمليات مشتركة بين السلطة و»إسرائيل» لقيادة العمليات الأمنية في الضفة وتولي السلطة الأمن في الضفة الغربية على أن يتدخل الجيش «الإسرائيلي» في حال عجزها، كما ووقف العنف والتحريض وتنفيذ الاتفاقات السابقة.
فهل سيحقق هذا اللقاء لـ «إسرائيل» أهدافها التي عجزت عن الوصول إليها في اجتماع العقبة؟
لقد فشل لقاء العقبة الأمني في منح «إسرائيل» ما تريد بسبب خصوصية وطبيعة المقاومة التي تمارس حالياً في الضفة وبشكل خاص من قبل عرين الأسود وهي مقاومة تعتمد أساليب وتقنيات إبداعية جديدة بدءاً باستراتيجية «المقاوم ـ التشكيل» او «الفدائي ـ الاستشهادي» الذي يستقلّ الى حدّ بعيد بتحضير نفسه وتجهيزها وتنفيذ عمليته بمفرده تنفيذاً يتمّ بذهنية شبه التسليم المسبق بأنه مستشهد على الأرجح وانّ احتمالات إفلاته من ملاحقة العدو بعد العملية منخفضة الى حدّ شبه العدم. وهو يأخذ ذلك بعميق الاعتبار عند إعداده وتخطيطه وتنفيذه عمليته المقاومة. هذه الذهنية تحرم العدو من أهمّ عناصر قوّته القمعية والوقائية وتعطل فعالية إمكاناته التقنية والعسكرية التي تمكنه من القيام بتدابير حماية وقائية تمنع نجاح عمليات المقاومة.
هذه الخصوصية المقاومة جعلت منظومة التنسيق الأمني الفلسطيني مع «إسرائيل» تعجز عن توفير مصالح «إسرائيل» الأمنية ما أقرن العجز الفلسطيني بالعجز الإسرائيلي في مواجهة المقاومة، الأمر الذي شكل تحدياً كبيراً يضاف الى واقع اتساع مساحة ميدان المقاومة النوعية وتمدّدها في الضفة الغربية مع التحضير والاستعداد والجهوزية التي تبديها المقاومة في غزة للعمل باستراتيجية «وحدة الساحات» ولم يكن من فراغ قيام إحدى الفصائل الفلسطينية الأساسية المقاومة ـ الجهاد الإسلامي ـ بتنفيذ مناوراتها القتالية الأخيرة تحت عنوان «الوفاء لضفة الثوار»…
وأخذاً بما تقدّم في الاعتبار، فقد بحثت أميركا و»إسرائيل» في شرم الشيخ عن استراتيجية أمنية لحصار المقاومة في الضفة الغربية وخنقها وإجهاضها لتحقيق أهداف «إسرائيل» في الأمن والاستقرار عبر:
ـ إجهاض شبح الانتفاضة الفلسطينية الثالثة المتخوّف منها في رمضان المقبل.
ـ احتواء عمليات المقاومة النوعية بشكلها وأساليبها الجديدة في الضفة الغربية.
ـ تطوير التنسيق الأمني بما يخفف من مخاطر تتهدّد المنظومة الأمنية الإسرائيلية والجيش.
ـ اعتماد الخطط الأمنية والإعلامية التي تحول دون تكرار حالات ما وصفته «إسرائيل» بفقدان السيطرة على المستوطنين في أعمالهم الثأرية الغوغائيّة الوحشية.
ـ التأكيد على استمرار «إسرائيل» بالعمل مع دول عربية في الإقليم بما يوحي بعدم تأثير صلح بكين على مسارات التطبيع.
ولأجل هذه الأهداف عملت أميركا و»إسرائيل» تحت عنوان تزخيم التهدئة وخفض التصعيد من أجل «أمن إسرائيل» ولوضع العرب في خدمة الأمن الإسرائيلي مقابل إغداق الوعود الكاذبة على السلطة الفلسطينية لإغرائها باستئناف العمل مع «إسرائيل» خدمة لأمنها المهتزّ، وطبعاً سيتاجر بقرار نتنياهو بتأجيل إخلاء الخان الأحمر أو تأجيل منح الشرعية لكتل استيطانية جديدة لمدة 4 أشهر من أجل إغراء السلطة بالانخراط بفعالية أكبر بمهام حماية «أمن إسرائيل» ومستوطنيها فهل ستنجح الخطة هذه؟
إننا نشكك بقدرة لقاء شرم الشيخ الأمني على منح «إسرائيل» ما تبتغي في مجال الأمن في الضفة الغربية خاصة وفلسطين بكاملها عامة، وذلك لأنّ القرارات مهما تشدّد أصحابها فيها فإنّ أهميتها تبقى مقترنة بالقدرة على تنفيذها، وهنا نجد انّ الضفة الغربية بشعبها ومقاومتها بلغت مستوى متقدّماً من القدرة وإرادة المواجهة يصعب على «إسرائيل» بكلّ ما لديها من وسائل القمع والإجرام وأساليب المعالجة الوقائية او التدابير القمعية، النجاح في السيطرة على الأرض واحتواء المقاومة.
وعليه نرى أنه مهما كانت مقرّرات شرم الشيخ في طبيعتها او مستوى تشدّدها الأمني، أو تلميع صورة «إسرائيل» لحجب وحشيتها وإجرامها في مواجهة الفلسطينيين، فإنها ستفشل أمام عمليات المقاومة التي ننتظر أن تتصاعد وتشكل الردّ الميداني على مؤتمرات التآمر على الشعب الفلسطيني ومقاومته ولن تتوصّل تلك المؤتمرات الى منع الانتفاضة الرمضانية المنتظرة إذا شاءها الفلسطينيون ولن يكون بمقدور أحد وقف المقاومة النوعية التي تتعاظم شأناً وتلتهم بألسنة لهبيها الجسد الأمني الصهيوني، فضلاً عن انّ غلاة اليمين المتطرف في الحكومة الصهيونية وخارجها لن يتوقفوا عن استفزاز الفلسطينيين ودفعهم للمواجهة بكلّ الأساليب والمقاومة الميدانية بالنار.
لكن لا يمكن ان نغفل بأنّ أخطر ما تمخض عنه لقاء شرم الشيخ الأمني هو إنشاء غرفة العمليات المشتركة بين السلطة الفلسطينية و»إسرائيل» بإشراف أميركي، وتطوير التنسيق الأمني خدمة للأمن «الإسرائيلي»، وكذلك التزام السلطة بكمّ الأفواه ومنع التعبئة ضدّ الاحتلال تحت عنوان وقف التحريض، هذان البندان يعتبران برأينا الأخطر ولذلك ندعو السلطة الفلسطينية لمراجعة موقفها في هذا الشأن وعدم زجّ نفسها في مواجهة الشعب والمقاومة الفلسطينية خدمة للأمن «الإسرائيلي»، لذا نخشى أن تتسبّب مقرّرات شرم الشيخ في حال بادرت السلطة الى تنفيذها، ما يحوّلها الى حرس للاحتلال، وتعميق الانقسام الفلسطيني خدمة لـ «إسرائيل».
*أستاذ جامعي ـ خبير استراتيجي.