أولى

هل ستفهم أميركا رسائل المقاومة السورية والحلفاء؟

‭}‬ العميد د. أمين محمد حطيط*
متكئة على هيبتها العسكرية نشرت الولايات المتحدة الأميركية 900 عسكرياً في سورية وزعتهم على قواعد في الشمال الشرقي للفرات وقاعدة التنف في الجنوب الشرقي في جوار نقطة التقاء الحدود السورية الأردنية العراقية، وظنّت انّ هؤلاء المئات من الجنود المستفيدين من دعم جوي مؤثر سيشكلون قوة كافية للقيام بمهام أرادتها أميركا في سورية تحت عناوين أربعة: أولها احتضان الحركة الكردية الانفصالية التي تقودها «قسد»، والثاني وضع اليد على الثروات الطبيعية السورية وبخاصة النفط والثروة الزراعية لحرمان سورية منها تنفيذاً لاستراتيجية النهب والحصار التي تعتمده أميركا ضدّها، والثالث التحكّم بخطوط المقاومة التي تربط بين إيران شرقاً ولبنان غرباً مروراً بالعراق وسورية، أما الرابع فهو البقاء في موقع يمكنها من استعمال ورقة إرهاب داعش لإفساد أمن المنطقة واتخاذها ذريعة لبقاء في أميركا في تلك المنطقة.
لقد شكل الانتشار العسكري الأميركي في سورية احتلالاً مؤذياً يمسّ بسيادة الدولة ووحدتها وينتهك القانون الدولي ويعيق المساعي السورية للعودة الي الحياة الطبيعية وإطلاق عجلة إعادة الإعمار ـ إعمار ما دمّرته الحرب الكونية التي قادتها أميركا ضدّ سورية ـ وبرّرت أميركا هذا الاحتلال بأنه من أجل محاربة الإرهاب عامة وداعش بشكل خاص، هذا التنظيم الإرهابي الذي انطلق في العام 2014 بهدف إقامة «دولة الخلافة الإسلامية» على أراضي العراق والكويت وسورية ولبنان والأردن وبعض فلسطين على حدّ ما جاء في إعلانهم الأول الذي ترافق مع «اجتياحهم» لأراضي في العراق وسورية وصولاً الى حدود لبنان.
بيد انّ أميركا لم تكن بعيدة أصلاً عن موضوع داعش وانطلاقتها ولم يخف مسؤولون أميركيون مسؤولية أميركا عن إنشاء داعش والكلّ يذكر ما صرّح به وضوحاً حول الموضوع كلّ من هيلاري كلنتون ودونالد ترامب مؤكدين هذه المسؤولية، وقد تبيّن انّ أميركا اعتمدت داعش أداة تتخذها ذريعة للعودة الى العراق وجسراً للدخول الى سورية، الدخول الذي حلمت به منذ ان احتلت العراق في العام 2003، وقد نجحت أميركا في خطتها وشكلت تحالفاً دولياً بذريعة «محاربة داعش» التي اختلقتها وسلحتها ومكّنتها من السيطرة على أجزاء واسعة من العراق وسورية ولكن محور المقاومة تمكّن من التصدي لداعش فنجح العراق عبر الحشد الشعبي الذي تشكل على عجل بدفع الخطر، وتمكن من سحق تشكيلات داعش الإرهابية كما تمكنت سورية من طردها من معظم ما سيطرت عليه من أرض، وبقيت فلول من داعش تتحرك بين العراق وسورية.
لم تحقق أميركا بورقة داعش كلّ أهدافها في العراق وسورية، لكن ورغم النهاية التي آل اليها هذا التنظيم الإرهابي فقد بقيت أميركا متمسكة به تحرص عليه في جعبتها كاحتياط ذي وظيفتين. وظيفة اتخاذه مبرّراً لاستمرار الوجود الاحتلالي الأميركي في سورية ووظيفة استعماله ضدّ الأمن والاستقرار السوري ولكن هذا الموضوع شكل محلّ خلاف بين الأميركيين أنفسهم حيث خرج منهم مؤخراً من يطالب بإنهاء هذا الوجود العسكري في سورية كما أعلن النائب الجمهوري، مات جايتز، الذي تقدّم بمشروع قرار الى الكونغرس، «لإنهاء الحرب في سورية» وقال «يجب ان نعيد قواتنا إلى الوطن». وردّ على قائد «المركزية الأميركية» الجنرال مايكل إريك كوريلا الذي ادّعى انّ «وجود واشنطن في سورية ضروري». وإنه «بدون القوات الأميركية سيعود تنظيم داعش في غضون عامين» اليها، فردّ عليه النائب الجمهوري بقوله «لا أعتقد أنّ ما يقف بين تحقيق الخلافة الإسلامية أو منعها، هو 900 جندي أميركي تمّ إرسالهم إلى هذا الجحيم».
أما سورية التي صمدت خلال السنوات الـ 12 الماضية وأفشلت الحرب الكونية التي شنّت عليها، فإنها أدركت طبيعة هذا الوجود ومهامه ولم توفر فرصة أو مناسبة إلا ورفضته وأسمته بانه «احتلال ينتهك سيادتها» وطالبت بوضع حدّ له وكان واضحاً وصريحاً الرئيس بشار الأسد بتوصيفه للحال بانه «احتلال مرفوض» وبأنّ «على أميركا أن تخرج من الأرض السورية او تواجه المقاومة التي تتشكل لتخرجها منها»، كما أخرجتها المقاومة العراقية من العراق او كما خرجت على عجل مهزومة من أفغانستان.
ويبدو أنّ أميركا كعادتها أساءت تقدير الموقف السوري مرة أخرى، حتى جاءت مُسيّرات وصواريخ المقاومة السورية وحلفائها لتحمل رسائل نارية لبعض القواعد العسكرية الأميركية القائمة بشكل غير مشروع على الأرض السورية، بين محيط الحسكة وحقل العمر النفطي، رسائل شاءت المقاومة ان تفهم المحتلّ الأميركي بها، بأنّ وجوده مرفوض وعليه ان يخرج او يواجه المقاومة التي بإمكانها ان تذكره بمآسي لاقاها في احتلاله السابق لدول أخرى،
لقد أوجعت رسائل المقاومة المحتلّ الأميركي في أكثر من موضع وعنوان، بدءا بالشأن المعنوي عبر كسر الهيبة العسكرية الأميركية مرورا بإنزال الخسائر البشرية والمادية وهي رغم ان أميركا حصرتها بـ 6 إصابات بين قتيل وجريح إلا أنّ سقوط هذا العدد، له عند الأميركي دلالات كبيرة، وانتهاء بالرسالة الأهمّ وهي أنّ المقاومة التي توعّد بها الرئيس الأسد انطلقت وهي محتضنة من الدولة وتملك من القدرات والامكانات والإرادة ما لا يدع المحتل مرتاحاً في احتلاله. وحتى تتأكد الرسائل كرّرت المقاومة قصفها للقواعد الأميركية تلك بأكثر من 20 صاروخاً أطلقت رداً على القصف الأميركي الذي استهدف مواقع سورية وحليفة، وكانت رسائل الردّ الثاني أكثر بلاغة ووضوحاً من الرسائل الأولى.
وهذه المواجهة التي واكبتها مواقف سورية وحليفة جعلت أميركا تواجه حقيقة لا تريد الاعتراف بها وهي انّ مقاومة هذا الاحتلال ربطاً بمهامه كما ذكرنا أعلاه، لن تكون مسؤولية السوريين حصراً بل انها مسؤولية كامل محور المقاومة المستهدف بهذا الانتشار وهنا نقف على الدور الإيراني والعراقي بشكل خاص في هذه المواجهة واعتقد انّ بايدن أدرك هذه الحقيقة وتراجع خطوة الى الوراء عندما صرّح اثر المواجهات الأخيرة شرقي الفرات بأنّ «أميركا لا تريد حرباً مع إيران» عبارة لها دلالاتها الخاصة في هذه المرحلة بالذات،
وعليه فإننا نرى انّ هذا الواقع الميداني الذي يواجه المحتلّ الأميركي في سورية، متقاطعا مع الخلاف الداخلي الأميركي حول الوجود في سورية، وأخذاً بعين الاعتبار التحوّل والمتغيّرات في شبكة العلاقات الإقليمية وتأهّب العرب للعودة الى سورية التي تتمسك بموقعها ومبادئها، انّ كلّ ذلك سيقود الى القول بأنّ معركة طرد المحتلّ الأميركي من سورية بدأت وانّ القرار متخذ وما المسألة إلا مسألة وقت يطول او يقصر إلا أننا نراه قريباً، وقريباً وجدا فأميركا التي تعيش عصر الفشل والتراجع لن تستطيع ان تحتمل وجوداً احتلالياً في سورية يوجعها. فالمقاومة السورية مع حلفائها انطلقت وستتصاعد حتى طرد المحتلّ وبأسرع مما يتوقعون…

*أستاذ جامعي ـ خبير استراتيجي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى