مستقبل الكيان الصهيوني وسيناريو التفكيك الداخلي
} د. جمال زهران*
أحد أهمّ السيناريوات الكبرى في إنهاء أسطورة الكيان الصهيوني (إسرائيل) وإزالته من الوجود بعد (75) سنة من تأسيسه (1948 ـ 2023)، هو التفكيك من الداخل الصهيوني، فضلاً عن سيناريوات أخرى أوردتها في كتابي بعنوان: (مناهج قياس قوة الدول ومستقبل تطورات الصراع العربي الصهيوني)، عن مركز دراسات الوحدة العربية ببيروت، عام 2007، لمن يريد المزيد من المعرفة.
فماذا يعني الحديث عن التفكيك من الداخل، ودواعي تفجره في هذه الأيام؟ فالذي حدث خلال الأيام السابقة، تظاهرات ضخمة داخل الكيان الصهيوني، بسبب مشروع القانون الذي تقدّمت به حكومة نيتنياهو ـ والتي يسيطر عليها اليمين الصهيوني «المتطرف» ـ للسيطرة على القضاء لتوظيفه في المرحلة المقبلة لإحداث نقلة في المشروع الصهيوني، والذي انتفضت الغالبية من المستوطنين ضدّ المشروع، وطالبت بسحبه، وليس مجرد إيقافه أو تأجيله. وتداعت الأحداث بتعرّض حكومة «النتن..»، إلى التصدّع الداخلي، ومعارضة البعض منها، حتى قام رئيس الحكومة بإقالة وزير الحرب، متهماً إياه، بشقّ صفوف الحكومة، وعدم القيام بواجبه في مواجهة التظاهرات التي وصلت إلى المليون متظاهر تقريباً (حسب تقديرات وكالات الأنباء العالمية)، والمستمرة حتى الآن، والتي وصلت إلى مواجهات عنيفة بين المتظاهرين والأمن (جيش وشرطة). في نفس الوقت، فإنّ وزراء «التطرف»، دعوا أنصارهم إلى تظاهرات مضادة، والضغط على «النتن…»، بعدم سحب المشروع، وهو الذي أصبح في مأزق حقيقي، فمن يرضي إذن؟! فهل يرضي المتظاهرين.. أم أعضاء حكومته المسيطرين؟! والنتيجة مجرد حلّ وسط، والذي تمثل في تأجيل عرض المشروع للمناقشة والتصويت عليه بالبرلمان، لبعض الوقت، وهو ما لم يرضِ المتظاهرين، ولا تزال التظاهرات مستمرة ومتصاعدة، ومرشحة للتطوّر الذي قد يودي بحكومة نيتنياهو، إلى الأبد، حسب أغلب التقديرات!
ومع استمرار هذا التصعيد، ظهرت المخاوف لدى صقور الصهاينة من الكُتاب والمحللين، الذين يشيرون إلى انعكاسات ذلك على قدرة الجيش الصهيوني على تحمّل ضغوط هجمات محتملة من المقاومة الفلسطينية، ومن مقاتلي حزب الله، والجبهة السورية، وأنّ فتح أكثر من جبهة في نفس الوقت قد يسهم في توقع هزيمة فادحة للكيان الصهيوني!
إذن، فقادة ومفكرو الكيان الصهيوني، يدركون تبعات وتداعيات وكلفة مثل هذه التظاهرات على حاضر ومستقبل الكيان، وقد يؤدي به إلى التفكك من الداخل، وسط أنباء متصاعدة على تزايد معدلات الهجرة من الداخل الصهيوني، إلى البلاد الأصلية، والغرب على وجه الخصوص! وقد وصل بالبعض، إلى تحليل الوضع الحالي، على أنه يحمل رسالة خطيرة، بأنّ «النتن…» الذي استطاع فتح عواصم عربية إضافية لتكون مقرات جديدة للتطبيع، مثل (الإمارات ـ البحرين ـ السودان ـ المغرب)، وهي دعم ظاهري للكيان حاضراً ومستقبلاً، هو ذات الشخص الذي اندلعت المظاهرات المليونية ضده داخل صفوف شعبه وكيان المزعوم، ومن ثم فإنه سيكون بداية النهاية، له، ولكيانه، وبيده هو، ذلك النتنياهو الأسوأ والأكثر غروراً وفساداً في تاريخ الكيان الصهيوني منذ إنشائه في 1948، وبطريقة غير شرعية!!
وفي هذا السياق، فإنّ من أهمّ مؤشرات التفكيك والانفجار من الداخل، تتمثل في:
1 ـ التمزق الداخلي بين صفوف مستوطني هذا الكيان الصهيوني، بسبب الهويات المتباعدة من كلّ فجّ عميق، والذين تجمعوا على وهم دولة أو كيان العودة بعد «التيه»، فضلاً عن انعدام العدالة بين أبناء هذه الهويات، وإصرار الغالبية على العيش وسط دولة ديموقراطية بلا هيمنة لطرف، في نفس الوقت فإنّ هذه «الديموقراطية» هي شكل بلا مضمون، وزعم وأوهام، ولهذا حديث آخر. وقد ظهر أنّ ما يفرّق بين هذه الهويات، هو أكثر مما يجمعها، فتمزقت محاولات جمع الشمل وسياسات «الإدماج والاندماج»، فتفجّرت الأوضاع على خلفية إصرار اليمين المتطرف بقيادة «النتن…» على الانفراد بالسلطة والهيمنة على القضاء وهو حصن أصحاب الهويات المظلومة والمتضررة من أوضاع ممزقة قد لا تبدو ظاهرة أمام الأعين.
وقد شاهد العالم، صور التظاهرات العنيفة، وسط رفض من إدارة بايدن الأميركية التي أعلنت غضبها على سياسات «النتن…» وحكومته، ولا تزال هذه الإدارة ترفض استقباله في واشنطن، أو إجراء أيّ اتصال معه على الإطلاق حتى الآن، الأمر الذي يعمّق من الانقسامات بين صفوف مستوطني هذا الكيان.
2 ـ انفجار الوضع السكاني، بين نمو سكاني محدود للصهاينة وصل إلى حدّه الأقصى (لم يتجاوز الـ 5 مليون)، مقابل الضعف لعدد السكان من أصل فلسطيني. أيّ أنّ النسبة (1-2)، وبالأخذ بنظريات السكان فإنّ الفلسطينيين سيكون لهم الأغلبية الكاسحة في مقابل الصهاينة الذين لن يجدوا لهم مكاناً خلال الأعوام العشرين المقبلة، مع ثبات الحال! أيّ أنّ الصهاينة إلى زوال، بفعل الانفجار السكاني الفلسطيني، ولم تطلق رصاصة واحدة، وهناك كتابات جادة في هذا السيناريو (مؤشر الانفجار أو الانقلاب السكاني)، ويمكن الرهان على ذلك.
3 ـ الهجرة المضادة ليهود الكيان الصهيوني، من الداخل إلى بلادهم الأصلية، والأغلب أوروبا وأميركا، وتبقى الأقلية اليهودية المنتمية للشرق وللبلاد العربية، في الداخل: حيث ثبت أنّ معدلات الهجرة المضادة تزايدت إلى الضعف في السنوات العشر الأخيرة (2010 ـ 2020)، ولو سارت على هذا النحو، فإنّ الميزان البشري سيؤدّي إلى رجحان كفة الانهيار الداخلي، وضياع فكرة دولة العودة، إلى دولة التشتت مرة أخرى، خلال السنوات العشرين المقبلة.
وهناك مؤشرات أخرى سيأتي الحديث عنها لاحقاً، لكن يبقى أنّ فشل نتنياهو، ودولة الكيان، بكلّ مؤسساتها، في إجراء انتخابات جادة تسهم في ميلاد حكومة قوية على مدار السنوات الخمس الأخيرة، وتلك هي حكومة «النتن..» الخامسة، نتاج الفشل وبداية الانفجار، ليدلّ دلالة قاطعة على سيناريو الانفجار من الداخل، قد يكون مرجحاً في هذه الفترة عن أيّ فترة أخرى، ورأينا الشواهد، إلا أنّ الخيار الحقيقي والحاسم، هو أنّ «المقاومة هي الحلّ»، للقضاء على أسطورة هذا الكيان، وإزالته من الوجود ومعه كلّ الأنظمة العربية الفاسدة والعميلة، والله الشاهد…
*أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، والأمين العام المساعد للتجمع العالمي
لدعم خيار المقاومة.