هل مَن يتّعظ في لبنان من الدرس السعودي…؟
} أحمد بهجة*
حين تمّ الإعلان عن الاتفاق السعودي ـ الإيراني من بكين في 10 آذار الماضي، وبرعاية مباشرة من الصين، رحّب به الجميع في لبنان، سواء كان هذا الترحيب صادقاً أو لم يكن، لأنّ البعض لا يمكنه الارتزاق إلا في ظلّ الخلافات، وهو يفقد وظيفته في أجواء الاتفاق والاستقرار بين دول المنطقة، طبعاً هي الأجواء التي لا تريدها الولايات المتحدة ومعها كيان الاحتلال.
وبما أنّ توجّه إيران إلى الصين هو أمر طبيعي نظراً للعلاقات الودّية القديمة بين البلدين، فإنّ ما كان مستغرباً هو ذهاب السعودية إلى الصين، لأنها الحليفة المميّزة للولايات المتحدة التي تعتبر الصين خصمها الاقتصادي الأوّل ومنافسها الأبرز على زعامة العالم.
هنا يبدو مفهوماً التبرير السعودي بأنّ الولايات المتحدة لا تستطيع القيام بدور الوسيط بينها وبين إيران، كون الأميركيين على خصومة إنْ لم نقل على عداوة مع الجمهورية الإسلامية منذ انتصار ثورتها في العام 1979، والقضاء على عهد الشاه الحليف الأبرز لأميركا في المنطقة.
في النتيجة وجدت السعودية أنّ مصالحها الاستراتيجية، حاضراً ومستقبلاً، تتحقق من خلال التوجّه شرقاً، فاتخذت قيادتها القرار الشجاع، واستجابت لأحكام العقل، وغادرت منطق التبعية المطلقة التي لم تكن إلا على حساب مصالحها الوطنية والعربية ومصالح شعبها وأجيالها الطالعة.
هذا الدرس لا بدّ أن يتعلّمه البعض عندنا في لبنان، سواء في الاقتصاد أو في السياسة، وتحديداً مَن كانوا يقفون بالمرصاد لكلّ مَن يطرح التوجه شرقاً، ذلك أنّ هذا البعض كان ولا يزال يُغلِّب منطق التبعية العمياء على كلّ ما من شأنه أن يحقق مصلحة البلد، حتى بعدما وصل إلى الحضيض بفعل السياسات الخاطئة بل المدمّرة المتبعة منذ عقود إلى اليوم.
لم يقل أحد من الدّاعين إلى التوجه شرقاً أنّ على لبنان أن يتخلّى في المقابل عن كلّ علاقاته مع الغرب. هذا ليس صحيحاً على الإطلاق، بل الصحيح هو أنّ على المسؤولين، إذا كانوا مسؤولين فعلاً، دراسة جميع الخيارات المتاحة واتخاذ القرارات المناسبة بشأنها، بما يحقق مصلحة لبنان وشعبه واقتصاده بعيداً عن أيّ تأثيرات أو ضغوط مهما كان نوعها أو حجمها.
لقد تلقى لبنان في مراحل مختلفة الكثير من العروض قدّمتها دول صديقة لنا معها علاقات قديمة وجيّدة مثل روسيا والصين وإيران وغيرها، وهي عروض متعلقة بقطاعات حيوية مثل الكهرباء والمحروقات ومصافي النفط والطرقات وسكك الحديد والأنفاق والبيئة… وتجدّدت هذه العروض بعد تشرين الأول 2019 حين تكشّفت إلى العلن الكارثة الكبيرة التي وصلنا إليها، لكن مع الأسف الشديد لم تلقَ تلك العروض الآذان الصاغية من المسؤولين الذين يُفترض أن يكون شغلهم الشاغل كيفية إيجاد الحلول المناسبة للأزمات المعقدة والمتراكمة التي تجعل الحياة اليومية للمواطنين صعبة جداً إنْ لم تكن مستحيلة!
لم تتجاوب الحكومة اللبنانية مع العروض الهامة جداً الآتية من الشرق، والأسباب معروفة ومكشوفة أمام الجميع وهي باختصار خوف مسؤوليها على مصالحهم الخاصة في الخارج! وفي المقابل لم تأتِ من الغرب عروض إنقاذية مشابهة، والتي لن يرفضها أحد إذا أتت. لكن ما حصل بالفعل لم يتجاوز دائرة الكذب الذي سرعان ما انكشف أمام كلّ الناس، وخير مثال على ذلك موضوع استجرار الكهرباء من الأردن والغاز من مصر عن طريق سورية، لتشغيل معامل الكهرباء، حيث أنجز وزير الطاقة الصديق الدكتور وليد فياض كلّ ما يلزم من اتفاقات وعقود للبدء بتنفيذ هذه الخطوة، لكن الولايات المتحدة لم تعطِ الإشارة اللازمة للبنك الدولي لكي يموّل هذه العملية، كما أنها لم تعطِ مصر والأردن الإعفاءات المطلوبة من «قانون قيصر».
اليوم وصلنا في لبنان إلى المرحلة الأسوأ على الصعيد الاقتصادي، ولم يعُد جائزاً لأحد أن يرفض الحلول الآتية من الشرق، بدءاً بالعلاقة مع محيطنا الطبيعي في سورية والأردن والعراق ودول الخليج العربي، حيث تنتعش قطاعات الزراعة والصناعة والخدمات، وصولاً إلى إيران وروسيا والصين حيث تأتينا الحلول للكهرباء والطرقات وسكك الحديد والأنفاق وقطاع المحروقات وإنشاء مصفاة النفط وغير ذلك من مشاريع تغنينا عن القروض من صندوق النقد وغيره والتي تذهب كما ذهب قبلها الكثير من أموال الخزينة العامة وأموال المودعين في مزاريب الهدر وزواريب الصفقات والفساد، لتصبّ في حسابات بعض أصحاب المصارف وأصحابهم من السياسيين ورجال الدين وأهل الصحافة والإعلام…!
وإذا كان هناك حتى الآن مَن هو محرج أو خائف من التوجّه شرقاً فليتّعِظ ويأخذ العبرة ويتعلّم الدرس مما فعلته السعودية…
*خبير مالي واقتصادي