تدوير الزوايا فرصة لبنان للاستفادة من التفاهمات الإقليمية
} خضر رسلان
يعتقد الكثير من الباحثين أنّه بات ثابتاً وبشكل واضح وجلي أنّ اللبنانيّين يتقدَّمون على أيّ شعب آخر في امتهانهم تضييع الفرص المتاحة لهم والتي لو تمّت الاستفادة منها لكان الواقع الراهن للشعب والدولة مختلفاً بشكل جذري، سواء كان ذلك على مستوى فاعلية الدور او على صعيد الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي لعموم الشعب اللبناني.
وفي قراءة هادئة لمجريات التطورات والأحداث منذ انتصار لبنان وتحرير معظم أراضيه في العام 2000. يبدو واضحاً أنّ اللبنانيّين ونتيجة لتأثر العديد من قواهم بالعامل الخارجي المنقسم أصلاً على نفسه، قد أضاعوا فرصاً ثمينة مرّت فيها المنطقة ولبنان، دون أن ينجَحوا في الاستفادة منها ولو كان ذلك بالحدّ الأدنى، سواء من حيث تثمير إنجاز النصر والتحرير التي توجب التمسك بأسباب القوة والاستفادة منها لاستكمال تحرير ما تبقى من أرض محتلة، أو من خلال المبادرة الى ترميم وتطوير أدوات الحكم في ظلّ تعذر إلغاء النظام الطائفي بما يساهم في تفعيل دور المؤسّسات بهدف تحقيق العدالة الاجتماعية لمختلف شرائح المجتمع اللبناني.
إنّ الصراعات السياسية التي عصفت ولا تزال بين القوى اللبنانية نتيجة لتأثر العديد منها بمواقف دول ذات نفوذ في لبنان حالت دون قطف ثمار العديد من الإنجازات التي تحققت، ويمكن تصنيفها بأنها محطات تاريخية وفرص نموذجية لو نجح اللبنانيون في اقتناصها وعلى رأسها إضافة الى تحرير العام 2000 نجاح لبنان في فرض معادلة الردع عام 2006 مع الكيان الإسرائيلي الغاصب، ومن ثم هزيمة التكفيريين ومشروعهم الإلغائي للكيانات الوطنية ومنها لبنان، وهي فرص ومحطات كانت مرشحة، لو تمّ التعاطي معها من خلفية وطنية صرفة بعيدة عن سياسة المحاور ومصالح وإملاءات الدول الخارجية، الى تجنيب لبنان الكثير من الكوارث الاجتماعية والاقتصادية التي أصابت المواطنين من مختلف الطوائف، فضلاً عن تشكيل مناعة وطنية تستطيع التملّص من خلالها من مندرجات أيّ حصار أميركي سواء مباشر او غير مباشر، والقدرة على اتخاذ القرار في تنويع الخيارات الاقتصادية او في قبول المساعدات والهبات المتنوعة لا سيما في حقول الطاقة بشقيها النفطي والكهربائي.
السؤال البديهي الذي يطرح نفسه على ضوء المتغيّر الإقليمي المفاجئ سواء من حيث الشكل او من حيث سرعة خطواته والتي بدأت ترخي بظلالها على العديد من ملفات المنطقة وهو التفاهم الإيراني السعودي المستجدّ والانفتاح العربي على سورية، فهل سينجح اللبنانيون في الاستفادة من هذه الفرص وتثمير ذلك في حلّ المعضلات الوطنية المتنوعة، سياسة كانت أم اقتصادية واجتماعية؟ أم سيبقى البعض متمترساً بمواقفه بعيداً عمّا يجري في الخارج ليبقى جسر عبور وعنصر استقطاب واستدراج للأزمات وبالتالي الإمعان في إهدار الفرص لأسباب فئوية طائفية وكثير منها شخصية وضيقة؟
وبناءً على ما تقدَّم، يتخوّف الكثير من المراقبين المتابعين للشأن اللبناني أن تتحوَّل “الفرصة المتاحة” حالياً وعملية تدوير الزوايا التي تجري على قدم وساق بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية والمملكة العربية السعودية التي بدأت الحياكة في الملفات المشتركة بينهما، إلى «فرصة ضائعة” قد لا تتكرّر…
وفي هذا السياق تواتر الى الأذهان حديث منسوب الى سفير دولة كبرى مقيم في لبنان نصح فيه المسؤولين اللبنانيين عدم الاستغراق كثيراً في استحقاق الانتخابات الرئاسية والاتجاه أكثر الى ما هو أعمق وأشمل واقتناص الفرص المتاحة من خلال السعي الحثيث للاستفادة من أجواء الانفراج الإقليمي الذي سينعكس حتماً على الملفات الشائكة والحساسة، والمبادرة من خلال المظلة الإقليمية وبرعايتها الى تدوير الزوايا بما يساهم في عملية ترميم وإصلاح النظام بكلّ مندرجاته سواء منها إعادة قراءة وتعديل بعض شوائب وثيقة الوفاق الوطني بما يضمن إعادة بناء الثقة بين مكونات الشعب اللبناني بجميع أطيافه إضافة إلى إعادة النظر في النظم الاقتصادية والاجتماعية الحاكمة، إلى وسائل أكثر عدالة وتوازن.
إنّ تدوير الزوايا بين اللبنانيين وإيجاد القواسم المشتركة تحت سقف نهائية الكيان هو السبيل الأنجع للوصول الى بلد مستقرّ وحرّ وسيّد يستطيع إذا ملك زمام أموره بعيداً عن إملاءات الخارج وانعتق مسؤولوه من براثن الخطاب الفئوي والطائفي، أن يقتنص فرصة الاستفادة من الانفراجات الإقليمية من أجل تعزيز عوامل القوة والمنعة والرغد الاقتصادي لعموم الشعب اللبناني.