بايدن يترشّح لولاية رئاسية ثانية لكن المسار محفوف بالمفاجآت
} د. منذر سليمان وجعفر الجعفري
إعلان الرئيس الأميركي جو بايدن عن نيّته الترشح لولاية رئاسية ثانية، عام 2024، لم يأتِ بجديد في سياق التكهّنات التقليدية. الأمر الثابت في تاريخ الرئاسات الأميركية هو عزم الرؤساء على إعادة ترشّحهم «وبالمجمل يكسبون الجولة»، خصوصاً في ظلّ أجواء حروب قائمة تنخرط فيها القوات العسكرية الأميركية.
راهناً، يواجه الرئيس بايدن جملة تحديات على صعيد الإنجازات الداخلية، تتعاظم إخفاقاتها مع الوقت، أبرزها تراجع حالته الذهنية وتقدّمه في السن، بلوغه الـ 80 عاماً، وفتور دعم مؤسّسات الحزب الديموقراطي له في الجولة الانتخابية المقبلة، فضلاً عن تدنّي الأحوال الاقتصادية والارتفاع المستمرّ لتكاليف الحياة اليومية للمواطن، وتصدّع البنى التحتية.
تزخر وسائل الإعلام الأميركية المختلفة بردود أفعال قاسية لإعلان الرئيس بايدن، يميناً ويساراً، وإجماعها على «عدم توفّر أو بروز مرشّح بديل عنه»، يواكبها تراجع ملحوظ في نسبة التأييد الشعبي لأدائه. إذ حاز على نسبة 53% من التأييد في بداية ولايته الرئاسية الحالية، تقلصت إلى 38% وشهدت ارتفاعاً طفيفاً بنسبة 42% في أفضل الأحوال.
استمرّ منسوب التراجع الحادّ منذ «الانسحاب المذلّ للقوات الأميركية من أفغانستان»، وإخفاقات الرئيس بايدن في ترجمة أجندته الانتخابية خصوصاً تراجعه عن وعوده لإعفاء الطلبة من ديونهم، التي لا تزال مسألة معلّقة بانتظار قرار البتّ بها من قبل المحكمة العليا.
في المستوى الشعبي العام، هناك تراجع كبير في معدلات تأييد إعادة انتخابه، أوجزته إحدى كبريات الصحف بأنّ «عدداً كبيراً من الديموقراطيين لا يؤيدون ترشحه» مرة أخرى، بنسبة 73% من الناخبين، وبمعدلات تأييد متدنية، 52%، من الناخبين الديموقراطيين، بحسب أحدث استطلاع أجرته وكالة «أسوشيتدبرس» للأنباء؛ مقابل 55% من الناخبين الجمهوريين يؤيدون ترشّح الرئيس السابق دونالد ترامب (صحيفة «وول ستريت جورنال»، 1 أيار/ مايو 2023).
في مؤشّر مقلق للحزب الديموقراطي، أعلن السيناتور جو مانشين عن نيته «القفز من قارب الحزب» وتخلّيه عن دعم أجندته في مجلس الشيوخ، «ربما قبل بدء جولة الانتخابات الرئاسية» العام المقبل، وهو العضو «المشاكس» لحزبه في المجلس. الأمر الذي سيفرض تداعيات جديدة «غير محبّبة» على قيادة الحزب وبرامجه الموعودة، خصوصاً أنّ مجلس النواب أضحى تحت سيطرة الخصم الجمهوري، وأي تعديل ولو طفيف في توازن الحزب في مجلس الشيوخ سيفضي إلى خسارته أغلبيته الحرجة الراهنة (مقابلة أجراها مانشين مع شبكة «فوكس نيوز»، 2 ايار/ مايو 2023).
في البحث عن الدوافع الحقيقية لإعلان الرئيس بايدن إعاد ترشّحه، بالزعم أن «التصويت له هو تصويت للديموقراطية»، كما جاء في متن الإعلان، يجب عدم إغفال آخر التطورات السياسية الناجمة عن مضمون الوثائق التي سلّمتها وزارة الخارجية الأميركية إلى اللجنة القضائية في مجلس النواب بطلب منها، في سياق سعيها للتوقّف عند بعض ملابسات جولة الانتخابات الرئاسية الماضية.
ما سُمِح بنشره حتى اللحظة هو ثبوت تورّط وزير الخارجية، أنتوني بلينكن، عبر الضغط على إدارة وكالة الاستخبارات المركزية، «سي أي آي»، للموافقة على عريضة تُعلن براءة نجل الرئيس بايدن من الاتهامات بشأن جهاز حاسوبه الخاص، إذ زعم «نحو 50 ضابطاً متقدّماً ورؤساء سابقون في المؤسسة الأمنية» أنّ اتهامات الرئيس السابق دونالد ترامب لنجل بايدن هي مجرد «دعاية روسية» لا أكثر.
تصرّف بلينكن آنئذٍ ثبُتَ بأنه كان بطلب مباشر من المرشح الرئاسي جو بايدن، والذي كان يستعدّ لمواجهة خصمه الجمهوري في مناظرة عامة تُبثّ على الهواء، وتسلُّحه بتلك الوثيقة أمام كاميرات التلفزيون لتفنيد «اتهامات» خصمه. والنتيجة العامة كانت بإعلان المؤسسة الحاكمة فوز المرشح بايدن.
من المرجّح عودة تلك المسألة إلى التداول العام مرة أخرى، في أعقاب توفّر دلائل حسيّة على مدى تلاعب الحزب الديموقراطي ببوصلة الانتخابات الرئاسية ونتائجها، والتي على أثرها ارتفعت أصوات سياسية مطالبة بإقالة وزير الخارجية، توطئة لنزع حصانته الراهنة وربما الادّعاء عليه لاحقاً.
المسألة برمّتها مرهونة ببقاء الرئيس السابق ترامب كمرشّح عن الحزب الجمهوري، خصوصاً أنّ قادة الحزب التقليديين، بزعامة ميتش ماكونيل، يكنّون عداءً شديداً للرئيس السابق، ولديهم القابلية للمساومة على صيغة تتجاوز طرح تلك المسألة على الشأن العام.
مرشحو الحزب الديموقراطي
سبق ترشيح الرئيس بايدن نفسه مرشحان آخران عن لائحة الحزب الديموقراطي، ومن المبكر إطلاق أحكام عليهما لدواعٍ زمنية، مع استعراض سريع لمرشحين محتملين للمنصب.
المرشحة الأولى هي الكاتبة ماريان ويليامسون، وكانت قد أعلنت ترشيحها في الجولة السابقة «واضطرت» للانسحاب أمام أجندة متقاربة مثّلها المرشح السابق بيرني ساندرز. حظوظها الراهنة لا تبدو أنها ستشهد تعديلاً جوهرياً عن الجولة السابقة.
المرشح الثاني، وربما الأهمّ، هو نجل السيناتور السابق روبرت كنيدي، ويحمل الإسم ذاته. مهنته المحاماة واشتهر بتصدّيه للمؤسسة الحاكمة لإسرافها المالي على شركات العقاقير والأدوية إبّان وباء كورونا، الأمر الذي أحاله إلى خانة «المغضوب عليهم»، ونال نحو 19% من تأييد الناخبين الديموقراطيين، بحسب استطلاع أجرته شبكة «فوكس نيوز» حديثاً.
أيضاً، يواجه روبرت الإبن مقاومة من داخل أسرة كنيدي نفسها لجملة أسباب منها تفرّده بإعلان براءة سرحان سرحان عن اغتيال والده، عام 1968، وتحديه كذلك للسرديات الرسمية بشأن والده والرئيس الأسبق جون كنيدي.
في يوم إعلانه ترشّحه بمدينة بوسطن، في 19 نيسان/ إبريل الماضي، لم يلحظ وجود أي «فرد مميّز من عائلة كنيدي» من بين الحضور، أو حتى من رموز الحزب الديموقراطي في المدينة، بل طغى طابع التمثيل الأوسع لشرائح المجتمع على الحضور من مؤيديه «مستقلين ومحافظين» سياسياً، أتى بعضهم بالطائرة من أماكن متفرقة من أميركا.
نائبة الرئيس كمالا هاريس، رغم تدنّي معدلات تأييدها إلى مستويات أقلّ من الرئيس بايدن نفسه، إلا أنها دخلت حلبة السباق الرئاسي كامتداد للرئيس بايدن لتبقى مرشّحة كنائب له. أما شعبيتها داخل أوساط الحزب الديموقراطي فهي متواضعة في أفضل الأحوال، وسبق أن طالب بعضهم الرئيس بايدن بإقالتها واستبدالها نتيجة تخبّطها في ملفات سياسية رئيسية، منها إخفاقها في التعامل مع مسألة المهاجرين على الحدود الجنوبية مع المكسيك.
من بين الأسماء المتداولة، وإنْ كانت غير ناضجة بعد، تبرز عقيلة الرئيس الأسبق ميشيل أوباما، التي تتمتع بمعدلات احترام وتأييد واسعة، لكنها أعلنت عدم رغبتها دخول السباق الرئاسي، حتى اللحظة.
كذلك وزير النقل الحالي بيت بوتيجيج، بحسب وجهة نظر صحيفة «واشنطن بوست»، بتاريخ 19 شباط/ فبراير 2023، والمؤيدة للبيت الأبيض، وذلك لأدائه المتقدّم في الجولة الرئاسية السابقة وفوزه بعدد أكبر من مندوبي ولاية أيوا خلال الانتخابات التمهيدية آنذاك. وسرعان ما بدّد جزءاً كبيراً من شعبيته وتأييد قيادات حزبه له نتيجة سلسلة إخفاقات ارتكبها، أشهرها بطؤه في معالجة خروج قطار عن سكته في مدينة باليستين بولاية أوهايو، وما نجم عنه من انبعاث غازات سامة نتيجة حريق.
مرشحو الحزب الجمهوري
لا يزال السباق وباب الترشيح في بداياته الأولى، لكن الرئيس ترامب يتصدّر القائمة حتى اللحظة، وكذلك أكبر نسبة من تأييد جمهور الناخبين الجمهوريين له، بمعدل 44%، «برغم سلسلة من الفضائح التي يواجهها، منها الاعتداء على الكابيتول» في 6 كانون الثاني/ يناير 2021. أما نسبة تأييده بين جمهور محافظي الحزب الجمهوري فتقارب 70% (استطلاع أجراه موقع «فايف ثيرتي إيت»، 1 أيار/ مايو 2023).
حاكم ولاية فلوريدا، رون دي سانتيس، يأتي في المرتبة الثانية بعد الرئيس ترامب، لكن بنسبة بعيدة جداً، 20%. يلقى دعماً ملحوظاً من قيادات الحزب التقليدية، نظراً لخلافاتهم مع الرئيس ترامب، لكنه لم يستطع القفز بمعدلات تأييد أعلى من السابق. حظي دي سانتيس بنسبة تأييد 28 % من الجمهوريين مقابل 52% للرئيس ترامب، بحسب صحيفة «نيويورك تايمز»، بتاريخ 17 آذار 2023. لكنّ أركان المؤسسة الإعلامية الكبرى تركّز هذه الأيام على مدى ارتفاع نسبة تأييده بين ناخبي ولاية فلوريدا، كما يحظى الرئيس ترامب بدعم نسبة لا يستهان بها هناك.
يتمثّل جوهر مأزق دي سانتيس الأول في مدى قابليته الذهاب لانتقاد الرئيس ترامب أمام الناخب الجمهوري، بما يتضمّنه ذلك من مخاطر عداء قسم لا بأس به، وفي الوقت نفسه المحافظة على سمعته بأهلية ترشّحه بديلاً عن الرئيس السابق.
أعلنت حاكمة ولاية ساوث كارولينا السابقة نيكي هيلي عن ترشّحها عن الحزب الجمهوري، لكن معدلات تأييد الناخبين لها بقيت أقل من 10%. الأمر الذي يشير إلى تنامي عقبات جدية أمامها مقابل الرئيس السابق ترامب ورون دي سانتيس. وربما تهيّئ نفسها لمنصب «نائبة الرئيس» عن الحزب الجمهوري، كما يعتقد بعض المراقبين.
كما أعلن رجل الأعمال ذو الأصول الهندية، فيفك راماسوامي، عن ترشّحه أيضاً، مستغلاً ثغرة العداء بين رون دي سانتيس وشركة ديزني للترفيه، ومقرها ولاية فلوريدا، مستهدفاً حاكم الولاية لقفزه عن القوانين الناظمة للضرائب ومنحه الشركة إعفاءات ضريبية من قانون «قام بالمصادقة عليه نفسه».
ينحدر فيفك من ولاية أوهايو بالغة المكانة الحسّاسة للفوز في جولة الانتخابات الرئاسية، ومن شأنه تسخير نفوذه وثروته البالغة نحو 600 مليون دولار لدعم أجندة تروق له.
وهناك بعض المرشحين الآخرين الذين تتفاوت حظوظهم بين الانسحاب مبكّراً أو لاحقاً لعدم تأهّلهم في الانتخابات التمهيدية للحزب، أو قبلها، منهم: حاكم ولاية آركنسا الأسبق آسا هتشيسون والمذيع لاري إلدر الآتي من ولاية كاليفورنيا إذ حاز على نسبة معتبرة من التأييد في انتخابات الولاية الاستثنائية الرامية لإقصاء حاكمها، غافين نوسم، والذي استطاع الفوز والاحتفاظ بمنصبه الراهن.
أما حظوظ الرئيس جو بايدن، عند هذا المفصل الجوهري، فيرى بعض المراقبين أن الدافع الحقيقي لإعلانه إعادة ترشحه هو من أجل الإفلات من ملاحقات قضائية، له ولنجله وبعض أفراد عائلته، مع استمرار توسّع دائرة الاتهامات له بالفساد والمحسوبية، متسلّحاً بحصانة منصبه الرئاسي من الملاحقة، ولقناعته أيضاً أن المناخ السياسي العام لا يشجّع على إعادة تجربة «مقاضاة وإقصاء» الرئيس، كما جرى مع سلفه.
الجزم بمستقبل الرئيس بايدن ليس مرئياً بعد، أو ما سيتمخض على قادة الحزب الديموقراطي لاحقاً من تصرّف حيال حالته الذهنية المقلقة، والوقوف عند مرشّح أقوى نسبياً.
أما وإن جرت الانتخابات الرئاسية وفق المعطيات الراهنة، فإن «الرئيس ترامب سيفوز إن صوّت الناخبون بناء على وضعهم المعيشي» ممثلاً بتراجع كبير في الازدهار الاجتماعي والسلم الأهلي، بحسب صحيفة «وول ستريت جورنال»، بتاريخ 1 أيار/ مايو الحالي.