حربها «الأخيرة» إلى أين؟

محمد شريف الجيوسي

انخرط قادة المملكة العربية السعودية مجدداً في حرب مباشرة ضد اليمن، للمرة الثالثة على الأقل، خلال نحو قرن، بعد حربهم الأولى ضد الأدارسة الإمامية والتي انتهت باتفاقية الطائف عام 1934، وتمكن السعوديون بنتيجتها من الاستيلاء على إقليمي عسير ونجران اليمنيين، والتي استرد اليمن أجزاءً كبيرة منهما في عهد الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح عام 2000 بموجب اتفاق جدة مع السعودية، الذي حل جزئياً مشكلات الحدود بين البلدين، وبقيت أجزاء أخرى تحت الاحتلال السعودي ولا تزال حتى الآن.

وفي أعقاب اتفاقية جدة بدأت االسعودية أواخر عام 2003 ببناء جدار مع اليمن بطول 2000 كيلومتر، أعلنت عن بنائه رسمياً عام 2013، والذي اعتبرته اليمن مخالفاً لاتفاقية جدة التي تمت بموجبها التسوية الحدودية آنفة الذكر.

وكان التورط السعودي الثاني في الحرب على اليمن في أعقاب قيام الثوة اليمنية بقيادة عبد الله السلال عام 1962، إذ وجدها قادة السعودية فرصة للتدخل، فيما قالوا أن وقوفهم إلى جانب الشرعية الإمامية، رغم ما بينهما من محن وحروب واحتلالات.

ووجدت مصر نفسها في الموقف المساند للثورة اليمنية في أعقاب انفصال الجمهورية العربية المتحدة وقد بدأت المساندة المصرية للثورة اليمنية رمزية، وانتهت بـ55 ألف جندي مصري!؟ وهو وجود منهك يستوجب مجهوداً جوياً وبحرياً لخدمته وحمايته وتوفير احتياجاته وإمداداته اللوجستية، وانتهت الحرب باتفاق سعودي مصري بوقفها عام 1966.

وعلى رغم أنّ التدخل المصري خدم الثورة اليمنية وفي تحوّل اليمن من القرون الوسطى الى الحاضر نسبياً، إلا أنه أنهك مصر، وعزز من ضغائن الرجعية العربية ضد مصر عبدالناصر، وكانت سبباً في جملة أسباب لهزيمة مصر، في حزيران عام 1967، و تموضعها داخل أجزاء من أراضيها، بدلاً من أن تتوحد مع سورية أو ان تتمدد الى اليمن.

لقد كانت المساندة المصرية للثورة اليمنية في حينه، تحمل ضرورتها، وكانت في أعقاب نجاح لعبة انفصال سورية التي شاركت في التخطيط لها ورسمها، الرجعية العربية، وكانت مصر في حينه في حالة صعود، ولها من الرصيد العربي الشعبي ما لم يتوافر لدى أي نظام عربي رسمي في حينه والآن أيضاً، كما كانت مصر عبد الناصر محل خشية الأنظمة الرسمية مجتمعة، ومع كل ذلك كانت نتائجها وخيمة على مصر.

وفي الفترة بين تورط السعودية في الستينات، والتورط المباشر الثالث الحاصل الآن والأخطر بينها، تدخلت السعودية في شكل غير مباشر الى جانب انفصاليي الجنوب بعد سنوات قليلة من قيام الوحدة بين شطري اليمن، واحتضن قادتها عدوهم المفترض اللدود الشيوعي احمد سالم البيض، كما احتضنوا من قبل عدوهم الإمام البدر فاليمن الآمن المستقر كابوس تاريخي للطبقة الحاكمة في السعودية، مثلما كان الأمر مع الهاشميين وآل الرشيد في بدايات القرن الـ 20.

كما تورط قادة السعودية في اليمن بداية هذا العقد، واستعانوا ببعض العرب وبمرتزقة باكستانيين في حرب محدودة على الحوثيين كان وقفها السريع إنجازاً لمصلحتهم، وإلا لكانت النتائج مأسوية عليهم.

والحرب الثالثة المباشرة الواسعة على اليمن ابتداء من 27 آذار 2015، تضم تحالفاً دولياً من 10 دول عربية متفاوتة المساهمة ومعها الباكستان، وقد انضمت إليها الولايات المتحدة الأميركية بتزويد طائرات التحالف السعودي بالوقود جواً، بالطبع على أقل تقدير.

ما سبق يدلل على أن عداء القادة السعوديين لليمن تاريخي، بغض النظر عن المبررات والأنظمة والظروف الدولية والنتائج، ولا تبدو هناك مؤشرات قابلة لتغيير هذا الواقع، إلا بزوال اليمن أو خصومه.

ولكن ما هو المتوقع في ظل واقع مختلف عن التدخلات السابقة من حيث:

1 ـ التحالف المستهدف من قبل السعودية في اليمن على خلاف ما يزعمه التحالف السعودي من أنه مجرد جماعة مذهبية متسلطة ، هو تحالف عريض يضم شرائح سياسية وقبلية وعسكرية منظمة وحضارية، تحقق على الأرض انتصارات سريعة ومذهلة، ما يعني أنه يتوافر على حضانات شعبية في مختلف أرجاء اليمن.

2 ـ إن خصوم التحالف اليمني، جماعات إرهابية تكفيرية متخلفة، تحسن القتل والتدمير والتخريب من دون سواه، ويتوقف استمرارها على دعم أطراف خارجية، ولا تتمتع بدعم شعب اليمن المتطلع إلى المستقبل وإعادة بناء اليمن الحضاري المتقدم الديمقراطي، المنتمي لأمته العربية، المستقل قراره عن الخارج.

3 ـ خصوم اليمن الحاليون الإقليميون والدوليون هم من سبق أن استعمروه أو شنوا الحروب عليه، أو تواطأوا ضده، أو دعموا الجهات التكفيرية أو الانقساميين، وكل ذلك لا يحظى بقبول يمني واسع.

4 ـ ليس هناك إجماع إقليمي على الحرب على اليمن، بدليل عدم مشاركة سلطنة عمان فيها ووقوف إيران ضد التدخل في اليمن وتأكيدها على الحوار، ومثل ذلك سورية والمقاومة اللبنانية وفصائل فلسطينية مقاومة، ويتوقع اتساع هذا التحالف.

5 ـ يتوقع تراجع مصر عن الاستمرار في هذا التحالف في ضوء نتائج دعمها لليمن عام 1962، على رغم ما كان عليه هذا الدعم من مشروعية اخلاقية قومية، في حين أن ظروف مصر المعقدة الآن، وما تشنه العصابات الإرهابية على جيشها من عمليات إجرامية تستوجب التركيز على الداخل، كما تستوجب التركيز على إعادة بناء الاقتصاد المصري.

وفي تقديرنا أن على مصر استرجاع حروب السعوديين ضدها… فخصومتهم لها في غير فترة وزمان ونظام مصري، يستوجب عدم الإنزلاق في جبال اليمن، وهو الإنزلاق الذي يحظى بمعارضة شعبية مصرية متصاعدة.

6 ـ ويأتي التدخل السعودي الراهن في أسوأ الظروف السعودية، سواء على صعيد خلافاتٍ تحت رماد أمراء العائلة، وفي ظل تدخل غير حميد في البحرين يستفز ليس فقط الأكثرية العددية هناك وإنما مواطني المنطقة الشرقية الغنية بالنفط، الذين يتململون بمواجهة التهميش التاريخي الواقع عليهم، كما سيقلق التدخل عمان، وحتى اطراف خليجية أخرى مشاركة في التحالف، إذ ما الذي سيمنع حكام السعودية من القيام بذات الشيء تجاه كل من يختلف معها.

ولا بد من إدراك أن العصابات الإرهابية المدعومة من قبلها، ستتحول اليها في مرحلة ليست بعيدة، فـ النار تأكل بعضها إن لم تجد ما تأكله .

7 ـ ويختلف التحالف الصديق المفترض لليمن، عن التحالف الأميركي الذي يتبع له التحالف السعودي، على رغم أن التحالف الأول، لا يبدو انه مقبل على تدخل مباشر، كما الآخر في اليمن، وهذا يجعله أكثر نزاهة وفعالية وقبولاً.

فضلاً عن أن التحالف الأميركي تحالف براغماتي، يقف مع مصالحه وليس مع مبادئه ذلك أنه بلا مبادئ نزيهة، وسرعان ما يتخلى عن حلفائه والتابعين له والبيادق، عندما تتناقض مصالحه مع أولئك، والأمثلة على ذلك كثيرة.

وإذا كانت السعودية قد حققت في الحرب الأولى على اليمن في ثلاثينات القرن المنصرم تقدماً جغرافياً مهماً، وإذا كانت في الحرب الثانية قد تسببت في هزيمة مصر تجاه الكيان الصهيوني، فإنها فشلت في تدخلها غير المباشر لإعادة تشطير اليمن في تسعينات القرن المنصرم، كما فشلت وحلفاؤها في حربها المحدودة على الحوثيين قبل سنوات ، وليس هناك ما يؤشر على انتصارها على اليمن الآن، بل إنها في هذه الحرب الغبية المعادية لأهداف الأمة، ستجلب النار إلى حصنها ، وستكون ناراً مختلفة تختزل معاناة شعبها من الظلم على مدى قرن من الزمن وما تسببته للعرب والمسلمين من ويلات وأحزان وكوارث.

m.sh.jayousi hotmail.co.uk

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى