سورية تستعيد مقعدها العربي والأسد في القمة… و(س – س) جديدة
ناصر قنديل
– لم ينفع الفجور الأميركي في إعاقة العودة العربية إلى سورية، خصوصاً بعد القرار السعودي الكبير بترجمة المرحلة السياسية الجديدة في المملكة بتحويل هذه العودة إلى عنوان مفصلي لتعاملها مع الكثير من الملفات والقضايا، حيث تأتي العودة السعودية إلى سورية في زمن التموضع السعودي على ضفة الاستقلال الاستراتيجي، كما وصفت بكين الاتفاق السعودي الإيراني الذي ترعاه بكين ويتسبب بالغضب والحنق في واشنطن وتل أبيب. وتتزامن هذه العودة مع الانفتاح على حركات المقاومة كما يقول استقبال قادة حركة حماس في أول زيارة منذ عام 2019، عندما قام وفد من المكتب السياسي برئاسة رئيسه إسماعيل هنية بزيارة الرياض في 18 نيسان الماضي. وهذه العودة تتزامن مع إعلان الفصل الثقافي والعقائدي بين الدولة السعودية والوهابية، بعدما كان هذا الربط تعبيراً عن قرار سعودي بتأمين ضخّ ما عُرِف بـ «الإسلاميين الجهاديين» الى ساحات القتال والقتل عبر العالم، ضمن إطار تعاون استراتيجي سعودي أميركي وضعه مستشار الأمن القومي الأميركي السابق زبيغنيو بريجنسكي والأمير السعودي بندر بن سلطان، وقد كانت سورية آخر ساحات هذا النوع من التعاون. وتأتي هذه العودة السعودية إلى سورية على خلفية قرار كبير بالخروج من مظلة صفقة القرن وما رافقها من موجات التطبيع العربي مع كيان الاحتلال، لم تكن الرياض بعيدة عنها، وكان الرهان الأميركي الإسرائيلي بتتويجها بتطبيع سعودي إسرائيلي تحدّث عنه رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو مراراً، وشكل بنداً من بنود زيارة الرئيس الأميركي جو بايدن الى الرياض في 11 آب العام الماضي، بحديثه عن السعي لربط الاستقرار في المنطقة بدمج كيان الاحتلال بدولها. وجاء الرفض السعودي والتمسك بالعودة الى المبادرة العربية التي أقرّتها قمة بيروت عام 2002 التي شاركت فيها سورية، بداية التموضع الذي توّجته العودة الى سورية، حيث صدرت في 27 شباط الماضي، عن اللجنة الدائمة للإفتاء في المملكة العربية السعودية الفتوى رقم 19402 التي تحرّم الدعوة الإبراهيمية التي رافقت التطبيع وقالت بأن الأديان كلها واحدة تجتمع تحت البيت الإبراهيمي. وقالت الفتوى، إن الدعوة الابراهيمية اي «الدعوة إلى (وحدة الأديان) والتقارب بينها وصهرها في قالب واحد، دعوة خبيثة ماكرة، والغرض منها خلط الحق بالباطل، وهدم الإسلام وتقويض دعائمه، وجرّ أهله إلى ردة شاملة»، ويبقى الأهم بمغزاه أنه بعد الاتفاق السعودي الإيراني يسقط الرهان الذي بناه قادة الكيان على تكفل السعودية بربط أي عودة إلى سورية او أي عودة لها الى الجامعة العربية مشروطة بابتعادها عن إيران. وهذا التزامن بين زيارة الرئيس الإيراني إلى سورية وما رافقها، وموعد البحث بعودة سورية إلى الجامعة، خير صفعة مدوية على وجه نتنياهو.
– عندما تحدّث الأردنيون عن مبادرة خطوة مقابل خطوة، في مفهوم العلاقة العربية بسورية، لم تكن سورية تشعر بالقلق، رغم أن المصطلح ورد أصلاً في الأدبيات الأميركية على لسان الدبلوماسي السابق جيفري فيلتمان. وكان السؤال هل ان هذه المبادرة وما يتضمنه التذكير الأردني المصري الدائم بالقرار 2254 إلى عرقلة المساعي السعودية للعودة العربية إلى سورية، أو على الأقل ربط استعادة سورية لمقعدها في الجامعة بشروط تريح الأميركي، وكانت الإشادة القطرية بالمبادرة الأردنية تشير الى ذلك، لكن عندما دعت السعودية الى اجتماع جدة الخليجي مع مصر والأردن والعراق وانتقلت السعودية وحدها تمثل الخليج في اجتماع عمان الخماسي، الذي ضمّ وزير خارجية سورية، وما انتهى إليه الاجتماع، قال إن الأمر ليس إيجاد مخرج لائق للسعودية لعدم المضي قدماً باستعادة سورية لمقعدها في الجامعة، بل إيجاد مخرج لائق لواشنطن لتقول إن العودة لم تتم خلافاً لإرادتها، عبر الإيحاء بأن سورية قدمت التزامات تلاقي الطلبات الأميركية، وأن استعادة سورية مقعدها تحت المراقبة لتنفيذ هذه الالتزامات. وكانت المفاجأة أن الالتزامات هي قرارات سابقة اتخذتها القيادة السورية وأكدتها، من قوانين عفو، وترحيب بعودة اللاجئين، ودعوة للتنسيق مع حكومات الجوار العربي لضبط الحدود، ووقف تسلل الإرهابيين، والتعاون لمكافحة الإرهاب وحل الميليشيات وانسحاب الجيوش الأجنبية الموجودة بشكل غير شرعيّ في الأراضي السورية. ومعلوم ان المقصود مباشرة هو كل من الاحتلالين التركي والأميركي، لتسمع سورية الثناء على موقفها، ويخرج الاجتماع الخماسي بكلام أردني أن على الشركاء الدوليين ملاقاة ما وافقت عليه سورية بخطوات مماثلة تتصل بالعقوبات المالية وتمويل إعادة الإعمار وعودة اللاجئين.
– الأحد يجتمع مجلس الجامعة العربية للبحث باستعادة سورية لمقعدها في الجامعة، على خلفية نتائج اجتماع عمان، وبالأمس قال أيمن الصفدي وزير الخارجية الأردني، «إن سورية سوف تتمكن قريباً من العودة إلى جامعة الدول العربية». وأضاف الصفدي في تصريحات لمحطة «سي.إن.إن» أن سورية لديها ما يكفي من الأصوات بين أعضاء الجامعة البالغ عددهم 22 لاستعادة مقعدها وأشار إلى أن «العودة إلى الجامعة ستحدث. وهكذا تتوج العودة العربية الى سورية باستعادتها مقعدها في الجامعة، تمهيداً لحضور رئيسها في القمة العربية المقبلة في الرياض بعد أسبوعين، معلناً بداية مرحلة جديدة، لا مكان فيها عربياً لتغطية الإرهاب ولا لتغطية التطبيع، مؤسساً مع السعودية تجديداً حيوياً في معادلة سين سين، يتيح مرحلة عربية جديدة كان افتقدها يوم تقديم أطروحته حول دول البحار الخمسة، قبل خمسة عشر عاماً، لتتجه المنطقة بقوة نحو الاستقلال الاستراتيجيّ كشرط للاستقرار الاستراتيجي.