أخيرة

دبوس

تكتيكات

في كواليس سلطة أوسلو، يعتقدون، أو يقنعون أنفسهم بأنّ دعبس حينما خاطب مذيعة القناة الثانية الإسرائيلية قائلاً، بأنه لا يريد العودة الى صفد، وأنه لا يفكر بذلك بتاتاً فإنه كان يمارس تكتيكاً بارعاً، وحينما قال لإحدى القنوات الإسرائيلية الأخرى بأنه قام بمصادرة سكاكين وشفرات صغيرة من حقائب تلاميذ المدارس، بينما نرى المدنيين الإسرائيليين وقطعان المستوطنين مدجّجين بالسلاح من قمة رؤوسهم الى أخمص أقدامهم، كان أيضاً يضع الإسرائيليين في خانة اليك بتكتيكاته البارعة.
مرسي كذلك في مصر، كان يعتقد بأنه حينما أرسل رسالة تهنئة الى صديقه “العظيم” شمعون بيريز، كان يمارس تكتيكاً بالغ الذكاء، في إطار فلسفة التمكين التي ينتهجها الاخوان المسلمين…
وقس على ذلك أيضاً تصريحات الغنوشي للإعلام الغربي بأنه لا يعتبر “الشعب الاسرائيلي عدواً”، الشعب الذي ثلاثة أرباعه من غلاة المتطرفين والمستوطنين الذين يريدون قتل العرب وطردهم وهدم الأقصى، هؤلاء بالنسبة للغنوشي ليسوا أعداءً، بل أحباب…!
اختلفنا او اتفقنا مع دعبس ومرسي والغنوشي وغيرهم من عباقرة التكتيك والجدوى من ممارسته ع الطالعة والنازلة، ولكن المعيار الذي يجب ان نحتكم اليه في التفريق بين التكتيك الناجح والانبطاح هو الإنجاز ومراكمة المكاسب، فما هي المكاسب التي ومن خلال تكتيكاته البارعة تمكن دعبس من إنجازها؟ شخصياً أعتقد انه لو انّ المشيئة الإلهية أرادت ان يعيش عشرة سنين أخرى، ويستمرّ في ممارسة تكتيكاته البارعة هو وشلّة الأنس في المقاطعة، فإنّ فلسطين ستصبح في خبر كان، بحّ، لن يكون هنالك شيء يُدعى فلسطين، ستُهوّد الضفة تماماً، وسيُنكّل بالشعب الفلسطيني، وسيُطرد من يُطرد، وسيُهدم الأقصى، ولن يمنع ذلك إلّا قبضات الأبطال في جنين ونابلس وطولكرم وقلقيلية وطوباس والخليل.
السؤال هو: لماذا لم يلجأ الخميني العظيم الى مثل هذه التكتيكات حينما وصل الى طهران عام 1979، لماذا قذف بسفير “إسرائيل” في نفس اليوم إلى تل أبيب، ووضع مكانه سفيراً فلسطينياً، لماذا اعتقل جميع موظفي السفارة الأميركية في طهران بتهمة التجسّس، وهم كذلك، جواسيس، وأبقاهم في الحجز لمدة 444 يوم، بينما تقوم دوروثي شيا في نفس الوقت الذي تجوّع وتحاصر وتقتل الشعب اللبناني، تقوم بتوزيع كمامات الكورونا على الناس في الشوارع، تماماً كمن يقتل ابنك، ثم يقدم لك الكلينكس بسخاء لتمسح دموعك!
لعلّ السؤال الذي يقفز الآن هو لماذا هذه السفارة العملاقة في لبنان، وهذا الكمّ الهائل من العاملين فيها سوى للتخريب وللتآمر والتجسس.
خلاصة القول إنها الإرادة، هنالك من يتمتع جينياً بإرادة لا تكسر، وهنالك من لا إرادة له إطلاقاً، مشكلة هؤلاء الذين تكاد إرادتهم للتحدي والمقاومة ان تكون صفرية أنهم يخادعون أنفسهم لدواعي التوازن النفسي، فيقنع الواحد منهم نفسه بأنه يمارس التكتيك للوصول الى الأهداف، يتحاشى المقاومة والقتال، ويدّعي بأنه عقلاني، وهو يناور للوصول الى الغايات الموضوعة، وما علينا إذا أردنا أن نصل الى الحقيقة سوى ان ننظر الآن ونقيّم ما هي حال أولئك الذين اختاروا القتال والمقاومة والتصدّي، وأولئك الذين شاؤوا ممارسة التكتيكات البارعة، ما هي حال إيران العظمى وسورية المنتصرة، وما هي حال سلطة أوسلو وإخوان مصر وتونس والأردن.
سميح التايه

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى