أولى

هكذا نجحت المقاومة في إحباط أهداف نتنياهو وأدخلته في مأزق عدوانه

حسن حردان
تبدّدت سريعاً أحلام رئيس حكومة العدو الصهيوني بنيامين نتنياهو بتحقيق إنجازات تكتيكية في مواجهة المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، بعد ارتكابه جريمته الغادرة في اغتيال عدد من قادة سرايا القدس في حركة الجهاد الإسلامي مع أطفالهم وزوجاتهم، ومحاولته اليائسة تجنب إطالة المواجهة مع المقاومة وإنهائها في خلال يوم او يومين، بحيث يخرج منها محققاً جملة من المكاسب التكتيكية…
والأسئلة التي تطرح في هذا الإطار هي:
ما هي الأهداف التي سعى إلى تحقيقها نتنياهو من هذا العدوان الغادر على قطاع غزة؟
وكيف ردّت المقاومة الفلسطينية وأحبطت هذه الأهداف وأدخلت نتنياهو في مأزق عدوانه؟
وما هي النتائج التي تمخضت عنها هذه الجولة الجديدة المستمرة من المواجهة بين المقاومة وجيش الاحتلال؟
اولاً… على صعيد الأهداف التي أراد تحقيقها نتنياهو، يمكن حصرها بالآتي:
1 ـ توجيه ضربة موجعة لحركة الجهاد الإسلامي من خلال اغتيال عدد من قادتها في سرايا القدس، وتغيير قواعد الاشتباك.
2 ـ ترميم قوة الردع الاسرائيلية التي تآكلت كثيراً خصوصاً بعد تطورين حصلا مؤخراً:
التطور الاول، اضطرار نتنياهو إلى احتواء تصعيد المستوطنين بعد اعتدائهم على المصلين في قلب المسجد الأقصى في شهر رمضان، وسعيهم الى محاولة فرض التقسيم الزماني والمكاني في الأقصى في سياق مخطط تهويده، واحتدام المواجهة بين الشعب الفلسطيني وقوات الاحتلال والمستوطنين الصهاينة، ودخول حلف المقاومة على خط المواجهة من خلال الرسائل الصاروخية التي وجهت من جنوب لبنان، باتجاه المستوطنات في شمال فلسطين المحتلة، ومن سورية باتجاه الجولان المحتلّ، وبالتالي إظهار استعداد حلف المقاومة إلى الذهاب للحرب اذا ما تجاوز كيان الاحتلال الخط الأحمر في المسجد الأقصى..
الحدث الثاني، قيام حركة الجهاد بقصف المستوطنات الصهيونية في جنوب فلسطين المحتلة بمئة صاروخ وفشل القبة الحديدية في التصدي لها، وذلك رداً على جريمة العدو في اغتيال القيادي في الجهاد الإسلامي الأسير خضر عدنان في سجنه الاداري وهو مضرب عن الطعام منذ 86 يوماً.
3 ـ إعادة التماسك بين أطراف الحكومة الإسرائيلية، عبر الاستجابة لدعوات وزير الأمن ايتمار بن غفير في التصعيد ضدّ المقاومة الفلسطينية والعودة الى سياسة الاغتيالات، وهو ما لاقى إشادة وترحيب غفير الذي أعلن عن إنهاء مقاطعته لاجتماعات الحكومة والكنيست…
4 ـ تصدير الازمة الداخلية، والعمل على تعويم شعبية نتنياهو، التي شهدت تراجعاً كبيراً في الآونة الأخيرة حسب استطلاعات الرأي..
5 ـ الاستفراد بحركة الجهاد الاسلامي، وتحييد باقي فصائل المقاومة، لا سيما حركة حماس، في محاولة لإثارة الانقسام والفتنة بين حركات المقاومة للنيل منها الواحدة بعد الأخرى…
6 ـ عدم إطالة هذه الجولة من المواجهة مع المقاومة، والاسراع في إنجاز اتفاق لوقف النار عبر مصر من دون شروط.. بما يؤمّن لنتياهو الخروج من هذه الجولة بصورة المنتصر، وقد نجح في تحقيق الأهداف المذكورة آنفاً…
ثانياً، كيف ردت المقاومة وأحبطت أهداف العدوان وإعادت تثبيت قواعد الاشتباك…
1 ـ الردّ على إثارة الفرقة والانقسام بين حركات المقاومة، بتولي غرفة العمليات المشتركة لفصائل المقاومة الردّ بشكل موحد على العدوان، وبالتالي تأكيد وحدة المقاومة في المواجهة والثأر للشهداء الذين قضوا في المجزرة الصهيونية، وإطلاق اسم “ثأر الاحرار” رداً على المجزرة.. مما قطع الطريق على الفخ الذي أراد نتنياهو إيقاع حركات المقاومة فيه.. كما تجلى الردّ الموحد من خلال التزام جميع قوى المقاومة بالصمت لمدة 36 ساعة قبل القيام بالردّ على الجريمة الصهيونية، وذلك لإرباك العدو وتضليله بشأن طبيعة الردّ ومن أين سيتمّ، وجعله يغرق في حالة من القلق، وهو ما حصل…
2 ـ إدارة المواجهة على نحو يطيل زمن المعركة لأيام عدة بما يؤدّي إلى تدفيع نتنياهو ثمن عدوانه ومنعه من تحقيق ما يصبو اليه من انتصار ولو معنوي، وإحداث تداعيات سلبية في الداخل الإسرائيلي، ليست في مصلحة نتنياهو، من خلال قصف العمق الصهيوني في تل أبيب والمدن المحيطة بها وصولاً إلى المستوطنات في جبال القدس المحتلة، إلى جانب مدن ومستوطنات جنوب فلسطين المحتلة، وبالتالي رفع الكلفة الاقتصادية والمادية والبشرية للكيان، وإثارة التناقضات داخله، وهو ما ظهر بعد نجاح صواريخ المقاومة في إيقاع الخسائر في صفوف المستوطنين، وارتفاع الأصوات الإسرائيلية التي تدعو نتنياهو إلى وقف العملية العسكرية وتحمليه مسؤولية التسبب مجددا في تآكل قوة الردع الصهيونية وفشله في استعادتها..
3 ـ اعتماد تكتيك قطع الطريق على محاولة نتنياهو الهروب من دفع الثمن السياسي، من خلال عدم استعجال قيادة المقاومة التفاوض حول الطلب الإسرائيلي الذي نقل عبر الوسيطين المصري والقطري بالاستعداد لوقف نار متبادل، وإنهاء الأمر عند هذا الحد، وأبلغت الوسيطين أنّ “إسرائيل” هي من خرق التهدئة وتتحمّل مسؤولية ما حصل… ومن ثم أعلنت المقاومة عن عدة شروط للقبول بوقف لإطلاق النار، ابرزها تعهّد اسرائيلي بوقف الاغتيالات، مما أربك نتنياهو وقطع الطريق على محاولته إنهاء هذه الجولة من المواجهة على قاعدة تضمن له الخروج منها سريعا بمكاسب تكتيكة، من خلال وقف متبادل لإطلاق النار من دون شروط…
4 ـ لجوء المقاومة إلى تكتيك يقوم على إطلاق الصواريخ في أوقات مختلفة واستهدافها مناطق وأهداف في مساحات واسعة من فلسطين المحتلة، على نحو بات يضغط على الكيان وحكومته، مما أدّى إلى تبديد حالة الابتهاج والتباهي التي ظهر فيها نتنياهو على إثر اغتيال قيادات الجهاد، وعاد إلى مواجهة واقع الفشل في ترميم قوة الردع واضعاف قدرات المقاومة المتنامية…
5 ـ نجاح المقاومة في توجيه ضربة موجعة لهيبة “إسرائيل”، وكشف عجز منظومات الدفاع الجوي الاسرائيلية، من خلال اعتماد المقاومة أساليب جديدة في طريقة إدارة المعركة وإطلاق الصواريخ أربكت جيش الاحتلال وخطط نتنياهو…
ثالثاً، على صعيد النتائج الأولية، وخيارات الاحتلال:
النتيجة الأولى، فشل العدو في تغيير قواعد الاشتباك، ونجاح المقاومة في إعادة تثبيتها، وتأكيد تآكل قوة الردع الصهيونية.. رغم استشهاد قادة سرايا القدس التي برهنت بأنها تملك بنية العسكرية والجاهزية والاستعداد لمواصلة المقاومة وملء مواقع القادة الذين استشهدوا..
النتيجة الثانية، تطوّر أداء المقاومة، انْ كان على صعيد إدارة المعركة، واعتمادات تكتيكات جديدة في المواجهة فاجأت العدو، وأحبطت اهدافه وكشفت عجز قبته الحديدية، ومقلاع داوود في إسقاط الكثير من الصواريخ.. أو على صعيد إحداث نقلة نوعية في التنسيق والتعاون بين فصائل المقاومة..
النتيجة الثالثة، تأكيد سقوط نظرية الأمن الصهيوني، وافقاد كيان الاحتلال القدرة على حماية أمنه واستقراره، مما سيكون له تأثيرات كبيرة في المرحلة القادمة على اي قرار صهيوني في الاقدام على تكرار اعتداءاته لمحاولة تغيير قواعد الاشتباك مع المقاومة..
النتيجة الرابعة، تعميق مأزق الكيان في مواجهة قوى المقاومة في قطاع غزة وانكشاف عجزه في الذهاب بعيداً في المواجهة، بسبب محدودية خياراته، فلا هو قادر على العودة إلى اجتياح غزة، وتحمّل كلفته الباهظة، واحتمالات توسع المعركة إلى جبهات اخرى.. خصوصاً بعد رسائل المقاومة القوية في قصف المستوطنات في محيط القدس الغربية، في حين انّ قبوله شروط المقاومة لوقف النار، بالتعهّد بوقف الاغتيالات، والإفراج عن جثة الشهيد خضر عدنان، ووقف مسيرة الأعلام للمستوطنين في القدس، سوف يعني إذعان نتنياهو لشروط المقاومة ويؤدي الى انعكاسات سلبية على ائتلافه الحكومي، واحتمالات انفراط عقده..
لهذا فإنّ نتنياهو بات في مواجهة خياري التهدئة بشروط تقبل بها المقاومة، او تصعيد في المواجهة لن يؤدّي الا إلى زيادة الاستنزاف ودفع المزيد من الثمن، من هنا فمن المحتمل تشتدّ المواجهة مع تكثيف مشاورات البحث عن مخرج تقبل به المقاومة وحكومة نتنياهو.. أو تلجأ “إسرائيل” إلى وقف النار من جانب واحد لتجنب الموافقة على شروط المقاومة.. وتبقى الضمانة بالنسبة للمقاومة قدرتها الردعية على مواجهة ايّ عدوان صهيوني..

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى