سورية ـ الجامعة العربية «امتياز قمة» وتموضع خليجي استثنائي على خط الوسط الإقليمي
} نمر أبي ديب
بالرغم من استثنائية المرحلة، وحتمية الخروج العربي من عناوين ومؤثرات المراحل السابقة، ومنها على سبيل المثال السياسي لا الحصر قرار مقاطعة سورية، أتت الموافقة العربية على العودة السورية الغير مشروطة إلى جامعة الدول العربية بعد تعليق عضويتها في تشرين الثاني 2011 بمثابة الخطوة الأولى على مسار العودة العربية الشاملة إلى «خط الوسط الإقليمي»، وأيضاً على مسار الانسحاب الاستراتيجي من حروب أسدلت عليها السياسة ستائر المراجعة الضمنية وإعادة الحسابات، نتيجة المقاربات السعودية المختلفة، والانفتاح السياسي وحتى الثقافي الذي أبداه ولا يزال ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، أيضاً نتيجة «المراوحة السلبية» على أكثر من جبهة إقليمية (اليمنية تحديداً)، إضافة إلى حسابات الربح والخسارة الإقليمية التي أجرتها مؤخراً المملكة العربية السعودية وحاولت من خلالها تشكيل «مقدمات إقليمية» لمراحل جديدة من التفوّق السياسي وحتى الاستراتيجي ضمن مسار عربي خليجي مشترك، نشطت عبره الإمارات العربية المتحدة، ودخلته السعودية من الباب الإقليمي/ العربي العريض، نتيجة التحوّل المتنامي في أساس الموقف السعودي، ومفاعيل الاتفاق الثلاثي (الصين السعودية إيران) بالتزامن مع تقاطع مصالح ثلاثي الأبعاد سمح وللمرة الأولى في إخراج الولايات المتحدة الأميركية من صدارة المشهد الإقليمي…
كلّ ذلك يطرح اليوم أكثر من علامة استفهام سياسية، تتمحور في معظمها حول الخروج العربي من استراتيجية الموقف الأميركي رغم الازدواجية الواضحة في مواقف البيت الأبيض التي شكلت في بعض جوانبها اعترافاً استثنائياً لا بل رضوخاً أميركياً لموقف جامعة الدول العربية وقرار الانفتاح السعودي على سورية، وتجلى ذالك في إعلان البيت الأبيض عدم التطبيع مع الرئيس السوري بشار الأسد، وأنّ العقوبات الأميركية على سورية سوف تبقى سارية بالكامل، مع ما استتبعها من تراجع سياسي حين أكَّد ضمن التصريح ذاته أننا أيّ البيت الأبيض (نتفق معهم بشأن الأهداف التي يريدونها من الانفتاح مع سورية).
تأتي الازدواجية الأميركية اليوم، في سياق الإحراج السياسي الذي سبّبه خروج الموقف العربي في بعض جوانبه من مساحات الهيمنة الأميركية، التي فرضت في مراحل سابقة سياستها الشرق أوسطية بشكل كامل مع مستحقات الحماية الإقليمية لدول الملحق الأميركي في سابقة دولية أنهت من خلالها إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب، مفهوم الصداقة السياسية وأيضاً مبدأ الحليف الاستراتيجي، في التعاطي الأميركي مع دول المنطقة.
مما لا شك فيه أنّ العودة السورية إلى جامعة الدول العربية عودة استثنائية للمسؤوليات العربية المشتركة تجاه أمن وسيادة الجمهورية العربية السورية، والوقوف الاستراتيجي على تماس مباشر مع أيّ تهديد يمكن أن يتناول في حدّه الأدنى الوحدة السورية، القائمة على مركزيتين: سياسية تتعلق بالنظام الحالي، وجغرافية مرتبطة بسيادة وسلامة أراضيها.
في النتائج تؤسّس العودة العربية إلى سورية نوعاً من التكامل السياسي الغير معلن بعد، وحاجة استثنائية فرضتها «أحلام المملكة» الثائرة ضمن مفاعيل وتردّدات الرؤية العصرية أو ما يُعرف بعشرين/ ثلاثين وأخواتها، ثلاثين/ أربعين، أربعين/ خمسين، إضافة إلى ما يمكن أن يضيفه ولي العهد السعودي محمد بن سلمان على المشهد الداخلي بشكل عام، مروراً بمستلزمات الزعامة العربية، ودور سورية المحوري في مواكبة ومباركة الحضور العربي المتقدّم للمملكة، انطلاقاً من معادلة «سين سين»، وتأثير العودة السورية إلى جامعة الدول العربية على الانتظام السياسي وحتى الأمني في خط الوسط الإقليمي بعد الخروج الجزئي للمملكة العربية السعودية من عباءة الولايات المتحدة الأميركية، وأيضاً على «خيوط وخطوط» الربط الإقليمي مع مُجمل العقَد التاريخية التي أثبتت فيها التجربة الحديثة في مراحل الأزمة السورية، غياب القدرة العربية على توفير عوامل الاحتواء، ومتمّمات الصياغة السياسية لملفات المنطقة، بمعزل عن الشراكة السورية في الدرجة الأولى، والدور المركزي الفاعل والمؤثر في ملفات وعناوين المنطقة الأساسية.
انطلاقاً مما تقدّم رسمت العودة السورية إلى جامعة الدول العربية الإطار العام للانتصار السياسي الذي بدأت ترجمته العملية مع بدايات الانفتاح العربي على سورية رغم الحصار الأميركي المستمرّ والفوضى العالمية نتيجة السقوط العربي في دوامة المراوحة السياسية وحتى العسكرية على أكثر من جبهة إقليمية، في ظلّ الانهيار الكامل لمجمل لرهانات العربية، السياسية وحتى العسكرية في الجغرافيا السورية، وهنا يجب التأكيد على العودة السورية «الغير مشروطة» إلى جامعة الدول العربية، أو حتى الملزمة بعناوين وطروحات سياسية وخيارات، فقدت أهليتها الاستراتيجية بفعل صمود سورية، في مراحل تثبيت الانتصار ودخول المنطقة من بوابة الاتفاق الصيني ـ السعودي ـ الإيراني، زمن «النظام العالمي الجديد»، على قاعدة (ما لم يستطع العالم «أخذه بالقوة» من سورية في جبهات المواجهة العسكرية، لن يؤخذ في السياسة)، عن طريق الانفتاح السياسي، أو حتى «العودة» التي لم تطلب أو تطالب بها سورية في مراحل «إعلان التحوّل» وإعداد «التسوية الكبرى»، التي تُحَدَّد من خلالها مساحات النفوذ العالمية، السياسية، العسكرية، الاقتصادية، وحتى النفطية، على الخارطة الإقليمية للنظام العالمي الجديد.