دولة فاشلة في حضرة القمة العربية!
} د. عدنان منصور*
أيّ مستوى من الدول، هذه الدولة اللبنانية التي تشارك في مؤتمر القمة العربية، والقاصي والداني في بلدانها يعرف مدى شفافية مسؤوليها، وخاصة حكامها وزعمائها، ومدى «رفعة» سلوكهم السياسي و»الأخلاقي» و»المهني»، وما فعلته مافيا الحكم بحقّ وطنها وشعبها، وسرقتها له، ونهبه في وضح النهار، وإفراغها خزينة الدولة؟!
بأيّ جرأة وثقة بالنفس تذهب الدولة الى القمة، وحاكم مصرفها المركزي يلاحَق من قبل الانتربول الدولي، فيما هي تتصرّف حيال القضاء الفرنسي بخفة معيبة لا حدود لها، واضعة في وجه القضاء الفرنسي العقبات تلو العقبات، في الوقت الذي يتذاكى من يتذاكى من «حماة» العدالة و»حراسها» ليضربوا الأصول والقواعد والأعراف، والاتفافيات الدولية، عرض الحائط، حتى وصلت المهزلة بهم حدّ أن يبلغوا قضاء دولة عريقة في الدستور والقانون، تعذر القضاء اللبناني تبليغ حاكم «الصندوق الأسود» المركزي، لعدم معرفة مكانه! على اعتبار انّ حاكم الصندوق الأسود، موجود في وكر من أوكار كوكب بعيد خارج كوكبنا الأرضي لا يعرف مكانه سوى الجن!
يا للعار على دولة تتعاطى بهذا الاستخفاف، والسلوك المعيب أمام العالم وكأنها تقول له: نحن حماة الصندوق الأسود وما يحوي في داخله من شيفرة وداتا الفساد والفاسدين والمفسدين في الدولة العميقة. فلا قانون ولا قرار ولا إجراء، ولا اتفاق يمرّ ويتمّ، دون رضانا وقبولنا ومباركتنا المسبقة له، قبل أن يطال القرار حاشيتنا وأفراد منظومتنا.
ما الذي سيقوله رئيس وزراء لبنان المستقيل في مؤتمر القمة؟! وما الذي سيطلبه منها؟! وهل من حجج منطقية شفافة دامغة لديه، وجرأة تستند الى ثقة الآخرين في القمة، ليقنع الزعماء العرب ويطلب منهم تأييداً، ومساعدة، وعوناً، ودعماً،
واستثماراً؟!
كيف سيجرؤ مسؤول لبناني رفيع، على مستوى رئيس حكومة مستقيل، وهو ركن من أركان الدولة الفاشلة، أن يقنع الزعماء العرب، ويبرّر بالمنطق والحقائق الدامغة كلّ ما يعانيه لبنان من إنحلال إداراته، ومن الفساد المستشري الذي نخر جسم الدولة العاجزة، وفشل الطبقة السياسية في إدارة البلاد، أن يحيّد نفسه، ويحيّد حكامه ومسؤوليه وتبرئتهم وتنزيههم عن انهيار البلد، وإفلاسه، وسرقة أموال المودعين، والتغاضي المتعمّد عن تهريب عشرات مليارات الدولارات الى الخارج، في ظلّ تحالف «خفي»، ضمّ حيتان مال من النافذين السياسيين والماليين، والمصرفيين، والقيّمين على العدالة، والذين قاموا بتطويق وترويض القضاء عن عمد وسابق إصرار؟! ومن الذي حال دون ملاحقة، ومحاكمة السارقين، الذين تضمّهم المافيا وصندوقها الأسود، والتي أصبحت ركناً أساسياً من أركان الدولة العميقة الحاكمة!
ما هذه الدولة العجيبة الغريبة التي تريد أن يثق العرب والعالم بها، ولو بالحدّ الأدنى، بأدائها وصدقيتها، وهي بأسلوبها الرخيص، وممارساتها القبيحة تعجز عن تبليغ مذكرة صادرة عن القضاء الفرنسي تتعلق بـ «أفضل»، و»أنزه»، و»أشرف» حاكم مركزي في العالم!
ترى، بأيّ صورة «ناصعة البياض»، وبأيّ صدقية وشفافية حكومية لبنانية، سيطلّ رئيس الحكومة المستقيل على قادة القمة العربية؟! وما الذي سيتمتم به بعد ذلك الزعماء العرب في داخل أنفسهم إزاء الطبقة الحاكمة، بعد أن يستمعوا إلى كلمة لبنان يلقيها واحد من «أباطرتها»!.
نذهب الى القمة العربية، ولبنان الذي اغتالته في وضح النهار أشرس مافيا لم تعرف الدول مثيلاً لها، فيما العرب والعالم سئموا وضجروا من سماع أخبار بلدنا المؤلمة، وسيرة زعمائه الحافلة بـ «الإنجازات العظيمة»، والخطابات «الطنانة الرنانة» لحكامه ومسؤوليه.
من سوء حظ مسؤولينا، أنّ القادة العرب يعرفون جيداً الصغيرة والكبيرة عن لبنان، وبالذات عن الذين نهبوه، ونهبوا شعبه.
لا عجب بعد ذلك، إنْ شعروا بالقرف والاشمئزاز من أداء مافيا الدولة العميقة فيه، وتفاقم فجورها الصارخ الذي طغى على البلاد والعباد.
مسكين لبنان، لا حول ولا قوة له. هو المريض في غرفة العناية الفائقة داخل قاعة مؤتمر القمة، حيث يبحث «مسؤولوه الغيارى» عليه، عن دواء يشفيه من مرضه، وهم الذين كانوا العلة الأساسية القاتلة، والسبب المباشر في ما وصل اليه الشعب اللبناني.
للقمة العربية نقول بكلّ صدق وشفافية وألم عميق، وهذا مطلب كلّ لبناني حرّ شريف عانى الأمرّين على يد الطبقة الفاجرة: انْ كنتم فعلاً تريدون مساعدة لبنان، فالأوْلى بكم أن تساعدونا على التخلص من منظومة المافيا المتوحشة، التي أكلت الأخضر واليابس، قبل أن تنتهي من هدم البيت اللبناني كاملاً على رؤوس مواطنيه!
*وزير الخارجية والمغتربين الأسبق.