حمص… الخروج الآمن أم الدخول الآمن؟!

عامر نعيم الياس

اتفق «ممثلون عن المعارضة المسلّحة» والدولة السورية على انسحاب المسلّحين من حمص القديمة. وبحسب مصدر في «الائتلاف» لوكالة فرانس برس، فإن الاتفاق ينصّ على «خروج المسلّحين يبلغ عددهم وعائلاتهم 2250 شخصاً مع عائلاتهم وبسلاحهم الفردي وحقائب السفر بوساطة حافلات ترافقها الشرطة السورية، نحو ريف حمص الشمالي»، ولا يبدأ تنفيذ الاتفاق إلا «بعد الإفراج عن الأسرى المحتجزين لدى الجبهة الإسلامية والسماح بدخول المواد الإغاثية إلى مدينتي نبّل والزهراء المحاصرتين في ريف حلب».

من سيخرج من حمص؟ هل هذا الاستعجال ناتج عن وجود ما قالت عنه التسريبات عن ضباط استخبارات من السعودية وفرنسا مروراً بـ«إسرائيل» وتركيا؟ على فرض كان الأمر على ما ذكرته الشائعات، هل خرج محتلو حمص القديمة خروجاً آمناً، أم أن الخروج الآمن الذي يتبجح به الإعلام الغربي هو تورية لدخول آمن للطرف المقابل؟

«وول ستريت جورنال» الأميركية وصّفت ما يجري في حمص حرفياً بالتالي: «توصل المتمرّدون والحكومة السورية إلى وقف لإطلاق النار في حمص، ما قد يسمح للمسلحين بممر آمن للخروج من هذه المدينة الاستراتيجية نحو مناطق أخرى يسيطر عليها المتمرّدون، وبالتالي عودة المدينة إلى سيطرة الحكومة… هذا الاتفاق سيشكل نصراً للنظام».

في ضوء ذلك هل نحن أمام مبادلة الخروج للإرهابيين بانتصار النظام في عاصمة الانقلاب على الدولة السورية؟ في سياق الإجابة عن مجمل علامات الاستفهام لا بدّ من الإضاءة على التالي:

ـ الانسحاب المأمول الذي روّجت له الصحافة الغربية في معرض ترويجها أو تبريرها بالأصح للاتفاق حول حمص، هو انسحاب نحو مناطق مكشوفة لا تشكل عمقاً معقداً كذلك المتوفر في مدينة حمص القديمة تحديداً، ولذلك يمكن توصيف «الانسحاب الآمن» بـ«الموقت» في وضعية اتفاق حمص.

ـ الخروج من حمص وسّع مفهوم التفاوض الذي تتبعه الدولة السورية منذ فترة إلى مناطق أخرى ليشمل، في حالة حمص تحديداً، وللمرة الأولى، ملف بلدتي نبّل والزهراء المحاصرتين في ريف حلب، أمر سيساهم في دعم مقومات الصمود في ريف حلب بالتوازي مع السيطرة الكاملة على مدينة حمص.

ـ حمص هي «عاصمة الثورة»، وبالتالي فإن الانسحاب منها يشكل ضربة سياسية ومعنوية كبيرة لجمهور استلب تماماً بمصطلحات منسقة أطلقتها غرف العمليات الإعلامية في واشنطن ولندن وباريس، وهنا فإن الانسحاب «الآمن» ليس بمستوى هذه الخسارة الكبرى التي عبّرت عنها «ليبراسيون» الفرنسية بالقول: «قبل شهر من الانتخابات الرئاسية، يشكل اتفاق حمص نجاحاً عسكرياً لبشار الأسد».

ـ بالعودة إلى هوية من سيخرج من حمص، فإن الأهمية الاستراتيجية لاسترجاع وسط سورية بشكل كامل والسيطرة التامة على كامل العقد الحيوية لخطوط النقل والإمداد على مختلف أنواعه وفئاته في سورية، من دون أن يتعرّض الجيش العربي السوري وقوات الدفاع الوطني والقوات المتحالفة معهما إلى دفع فاتورة خسائر بشرية باهظة لدخول زواريب المدينة القديمة والسيطرة على ما فوق الأرض وتحت الأرض فيها، هذان الأمران يجعلان الحديث عن هوية الموجودين في حمص غير ذي قيمة، خصوصاً أن الخروج من حمص ومن أي مكان في سورية نحو مناطق أخرى داخل البلاد، هو خروج موقت تمهيداً لواحد من احتمالين: الأول، التطبيق الدقيق لمصطلح «الخروج الآمن» أي الخروج الدائم خارج أراضي الجمهورية العربية السورية. أما الثاني فمواجهة مصير من أصرّ على مواجهة الجيش السوري.

إذاً، نحن هنا في مواجهة دخول آمن للقوات المسلحة السورية إلى عاصمة الانقلاب على وحدة سورية، دخول من دون خسائر يدفن البروباغاندا الغربية في «عاصمتها» بشكل نهائي، فيما ينسحب من انسحب من حمص انسحاباً آمناً موقتاً ليس إلا.

كاتب سوري.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى