أدرينالين «العبور»: حلقة تفوق الإعلام المقاوم
لا يستطيع أحد الفصل بين السياق السجالي الذي ارتفع منسوبه بين المقاومة وكيان الاحتلال، وبين مناورة العبور التي بادرت إليها وحدة العلاقات الإعلامية في حزب الله بالتنسيق مع قيادة المقاومة العسكرية ودعت إلى حضورها بالتنسيق مع اللقاء الإعلامي الوطني حشداً إعلامياً لبنانياً وأجنبياً، كإحياء غير تقليدي لمناسبة عيد التحرير والمقاومة، لأن لا أحد يستطيع قراءة الهستيريا التي أصابت قادة الكيان وخروجهم بمواقف ترفع سخونة الموقف، إلا في ضوء هذه المناورة.
هذا الحدث الإعلامي هو بالضبط ما يمكن توصيفه بالحالات النادرة التي ينجح فيها الإعلام بصناعة الخبر لا مجرد نقله، وهو تعبير عن ابتكار تحفظ حقوقه لعقل المسؤول الإعلامي في حزب الله الحاج محمد عفيف، الذي يجمع في عقله مقتضيات العمل المقاوم والعمل الإعلامي، وعرف كيف يردم الفجوة بين الإعلام المقاوم والإعلام المعادي للمقاومة بفارق الإمكانات الهائلة التي يمتلكها أعداء المقاومة عبر هيمنتهم على الساحة الإعلامية التقليدية مالياً، وامتلاكهم أدوات قانونية غير مشروعة لقمع الإعلام في أغلب بلدان الغرب ومنع البث عبر الأقمار الصناعية لكل صوت مؤيد للمقاومة، فنقلهم الحاج محمد عفيف في المنازلة إلى المسرح الذي تتفوّق فيه المقاومة وإعلامها، عبر البحث عن فكرة تشكل نقطة تقاطع بين مقتضيات الحرب الإعلامية واللحظة التكتيكية لمعارك المقاومة، ويقتحم بها كل الإعلام المؤيد والمعادي، فتنتقل الصور والتعليقات والتحليلات على مساحة العالم.
عقد إعلام حزب الله صفقة رابح رابح مع كل من المقاومة والإعلاميين، فقام بتصنيع منصة تتيح للمقاومة تظهير رسائلها ومعادلاتها الجديدة بمناسبة عيد التحرير، وتتيح للإعلاميين التعامل مع خبر يصلح ليكون خبراً أول في نشرات التلفزيونات والصحف والمواقع الإلكترونية، وذكاء التوقيت في الحروب نصف صناعة النصر، كما نقول دائماً. وذكاء التوقيت هنا هو أن المقاومة نقلت معادلة العبور من كونها فرضية واحتمالية تمثل واحدة من مفردات الردع الاستراتيجي بوجه جيش الاحتلال، إلى مرتبة تشكيل بيضة القبان في معادلات الردع، بعدما بدأ الاحتلال يدير نقاشاً من وحي معركة غزة الأخيرة، عنوانه التأقلم مع الثمن الأمني المناسب الواجب دفعه لقاء امتلاك المبادرة في خوض المعركة بين حروب، ونقلها عبر الساحات، رداً على وحدة الساحات، فتنقل المقاومة عبر مناورة العبور، معادلة الثمن من تهديد أمن الكيان الى تهديد وجود الكيان وحدوده، عبر مفردة العبور، وتنقل التهديد من مستواه التكتيكي الى المستوى الاستراتيجي، وهذا الهدف أدّته مناورة العبور بامتياز وتفوق وجدارة، كما تظهر المكانة التي احتلتها إعلامياً ومضمون النقاش الذي فتحته.
نال الإعلام كعكة مميزة للعيد، فصنع الإعلاميون اللبنانيون والأجانب الخبر الأول، وخبر الصفحة الأولى، بمشاركتهم في المناورة، وهي مشاركة تعدّت حدود الحضور، فمن لم يشارك في المناورة وليس بحضورها فقط، كما يعتقد البعيدون، لا يستطيع إدراك دور احتشاد الإعلاميين على مسافة صفر من المقاومين في جعل الإعلاميين منتمين عضوياً وجسدياً لصناعة مشهدية المناورة، بفعل الجو النفسي والعاطفي والمؤثرات الحية المرافقة من أصوات الانفجارات وأزيز رصاصات القنص، والقلق من مخاطر انحراف الرصاصات عن مسارها بضعة مليمترات، أو انحراف القذائف والصواريخ عن السمت الدقيق لإطلاقها درجة أو درجتين، أو تصادم المركبات والدراجات المشاركة في خطأ حسابيّ ممكن، ومع كل ذلك رائحة البارود وعبق الغبار والضباب والدخان واللهيب، وسرعة الإيقاع مع تعدّد مشهدي متنقل بسرعة على عدة جوانب من المسرح بما هو أقرب لمشاهدة عدة شاشات دفعة واحدة لا يمكن للعين التقاطها معاً، دون تفويت عدد من التفاصيل، وما يرافق كل هذا الاحتشاد من عناصر استنزاف الحواس حتى الإرهاق، حيث الشمس تحرق الجلد على الناعم دون الإحساس بذلك مع هواء ناعم لطيف يخفف الإحساس بالاحتراق البطيء، والغبار يملأ الفم ويغطي اللسان وطعم البارود ورائحته بين الفم والأنف، والأذن مضغوطة بتلاحق أصوات الرصاص والانفجارات وصيحات المدربين والمقاومين، والعين في ذهول قد استسلمت لتسارع إيقاع المشاهد وجمالية حركة مئات الأجساد المنحوتة من صخر الجبال، تؤدي أمامنا على مسرح الواقع مشهدية تاريخية حية مليئة بتعبيرات رقصة الحرب على إيقاع سرعة موسيقية بالنار والرصاص، يرافقها تبدل الألوان والوجوه وضجيج حركة الآليات.
لهاث قادة الكيان في محاولة اللحاق، رافقه أدرينالين الدهشة في حالة الإعلاميين، ليتحقق بفعل الإثنين نجاح استثنائي للإعلام المقاوم، فيسدد ضربة موفقة في مرمى أعداء المقاومة، ويسبقهم بأكثر من خطوة.
الإعلام الحديث سباق الحواس، معادلة أدركها الإعلام المقاوم. تحية مستحقة للحاج محمد عفيف.
التعليق السياسي