أردوغان والملفات الإقليمية بعد فوزه بالاتتخابات الرئاسية
} د. حسن مرهج
حقيقة الأمر، وتعقيباً على فوز رجب طيب أردوغان، في الانتخابات الرئاسية التركية، فإنه لا يمكن لأيّ قارئ في السياسة، أن يُنكر قدرة أردوغان على التماهي مع جملة المتغيّرات والمعطيات الإقليمية والدولية، حتى بات رقماً صعباً في عملية التوازنات، وبات طرفاً في أيّ معادلة إقليمية أو دولية، ولا نُجافي الحقيقة إنْ قلنا بأنّ أردوغان تحتاجه سياسياً غالبية القوى الإقليمية الفاعلة والمؤثرة في عديد الملفات الشرق أوسطية، وكذا القوى الدولية والتي ترى في أردوغان، عاملاً مؤثراً في تحقيق معادلات استراتيجية، لا سيما في الملف الأوكراني، الأكثر جدلاً بين روسيا والغرب عموماً.
المسار الانتخابي في تركيا، كان بلا شكّ نموذجاً ديمقراطياً مهماً، وبعد نجاح رجب طيب أردوغان، ثمة ملفات متعددة سيتمّ استئناف العمل بها، سواء في سورية أو العراق، ووصولاً إلى أوكرانيا، وغيرها من الملفات الضاغطة إقليمياً ودولياً، وهنا لا نُمجّد أردوغان، ولا ننسى دوره في الحرب على سورية، لكن السياسة المتغيّرة تفترض قراءات متغيّرة، لا سيما أنّ الواقعية السياسية اليوم، تفرض علينا كمحللين الغوص عميقاً في مسار التحليل السياسي للاستراتيجيات التركية الجديدة، ونأمل أن يكون إعادة انتخاب أردوغان، عاملاً مؤثراً في المزيد من عمليات تبريد ملفات المنطقة.
بداية يمكن القول، بأنّ فوز أردوغان، لا يُزعج السيد الأميركي، الذي يرى في أردوغان ضرورة استراتيجية لحلحلة ملفات المنطقة، ووفق المنظور الأميركي فإنّ أردوغان يُعدّ خياراً جيداً في عملية التسويات المتسارعة في المنطقة، وترى واشنطن أنّ لـ أردوغان دوراً قد يكون مهماً في عملية التسوية الأوكرانية، وإيجاد مخارج لتلك الحرب، التي أرهقت الغرب والإدارة الأميركية، نظراً لعلاقات أردوغان الوطيدة مع موسكو، وكذلك فإنّ أردوغان تربطه علاقات مميّزة مع زيلنسكي، والأهمّ أنّ أردوغان من خلال ذلك، قد حجز مقعداً ضمن فريق التسويات الدولي، ولا ضير من تفعيل دوره المؤثر، ومقايضة هذا الدور بورقة هنا أو هناك.
على صعيد أخر، فإنّ روسيا وإيران والصين، هم أيضاً بحاجة لدور تركي مساعد في الشرق الأوسط، وهنا لن نتحدث عن موقع تركيا الجيواستراتيجي، بقدر ما يهمّنا حالياً، الحديث عن عنصر التوازن التركي ما بين طهران وموسكو وبكين، لا سيما أنّ العواصم الثلاث تنظر إلى تركيا، كـ نقطة وصل بين الشرق والغرب، كما أنّ البُعد الاقتصادي الذي يجمع تلك العواصم وأنقرة، يُعدّ عاملاً مؤثراً في توازنات هي أبعد من السياسة، وتكاد تكون معادلة توازن تُحقق الإستقرار بمعناه الجيو استراتيجي العميق.
واقع الحال يؤكد بأنّ تركيا الأطلسية قد لا تروق لـ إيران وروسيا والصين، لكن ترى تلك الدول، أنّ إمكانية تطويق أردوغان ممكنة، في ظلّ الحديث عن المصالح والامتيازات التي ستُقدّم له، كمقايضة سياسية في ملفات أُخرى، والواضح أنّ أنقرة وإنْ كانت تُقدّم مساعدات عسكرية لأوكرانيا، إلا أنها بذات التوقيت، لم تتماهَ مع العقوبات الغربية والأميركية ضدّ روسيا، وإيران أيضاً ترى أنه وبالرغم من محاولات تركيا تعطيل عملية الحلّ السياسي في سورية، إلا أنّ تركيا تمثل لإيران زاوية التفاف على سلاح العقوبات الغربية والأميركية ضدّها، أما الصين فإنها ترى في تركيا معبراً اقتصادياً ورافداً يمكن الاستفادة منها، لتأمين أسواق جديدة، وبناء معادلات اقتصادية ضاغطة على الولايات المتحدة.
مسارعة غالبية القوى الإقليمية والدولية لتهنئة رجب طيب أردوغان، بعد فوزه في الانتخابات الرئاسية، فإنّ ذلك يُعدّ مؤشراً بارز الأهمية، على حاجة الجميع لأردوغان، فالأخير أثبت قدرته على تلبية كافة المصالح ضمن صفقات سياسية، وأثبت أيضاً قدرته على المراوغة السياسية للوصول إلى مصالحه، وأيضاً تمكن من اللعب على وتر التناقضات بين كافة القوى المتصارعة إقليمياً ودولياً، وبالتالي نحن لا نمدح أردوغان إنْ قلنا إنّ الجميع بحاجته، لكن نأمل أن تكون إعادة انتخاب أردوغان عامل استقرار في المنطقة، وألا يكون عامل توتر، خاصة بعد ضمانه البقاء في زعامة تركيا الدولة الأهمّ في عامل التوازنات الإقليمية والدولية.
ختاماً، قد يكون من المبكر وضع تصوّرات حيال سياسات أردوغان المقبلة، وبصرف النظر عن خطاب النصر الذي ألقاه أردوغان بعد فوزه، والذي تضمّن دعوة الأتراك إلى «الوحدة والتضامن»، وتعهّد أيضاً بعودة مليون لاجئ سوري إضافي إلى بلادهم، وبناء اقتصاد قوي، وعدم رغبته بإطلاق سراح صلاح الدين دمرداش، الزعيم السابق لحزب مؤيد للأكراد، كلّ ذلك يبقى في إطار الداخل التركي، لكن يبقى التعويل على شكل ومضمون سياسات أردوغان الجديدة، عربياً وإقليمياً ودولياً، ويبقى الأهمّ في كلّ ذلك، عملية إعادة التطبيع مع دمشق، وإمكانية عقد لقاء ثلاثي على مستوى القمة، مع رؤساء روسيا وسورية، في موسكو، بحسب تصريحات لوزير الخارجية التركي. وبذلك فقط، نستطيع القول بأنّ أردوغان عاد الى سياسة صفر مشاكل، إنطلاقاً من سورية إلى عموم الشرق الأوسط، وها نحن بالانتظار…