ليلة العبور إلى نيتسانا
شوقي عواضة
عند الرّابعة من فجر الرّابع من حزيران كان الجنديُّ المصريُّ محمد صلاح إبراهيم على موعدٍ مع رفاق الدّرب السّابقين، يستحضر صور من قضوا ومن خطّوا صفحات العزّ والمجد للأمّة من الجندي الشّهيد سليمان خاطر والجنديّ المقاوم أيمن حسن وقوافل الجنود العابرين للقناة. قبل بزوغ الفجر وقف محمد رافعاً يديه نحو السّماء، إذ دمدم ببعض الكلمات ومضى. ارتدى بزّة عرسه الأجمل… كحّل عينيه بتراب سيناء وتعطّر بندى فجرها المصريّ… صوّب نظره نحو القدس وألقى التّحية والسّلام وبدأ يسابق الزّمن قاطعاً مسافة خمسة كيلومترات مشياً ليصل إلى إحدى معابر الطّوارئ التي يعتمدها العدوّ كمداخلَ للعبور إلى سيناء…
فتح ثغرةً في المعبر بسكينه الحربيّ وقطع مئة وخمسين متراً عابراً الحدود نحو فلسطين ليصل إلى مركز اللّواء الإقليميّ فاران والفرقة 80 متّخذاً وضعاً قتاليّاً موجّهاً طلقاته نحو حرس الحدود فقتل الجنديين الرّقيب الأوّل أوري يتسحاق إيلوز والمجنّدة ليا بن نون من مشاة كتيبة الفهد….
أكمل الجنديّ المقاوم طريقه ليتمركز في منطقة مطلّةٍ على موقع الحراسة في نيتسانا حصّن نفسه وكمن بانتظار وصول قوّات النّخبة والدّعم. وصل محمد مسجّلاً أوّل انتصارٍ قبل شروق شمس نكسة الخامس من حزيران وجلس في كمينه منتظراً. خمس ساعات مرّت حتى تمّ اكتشاف العمليّة التي أعلنت مصادر العدوّ الإعلامية خلالها عن حدثٍ أمنيٍّ كبيرٍ، ولاحقاً عن ( اشتباكاتٍ) على معبر نيتسانا الحدوديّ مع مجموعاتٍ مسلّحةٍ من المهرّبين. ومع وصول قوّةٍ من كتيبة الفهد فتح الجنديّ محمد صلاح اشتباكاً معها أسفر عن مقتل الجندي أوهاد دهان من نفس الكتيبة وإصابة ضابط آخر. وعلى أثر ذلك استدعت وزارة الحرب في كيان العدوّ المزيد من القوّات وفي مقدّمتها قوّات من وحدة اليمام والعمليّات الخاصّة إضافة إلى تدخّل سلاح الجوّ للقيام بعمليّات مسحٍ والمروحيّات والطّائرات المُسيّرة التي كشفت مكان تواجد الجنديّ محمد صلاح الذي خاض حرباً بنفسه ضدّ جيشٍ من النّخب. كلّ ما جرى في تلك العمليّة يحمل العديد من المؤشّرات المبنية على العقل والاستنتاج من أرض المعركة وباعتراف العدو وفقاً لما يلي:
1 ـ أكّدتِ العمليّةُ على عدم شرعيّة وجود الكيان الصّهيونيّ الذي لن تحميه أو تشرعن وجوده اتفاقيّات كامب ديفيد ووادي عرباه وغيرها من اتفاقيّات الذّلّ.
2 ـ إنّ فلسطين حاضرةً في وجدان الشّباب العربيّ في مصر وكلّ العالم وإنّ عامل الزّمن لم ولن يُسقِط مظلوميّة الشّعب الفلسطينيّ وحقّه بتحرير كامل فلسطين.
3 ـ إنّ عمليّة نيتسانا كشفت مرّةً جديدةً عن هشاشة قوّة (الجيش الذي لا يُهزم) الذي خاض حرباً صغيرةً ضدّ جنديٍّ في الجيش المصريّ.
4 ـ ماذا لو تكرّرتِ العمليّةُ على عدّة جبهاتٍ وكيف سيواجه الكيان الصّهيونيّ المؤقّت تعدّد الجبهات في المواجهة المقبلة.
كلّ تلك الأسئلة طرحها إعلام العدوّ في أعقاب العمليّة البطوليّة التي نفّذها الشّهيد محمد صلاح إبراهيم مسلّطاً الضّوء على (معبر الطّوارئ) أو ما أسماه (السّاعة الرّمليّة) التي استطاع الشّهيد محمد صلاح من خلالها العبور إلى فلسطين.
أوّل المعلّقين كان الصّحافي الصّهيوني أمير أبو خبوط الذي قال إنّ نجاح الجنديّ المصريّ في اجتياز الحدود دون أن يشعر به أحدٌ كان من خلال ما يُعرف بالسّاعة الرّمليّة ليقاسمه الرأي مراسل القناة 12 نمير دفوري بقوله إنّ المنفّذ دخل من معبرٍ لوجستيٍّ سريٍّ في السياج الحدودي لا يعلم بوجوده أحد في حين طرحت مراسلة «إسرائيل اليوم» ليلاخ شوفال سؤالاً على وزارة الحرب يقول كيف سيتعامل الجيش الإسرائيليّ مع نقطة الضّعف في ممرات الطّوارئ (السّاعة الرّمليّة) المعروفة أيضاً للجيش المصريّ بعد الهجوم على الحدود مع سيناء؟
وفي ذات السّياق أجري استطلاع قبل أشهرٍ خلص إلى أنّ منفّذ هجوم مجدو نجح في اجتياز الشّريط الحدوديّ مع لبنان دون أن يشعر به أحد، حينها تحفّظ الجيش الاسرائيليّ عن نشر أيّة تفاصيلَ تشير إلى كيفية نجاح منفّذ هجوم مجدو من الدّخول إلى البلاد.
فهل ستشهد المرحلة المقلة اختراقاً للحدود الإسرائيليّة من غزّة في حال اكتشفت فصائل المقاومة (السّاعة الرّمليّة) معابر الطّوارئ الموجودة في السّياج الحدوديّ؟ وكيف سيتعامل قادة العدوّ مع مواجهات الدّاخل والخارج إذا ما فُتِحت جبهاتٌ جديدةٌ اسمها حرب المعابر؟
ثمّة استنتاج منطقيّ يُجمِع عليه كبار الباحثينَ والمحلّلين الاستراتيجيّين داخل الكيان وخارجه يقول إنّ القبّة الحديديّة التي عجزت عن حماية قطعان مستوطنيه في غلاف غزّة والدّاخل من صواريخ المقاومة بجيشها التائه والمشتّت في شوارع الضّفة وبمنظومتها الأمنيّة العاجزة عن الحدّ من عمليّات الذّئب المنفرد التي هشّمت صورته وأثبتت فشلها في حمايته لن تحميه اتفاقيّات (السّلام) التي أسقطها الشّهيد محمد صلاح إبراهيم ببضع طلقاتٍ موقّعاً بنجيعه على ميثاق تحرير فلسطين من النّهر إلى البحر.