الوعي العصيّ على الصَّهر وليد دقة أنموذج اليوم
} صادق القضماني
أخفقت مؤسّسات التخطيط والتحليل الاستراتيجي داخل الكيان الصهيوني في قراءة عقل أصحاب الأرض والحق، كونها مؤسسات تعتمد وضع الاستراتيجيات من خلال رواية الحركة الصهيونية التي اعتمدت تزوير الحقائق لبناء واقع يتماثل مع مشروعها الاستعماري، فأغفلت ركناً أساساً، وربما استهترت في تقييمه (هذه ذهنية الاستعمار الفوقية) وهذا الركن هو الوعي. والوعي التراكمي العقائدي يضع أصحابه أمام واجب النضال من أجله. وفي كافة الظروف، فإنه جوهر الصمود والثبات والنضال من أجل تثبيت الحق.
من هذا المنطلق فإنّ حركة الأسرى داخل معتقلات العدو الصهيوني أصبحت أنموذج انتصار في معركتها مع إدارة ما يسمّى “مصلحة السجون” التابعة لوزارة الأمن الداخلي. وأكدت حركة الأسرى من خلال نضالها ووعيها بأنها غير قابلة للانصهار، وسجلت فشلاً استراتيجياً لهذه المؤسسة الصهيونية ومن خلفها لأصحاب القرار في شؤون الأسرى الفلسطينيين.
الأسير الأنموذج وليد دقة الذي يقبع في السجن منذ 37 سنة، ويمرّ الآن بظرف صحي دقيق وخطير. اقتباس “في خاتمة دراسته الاستثنائية حول (صهر الوعي أو إعادة تعريف التعذيب) كما أسماها يثبت دقة ما يؤشر لطموح الصهاينة في السيطرة على الأسرى عبر صياغة/ صهر وعيهم، إذ ينقل عن يعقوب جنوت مدير مصلحة السجون آنذاك، ما يقوله لجدعون عزرا وزير الأمن الداخلي في العام 2006 وعلى مسمع الأسرى عندما زار سجن جلبوع: (إطمئن… عليك أن تكون واثقاً بأنني سأجعلهم (الأسرى) يرفعون العلم الإسرائيلي وينشدون التكفا).
إلا أنّ النتائج جاءت بالإجمال عكس حساباتهم، فالأسرى لم ينشدوا “النشيد الصهيوني”، ولم يرفعوا علم الصهاينة، بل على العكس، منذ العام 2006 تصاعدت نضالاتهم الجماعية والفردية لمستويات قياسية.
عام 2006 الذي شنّ فيه الكيان الصهيوني أيضاً عدواناً على لبنان بهدف تدمير المقاومة وصهر الوعي التراكمي لإنجازات المقاومة، كانت نتائجها أيضاً كارثية على الكيان ومستوطنيه، فتزامنت النتائج مع فشل أحلام (يعقوب جانوت) لتفشل قراءات العقل المخطط في الكيان.
إقتباس “كلّ العادة، الحياة لا تسير وفق مسطرة الأكاديميين الباحثين وتحليلات العاملين لدى أجهزة الاستخبارات، فما يعجزون عن إدراكه، وما تعجز عن قياسه (أدوات القياس المنهجية) المقدسة لديهم، هو الإرادة المتسلحة بوعي عقائدي وطني متجذر، وهو ما تناوله الأسير وليد دقة في دراسته ولم يهمله.
وليد دقة في صموده ونشاطه الفكري، الرصين علمياً، الفاضح لسياسات مديرية السجون، وكتاباته الأدبية الهادفة الموجهة لليافعين، وتحدّيه لمرضه القاتل بصلابة وروح إنسانية تعانق إنسانية زوجته سناء وابنته ميلاد، شكّل أنموذجاً لذاك الوعي العقائدي الوطني المتجذر. حتى زواجه في الأسر وولادة ميلاد بتلك الطريقة فيه من الرمزية ما فيه. مَنْ راهن على أنّ الأسير سينشد (التكفا) ويرفع علم الصهاينة ها هو يرتبط برفيقة شبك الزيارة عبر سنوات طويلة وهو أسير، وينجب بنطفة مهرّبة في إصرار، شأن غيره، على أن يحيا إنسانية الإنجاب ومداعبة الطفل رغم أنف الصهاينة ورغماً عن تقييدات الزيارة.»
وليد دقة الأسير القائد والمفكر الموجه، الشهيد الحي على ممارسات إدارة السجون الصهيونية عبر عقود، أنموذج في معركة الوعي مقابل كي الوعي، وأثبت كأنموذج يعبّر عن إرادة الأسرى داخل المعتقلات وكذهنية جمعية للشعب الفلسطيني بأنّ وعيهم التراكمي عصي على الصهرِ، وأنّ الكيان الغاصب رغم أنه فعلَ كلّ ما يستطيع لاحتلال الأدمغة والسيطرة عليها قد فشل، وسيستمرّ فشله في تحقيق أيّ نتائج في معركة الوجود المبنية على الوعي. ومن يمتلك مصداقية الحقيقة التي تتطوّر بالتراكمات والنضالات لحين المعركة الكبرى التي ستحرّر الأرض والإنسان.
*أسير جولاني محرر