الرئيس الأسد… وترسيخ مفهوم الذات في منتج الصمود
خالد العبّود
أمين سرّ مجلس الشعب السوري
اللحظة السياسية الراهنة على مستوى الحدث السوري هي التي سوف تتحكم في نتائج الانتخابات الرئاسية السورية، ونعني باللحظة السياسية هنا لحظة المنتج أو المنجز التي وصل إليه المشهد السوري، ولكن هذه اللحظة لا يمكن أن تكون مقتطعة من سياق كامل ومتراكم بشكل حاد وساخن، بتناقضاته وتجانساته كافة، كون هذه اللحظة تختزن هذا المتراكم وتختزله، كي تعبّر أخيراً عن ناتج واضح وجلي، ونحن على أبواب نهاية معركة لم يرَ التاريخ مثيلاً لها على الإطلاق.
لهذا نستطيع القول إن نتيجة المعركة هــي التي سوف تحدّد معالم العناوين الأساسية لانتخابــات الرئاسة في الوطن السوري، باعتبار أنّ نتائــج هذه الانتخابات لن تكون معزولة عن سياق هذا المشهد، ولن تكون بعيدة عن محطات وعناوين مهمّة حكمته وأسّســت له، لأنّ تراكم الحوادث وتسارعها بالشكل الذي جاءت عليه، لم تسمح بإمرار أو تزوير وقائع رسّختها وكرّستهــا «صيرورة» الحوادث، والتحوّلات الكبيرة التي حصلت على مستوى العناوين التي تمّ الاشتغال عليها من جميع الأطراف.
إنّ المشهد الرئيسي الأول للعدوان كان يقوم على فرضية تقدم «تيار شعبي» ضخم وكبير يؤسّس لحالـة رافضة في وجه «الفريق السياسي» الذي يقود الدولة السورية، كي تتقدم على هذا الأساس قوى وواجهات سياسيـة تستفيد من طبيعة هذا الصاعد، وتترجم أخيراً رغبة هذا «التيار» في إسقاط مشروع الدولة، وهذا يعني إسقاط الفريق ذاته الذي يقود هذه الدولــة، الأمر الذي سوف يؤسّس لخريطة سياسية تفضي إلى مشهد قوى سياسية طاردة لقوى سياسية أخرى، أيّ أنّ «الفريق السياسي» الذي يقود الدولة السورية سوف ينزاح كي يحلّ بدلاً منه «فريق» صاعد جديد، وهذا بحدّ ذاته سوف يؤسّس للحظة سياسية خاطفة وقائمة على أساس «إسقاط النظام»، عندئذٍ يمكن أن تستغلّ هذه اللحظة في إعادة إنتاج الدولة.
هنا يمكن القول، إنّ لحظة إعادة إنتاج الدولة سوف تحكمها خريطة سياسية جديدة لا تعبّر عن المشهد الحقيقي للقوى السياسية المجتمعية في الوطن السوري، غير أنها سوف تستغله في ظلّ إرباك ساخن وحادّ على المستويات كافة. هذا الإرباك، إضافة إلى الازدحام الشديد في تراكم الحوادث اللحظية التي لن تحكمها واقعية سياسية، سوف يخلقان مناخاً أساسياً لإنتاج المعادل السياسي الصاعد الجديد، والذي سوف يدفع بدوره بأسماء وقوى محمولة على الناتج الافتراضي للعدوان.
هكذا فكّر العدو، وعلى أساسه تقدمت شخصيات وتشكلت «قوى» تريد الإفادة من هذا الناتج المفترض للعدوان، كما نشأت تحالفات عدة على هذا الأساس وتوزّعت أدوار ووظائف عدة كي تعبّر عن هذه اللحظة المرجوّة، غير أنّ هذه اللحظة لم تأتِ ولم تتشكل، وهذا ما جعل هذه «القوى» التي تشكلت تعاني ما تعانيه من انقسامات وانشقاقات والبحث عن تحالفات تمنحها إمكانات جديدة في مواجهة الدولة ذاتها، حتى وصل الأمر إلى إنجاز تحالفات تحاكي عناوين محرّمة على مستوى الوجدان الجمعي لدى السوريين، ونعني تحديداً التحالفات التي نشأت مع العدو الصهيوني ذاته!
«الناتج الافتراضي» للعدوان كان يؤسّس لخريطة قوى، بالتالي لخريطة سياسية جديدة على مستوى الداخل السوري، غير أنّ هذا الناتج لم يكن، ولم يمرّ، وإنما نشأ ناتج جديد مغاير تماماً لم يكن في حسبان أطراف العدوان، إذ إنّ الدولة لم تسقط، والفريق الوطني الذي قاد الدولة في مواجهة هذا العدوان ظلّ صامداً، وتجلّى المشهد في رئيسياته الأساسية على أنّه محاولة استعمارية لتفكيك الدولة وتذريرها وشرذمتها، وهو الأمر الذي أضحى جلياً جداً، وواضحاً لملايين السوريين.
الدولة تصمد، والفريق الوطني الذي قاد هذا الصمود يثبت جدارته مجدداً، متمثلاً ومختزلاً برأس هذا الفريق، ونعني به السيد الرئيس بشار الأسد، فالمعركة في إحدى رئيسياتها كانت تستهدفه شخصياً، وهذا بحدّ ذاته جعله يتقدم أكثر على مستوى خريطة الوطن، ويتجاوز المعنى السياسي الضيّق لدوره كرئيس للدولة، أو حاكم لها، باعتبار أنّ قيادته للمعركة جعلته يتجاوز هذه المعاني، كي تنشأ مفاهيم وعناوين أخرى أكثر تأثيراً واتساعاً لدى السوريين، جميع السوريين، حتى أولئك الذين أُخذوا في لحظة معينة وكانوا في الصفوف الأخرى.
من هنا يمكننا القول بأنّ ناتج الدور الذي لعبه الرئيس بشار الأسد، من خلال مواجهته هذا العدوان، وصموده في وجهه، باعتبار أنّه خاض المعركة قائداً لها، وكان هو بحدّ ذاته أحد أهمّ أهداف العدوان الرئيسية، وباعتبار أنّ ناتج المعركة جاء لمصلحته، هذا كله أمّن له أدوات جديدة، جعلته القامة الأولى لدى غالبية السوريين، فقد تحوّل ناتج الدور الذي لعبه، وناتج الصمود المذهل له، إلى معنى فريد من معاني ترسيخ مفهوم الذات في منتج الصمود وردّ العدوان.