ويبقى لمجلة «الهلال» فضل الريادة…
} سارة السهيل
ساهمت المجلات العربية العريقة في إثراء المشهد الثقافي العربي وتغذية القارئ بكلّ ما يحتاجه من إبداع فكري وفني وأدبي وجمالي، كما ساهمت في ربط القارئ العربي بتاريخه القديم والحديث ووصلته بأبرز المعطيات العلمية والسياسية بالمنطقة وتأثيرها عليه كمواطن أصيل فيها، ومنها مجلتا «الهلال» المصرية ومجلة «العربي» الكويتية.
ومع تعاظم دور مجلة العربي بكلّ تقنياتها وإمكانياتها المادية، فإنّ دور الريادة دائماً ينطلق من مصر المحروسة، فكان لمجلة «الهلال» المصرية التي أسّسها الكاتب اللبناني جرجي زيدان عام 1892 الركيزة الأساسية والرائدة في تثقيف القارئ العربي، فهي أقدم مجلة ثقافية فى العالم العربى، وتعدّ الوحيدة التى تصدر بصفة منتظمة منذ أكثر من مائة سنة، وكانت رائدة فى تحديث الفكر العربى وربط ثقافة مصر بالخليج وبلاد الشام والمغرب العربي وبالعالم كله.
ولا تزال «الهلال» منفردة من بين المجلات العربية في الصدور بلا انقطاع منذ 127 عاماً، وكان صدور عددها الأول بعد مرور عشرة سنوات على هزيمة الثورة العرابية والاحتلال البريطانى لمصر، بمثابة إشراق نور الثقافة بمصر ومقاومة اية مشاعر للانهزامية بلقاح الفكر والثقافة عبر نشر ثقافة العصر والعلوم والمخترعات، والحفاظ أيضاً على المنجز الفكري العربي القديم.
وقد أسهمت مجلة «الهلال» كمجلة تاريخية علمية أدبية في توثيق الثقافة العربية الشامية والمغاربية والخليجية بمرويات ووثائق عربية بعدما كانت المعلومات الثقافية عن الدول العربية مستقاة من وثائق غربية.
في مختلف الدول العربية ومنها فقد نقلت مجلة «الهلال» مظاهر الحياة الأدبية والفكرية والسياسية والاجتماعية والملامح التاريخية للدول العربية ومنها دول الخليج، وعملت على نشر قصائد الفصحى والشعر الشعبي معاً.
ونشر عشرات المواضيع الأدبية والتاريخية عن الخليج وغيره من المناطق العربية بجانب الكتب المؤلفة باللغات الأجنبية.
كذلك تحدثت المجلة عن كتاب (العرب) لبرترام توماس، وهو كتاب كان في الأصل مجموعة محاضرات ألقاها المؤلف في معهد لويل بمدينة بوسطن عن العرب. كما نشرت كتاب (نهضة العرب) لجورج أنطونيوس، وهو كتاب تاريخي يتحدّث عن المسألة العربية في شبه الجزيرة العربية، وغيرها من الكتب والدوريات.
ونقلت «الهلال» مظاهر الحياة الاجتماعية الثقافية بمختلف الأقطار العربية وأفردت المجلة عدة صفحات تحكي فيها عن أخلاق العرب وصفاتهم، ثم تطرقت إلى تاريخ الحجاز وحوادث استقلاله من الجاهلية حتى الآن، مروراً باستقلال الحجاز عن اليمن، وتاريخ الحجاز قبل الإسلام، وتاريخه في عهد دولة الأشراف الحالية.
فكانت الوجبة الثقافية التي تقدّمها مجلة «الهلال» شافية ومشبعة لكلّ متعاطي الثقافة العربية من المحيط الى الخليج، ولا تزال تقوم بدورها الثقافي مع نقص الإمكانات المادية المتوفرة أكثر بمجلات الخليج خاصة مجلة «العربي».
فقد استفاد مؤسّسو مجلة «العربي»، بلا شك، من إشراقات مجلة «الهلال» المصرية ومن انفتاحها شرقاً وغرباً في تغذية عقول ووجدان الشعب العربي، وأضافوا اليه معطيات عصرنا الحديث، ووظفوا قدراتهم المالية في تأسيس مجلة صارت هي الأخرى ركيزة للعمل الثقافي العربي منذ نشأتها عام 1958 توافرت فيها الى جانب القضايا والموضوعات المهمة التي تشغل اهتمام القراء، فنون الكتابة الصحافية الراقية مع الطباعة الجيدة والصور الملوّنة وسعرها المناسب وتحمّل الكويت مصاريف شحنها إلى كلّ الأقطار العربية.
ولا شك انّ مجلة «العربي» الكويتية قد استندت في تجربته الرائعة على ميراث مجلة «الهلال» المصرية وعبرت على سفينتها حتى استطاعت ان تكون لها شخصية ثقافية مهمة اجتذبت بها القارئ العربي.
ومما ساهم في استمرارها حتى اليوم بالرغم من تأثرها كغيرها قليلاً هو تجنّبها الخوض في معارك السياسة، واهتمامها بتغطية الجوانب العلمية والثقافية فعملت على ترسيخ علوم الطب وأخبار الاكتشافات وسير علماء الفيزياء والرياضيات وعلم النفس، في ثقافة القراء.
وعلى نهج مجلة «الهلال»، سارت مجلة «العربي» في طريق تقديم ثقافة متنوّعة لجمهورها ونقلت لهم صور للحياة الثقافية والاجتماعية العربية، فنون القص والتراث، وكذلك المبدعين الغربيين مثل فيكتور هوغو، وبرنارد شو، وأوغست كانت، وكارل ماركس، وهيغل، وباستور وألفريد نوبل.
ويبقى لمجلة الهلال المصرية فضل الريادة وصمود الأبطال رغم ضعف الإمكانيات المادية، ولمجلة العربي قدرة الاستفادة من الصرح الثقافي الذي أسّسته «الهلال» والبناء عليه تطويراً وتحديثاً…