لبنان يستذكر الحرب الأهلية ومواقف تدعو إلى الحوار وحل المشاكل سياسياً
استذكر اللبنانيون أمس ذكرى الحرب الأهلية التي اندلعت في 13 نيسان عام 1975 بسلسلة نشاطات مدنية ركزت على لبنان الموحد ورفض الحرب، كما صدرت مواقف دعت إلى أخذ العِبر من الحرب لعدم تكرارها.
واجتمع «اللقاء الروحي» في ساحة الشهداء، ليكرر رفضه للحرب، بمشاركة رجال دين من مختلف الطوائف، ممثل المدير العام لأمن الدولة اللواء جورج قرعة المقدم أيمن محمود، رئيس المجلس البلدي لمدينة بيروت الدكتور بلال حمد، وناشطين في المجتمع المدني.
ولم يمنع المطر الغزير الرافضين للحرب من المشاركة، حيث احتموا بالمظلات، وعلى وقع موسيقى قوى الأمن الداخلي، رددوا النشيد الوطني، ثم رحب الشيخ عامر زين الدين بالحضور «رغم الطقس البارد، رفضاً للحرب المشؤومة، للعام الثالث، منذ انطلاقة اللقاء، وهذه السنة بالتعاون مع بلدية بيروت».
كما ألقيت كلمات شددت على اللحمة الوطنية. وفي الختام، تم تقديم دروع لعدد من رجال الدين، تقديراً لجهودهم، ثم تلا الحضور صلاة اللقاء، الداعية الى «المحبة والتآخي والعدل والسلام».
ونفذ «الحراك المدني» في الشمال، مساء أمس وقفة عند المدخل الجنوبي الغربي لمدينة طرابلس، لمناسبة الذكرى الأربعين لاندلاع الحرب أضاء المشاركون فيها الشموع عن نية السلم والوحدة وإقرار قانون انتخاب «ملائم»، وانتخاب رئيس للجمهورية.
وأصدر المشاركون بياناً أكدوا فيه أن «هذا اللقاء ليس مهرجاناً استعراضياً، بل هو دعوة جامعة من أجل السلم والاستقرار، والوحدة والتعلم من أخطاء الماضي. دعوة لاقفال ملف الحرب وتحصين السلم الأهلي. دعوة إلى اعداد كتاب تاريخ موحد، دعوة إلى فتح ملف المفقودين والاعتذار من قبل مرتكبي الجرائم زمن الحرب، دعوة إلى وقف سياسة التحريض المذهبي والطائفي والتعبئة الاعلامية المنفلتة والسياسات الضيقة، دعوة إلى إقرار فوري لقانون انتخابي ملائم، ودعوة أساسية إلى النواب كي يسارعوا في انتخاب رئيس للجمهورية اللبنانية».
وإذ اعتبروا ان «اي حركة لا تحمل المطالب الجدية المذكورة اعلاه، لا يمكنها ان تشكل حامياً للسلم والاستقرار»، دعوا «لنكن كثراً، ليجمعنا الوطن والعلم والسلم والاستقرار، لنحمِ بلدنا وننأَ بالنفس من أجل الخلاص. عسى هذه الشمعة التي نضيئها في غروب هذا اليوم الاثنين 13 نيسان، تنذكر ما تنعاد، وتضيء درب هذا الوطن، وتنير قلب نواب الأمة ووزرائها ومسؤوليها، ليعملوا لمصلحة لبنان وفقط لبنان».
وأكد الرئيس سعد الحريري، أننا «لن نسمح أبداً أن تعود» الحرب.
وقال الحريري، في تغريدة على حسابه الشخصي على موقع التواصل الاجتماعي «تويتر»، إن «لبنان لم يخرج من الحرب الأهلية ليدخل أتون الحروب العربية».
وشدّد على أنه «لا يمكن أن نحمي لبنان إذا لم نُقفل الأبواب في وجه الحرائق المحيطة، ونتوقّف عن الذهاب اليها بأنفسنا».
ودعا النائب غسان مخيبر الى «وضع مناسبة ذكرى مرور 40 عاماً على اندلاع الحروب القاتلة والمدمرة في لبنان تحت عنوان «تنذكر تما تنعاد»، والعمل على توثيق مآسي هذه الحروب ونقلها الى الأجيال التي لم تشهدها بجميع الوسائل المتاحة، لكي يتعظ اللبنانيون جميعهم فلا يكرروا أخطاء الماضي المدمرة، واعتماد تاريخ 13 نيسان من كل سنة يوماً وطنياً لضحايا هذه الحروب ولا سيما المفقودين وحل قضية هؤلاء حلاً نهائياً، والعمل على الوقاية من أي نزاعات في المستقبل عبر بناء الدولة المدنية الفاعلة الديموقراطية».
واستذكر رئيس المجلس العام الماروني الوزير السابق وديع الخازن «الحرب المشؤومة» واعتبرها أبشع وأقبح ما مر به لبنان عبر تاريخه المعاصر، وقال في تصريح: «مهما قيل عن حروب الآخرين على أرضنا، وعلى نحو ما يحصل اليوم في سورة الجريحة والنازفة، إلا أن مناعة العقل والذاكرة تحيي فينا الأمل بتفادي تجرع كأسها السامة والقاتلة من جديد، وألا نكون كمن يحاول الانتحار الجماعي الذي نجونا منه بعدما كلفنا أكثر من مئة وخمسين ألف شهيد وحوالى مليون مهجر ومهاجر».
وناشد الجميع اليوم بأن «يتعاونوا ويتعاضدوا لأن لبنان لا يحمى إلا بالتفاف الجميع حول دولتهم وليس في كنف طوائفهم، ولنأخذ العبرة من التاريخ لأنه خير شاهد على المآسي التي مررنا بها».
ورأى الوزير السابق خليل الهراوي في بيان أن «اللبنانيين لا يزالون يدفعون غالياً ثمن حرب لبنانية أنهكتهم وآلمتهم، ورسخت انقسامات حادة لسنوات».
وأضاف: «نستحضر الذكرى اليوم وسط آمال في أن نكون قد اتعظنا من نتائج هذه الحرب القذرة، التي قيل عنها انها حرب الآخرين على أرض لبنانية وبأيادٍ لبنانية، وهذا صحيح. الا أننا نرى أن هذه الحرب لا تزال مستمرة، ولو انحسرت بالمواقف السياسية والحملات الاعلامية، فإنها لامست أحياناً لغة السلاح، وكادت أن تعيد لبنان الى زمن الاقتتال».
ودعا «تجمع العلماء المسلمين»، في بيان إلى «أن تكون ذكرى الثالث عشر من نيسان محطة لأخذ العبرة من كل اللبنانيين، بأن الحلول السياسية هي دائماً الأفضل في التعامل مع خلافاتنا. وأن اللجوء إلى الحرب هو دليل على التخلف، فبعد أكثر من خمسة عشر سنة من الحرب أضطر اللبنانيون أخيراً للجلوس إلى طاولة مفاوضات وأنتجوا اتفاق الطائف، الذي مع كل ما يعتريه من شوائب، لم يطبق كما هو إلى يومنا هذا، وما زال هناك الكثير من الخلافات التي تعصف في البلد من دون أن نجد لها حلاً، لعدم استعداد الفرقاء للجلوس والتفاهم على القواسم المشتركة ولتنظيم خلافاتهم بطريقة حضارية يكون فيها الشعب هو مصدر القرار عبر الوسائل الديمقراطية المعروفة».
وإذ اعتبر ان الحرب اللبنانية «لم تكن يوماً حرباً بين اللبنانيين بقدر ما كانت حرب الآخرين على أرضنا، لذا يجب علينا دائماً أن نبحث عن المصلحة اللبنانية بغض النظر عن انزعاج أي دولة سواء كانت قريبة أو بعيدة من أي فريق من الفرقاء اللبنانيين»، طالب بـ«تطوير اتفاق الطائف لتلافي الثغرات الموجودة فيه، بخاصة لجهة إلغاء الطائفية السياسية وتطبيقها في شكل صحيح، وبالأخص قانون انتخابات عصري يتماشى مع الواقع اللبناني ويقصي الطائفية نهائياً».
كما دعا التجمع إلى انتخاب رئيس للجمهورية وفي شكل فوري.
ودعت «حركة الأمة»، إلى «استخلاص العبر من التجارب المريرة التي مر بها لبنان واللبنانيون، لكي نحصن مناعة الوطن ضد الحروب»، معتبرة أنه «على الجميع تحمل مسؤولياتهم ودعم الحوارات القائمة لمصلحة البلاد، كوننا بأمس الحاجة إلى قيم الاعتدال والتفاهم وتقبل الآخر، فمحيطنا العربي والإسلامي يعيش أوضاعاً خطيرة ومؤسفة، ولا بد لنا كلبنانيين من أن نحصن بلدنا في وجه المخاطر».
وتوجهت بنداء إلى «كل الإخوة العرب والمسلمين، لوقف النزيف الدامي، ولتكن لغة الحوار والمصالحة هي الراجحة إرضاء لله ولرسله والمواطنين».
ودعا «حزب الخضر اللبناني»، إلى أخذ العِبر من هذه الحرب «حتى تبقى مجرد ذكرى»، عبر «الابتعاد عن لغة التحريض الطائفي والمذهبي واعتماد لغة المنطق».
من جهة أخرى، أطلقت «حملة نقطة دم» في «رابطة أبناء بيروت»، بمشاركة «حملة كتر خيرك» وجمعية «حقك تفرح»، برنامجها الانساني الخامس تحت شعار «نقطة دم بتشيل الهم»، في منطقة عين المريسة، برعاية رئيس المجلس البلدي لمدينة بيروت الدكتور بلال حمد، وذلك رفضاً لهدر الدم لمناسبة ذكرى مرور أربعين عاماً على بدء الحرب الأهلية اللبنانية.
وأشار بيان للرابطة، إلى أن البرنامج «يهدف إلى توحيد الجهود لإنشاء قاعدة بيانات لمتبرعين، وليكون بالتالي صلة وصل بين المتبرع بالدم والمحتاج إليه على مختلف الأراضي اللبنانية».
وشكر مطلق «حملة كتر خيرك»، الناشط الاجتماعي عمر عباس، الرابطة والمشاركين «الذين اجتمعوا في هذه المناسبة لايصال رسالة معبرة للبنانيين عشية ذكرى الحرب الأهلية، وهي تعزيز العيش المشترك والتحفيز على العطاء وخدمة المجتمع، بعيداً من الاصطفافات السياسية والمذهبية».