الاتفاق النهائي… هل تجهضه «إسرائيل» أم إيران؟

د. عصام نعمان

جهتان اعترضتا على الاتفاق – الإطار بين مجموعة دول 5+1 وإيران المتعلق ببرنامجها النووي. الأولى، «إسرائيل» بشخص بنيامين نتنياهو. الثانية، المعارضة الجمهورية للرئيس باراك أوباما داخل مجلسيّ الكونغرس مدعومةً باللوبي اليهودي.

أعتى المعترضتين هي «إسرائيل» بجميع أحزابها وتلاوينها السياسية باستثناء «القائمة العربية المشتركة» 13 نائباً في الكنيست. دماغُ «المقاومة» «الإسرائيلية» ورأس حربتها نتنياهو باشر حملةً واسعة وضارية داخل مجلسيّ الكونغرس الأميركي لإجهاض الاتفاق النهائي المزمع إنجازه قبل آخر حزيران أو تعديله تعديلاً جذرياً. قيل إنه اتصل شخصياً بأكثر من ثلثي أعضاء الكونغرس لحملهم على رفض «فعلة» أوباما. فوق ذلك، قام بتعبئة الرأي العام والقيادات والأحزاب وقادة الرأي لتأليف حكومة ائتلاف وطني واسع برئاسته للضغط على الإدارة والكونغرس والرأي العام في الولايات المتحدة بغية إجهاض الاتفاق النهائي أو حمل أوباما على إدخال تعديلات جذرية عليه تخدم مصالح «إسرائيل» وأمنها.

في هذا السياق، طرح نتنياهو جملة مطالب أبرزها تضمين الاتفاق النهائي التزاماً من إيران بالاعتراف بحق «إسرائيل» في الوجود، ووقف أبحاثها لتطوير أجهزة الطرد المركزي وخفض عددها، وإغلاق موقع «فوردو» للتخصيب، ونقل مخزون اليورانيوم الضعيف التخصيب المنتج إلى خارج البلد، والسماح للمفتشين الدوليين بزيارة أي موقع في أي وقت، وإلزام إيران بتقديم كشفٍ بكلّ أنشطتها النووية السابقة، وعدم إلغاء العقوبات المفروضة عليها إلاّ في شكل تدريجي ووفقاً لتقدّم تنفيذها بنود الاتفاق.

أوباما كان يتوقع مقاومة شرسة من نتنياهو للتفاهم الأميركي – الإيراني في لوزان. لذا وضع خطة متكاملة لمواجهتها في الكونغرس كما أمام الرأي العام في «إسرائيل» والولايات المتحدة.

في الكونغرس، يقوم أوباما برصّ صفوف أعضاء حزبه الديمقراطي للحؤول دون انشقاق بعضهم والتحاقه بالجمهوريين الذين يملكون الغالبية في مجلسيه. يبدو واثقاً من أنّ المعارضين الجمهوريين واللوبي اليهودي لن يتمكّنوا من استدراج 13 سناتوراً ديمقراطياً لتشكيل غالبية من 67 عضواً بغية تعطيل «الفيتو» الذي يمكن أن يستخدمه الرئيس ضدّ أي قرار محتمل لمجلس الشيوخ برفض صيغة الاتفاق النهائي.

إلى ذلك، يُطلق أوباما مواقف عدّة لتطمين الرأي العام «الإسرائيلي» كما لقسم من الرأي العام الأميركي المتعاطف مع «إسرائيل». فقد عرض عقد معاهدة دفاع مشترك معها، كما تعهّد بعدم التخلي مطلقاً عنها قائلاً إن ذلك يشكّل إخفاقاً مدوّياً لرئاسته لا يعقل أن يُقدم عليه. لكنه رفض مطلب نتنياهو باشتراط اعتراف إيران بـ»إسرائيل» لتمرير الاتفاق معتبراً ذلك أشبه باتخاذ قرار بعدم توقيع الاتفاق إلاّ بعد تغيير النظام الإيراني، وهو مطلب غير واقعي.

إذ اتسعت قاعدة الرأي العام الأميركي و«الإسرائيلي» المقتنعة بعدم واقعيته وبانتقاد مطالبه التعجيزية، اتّجه نتنياهو إلى مجابهة هذا التحوّل المستجدّ بمقاربتين، سياسية وأمنية.

المقاربة السياسية جوهرُها السعي الحثيث سراً وعلناً إلى إقناع من تسمّيه أجهزة الإعلام «الإسرائيلية» «القيادات السنيّة في العالم العربي» بضرورة الانضمام إلى «إسرائيل» في حملة الضغط على إدارة أوباما، أميركياً وإقليمياً وأوروبياً، من أجل إجهاض الاتفاق النهائي أو، على الأقلّ، إدخال تعديلات جذرية عليه تؤّمن مصالح حلفاء أميركا الإقليميين.

المقاربة الأمنية، كما كشفتها صحيفة «معاريف» 7/4/2015 ، جوهرُها جهود تبذلها المؤسسة الأمنية «الإسرائيلية» وراء الكواليس لبلورة تفاهمات مع الولايات المتحدة حول ما يمكن اعتباره انتهاكاً للاتفاق بعد وضعه موضع التنفيذ وبالتالي توضيح ما الذي ينبغي على الإدارة الأميركية فعله في حالٍ كهذه. يقول يوسي ميلمان، المعلّق الأمني في «معاريف»، إنّ هذا الحوار الجاري مع واشنطن يعني عملياً مناقشة «اليوم التالي» وما بعد سريان الاتفاق، وأن مآله هو حصر مطالب «إسرائيل» بتعديل بنوده.

ليس ثمة ما يشير إلى حصول تجاوب علني من طرف «القيادات السنيّة في العالم العربي» مع المقاربة السياسية «الإسرائيلية» لإجهاض الاتفاق أو لتعديله، ومن المستبعد أن يحصل شيء من هذا القبيل قبل اجتماع أوباما إلى قادة دول الخليج في «كامب دايفيد» خلال الأسبوعين المقبلين. المقول إنّ الرئيس الأميركي سيكون حريصاً على تقديم ضمانات أمنية وافية للقادة الخليجيين وإن كان يعتقد أن «السخط داخل بلادكم أشد خطراً من إيران».

المقاربة الأمنية تبدو أكثر قابلية للتحقق من المقاربة السياسية. فهي تنطوي على بعض التدابير المتوافقة في مراميها مع استراتيجية الولايات المتحدة في المنطقة القائمة على ثلاث ركائز: حماية المصالح الأميركية لا سيما النفطية منها ، وصون أمن «إسرائيل»، ومواجهة الإرهاب ممثلاً بـ»القاعدة» و«داعش» ومتفرعاتهما.

إذْ بدا واضحاً أن الغاية من وراء مواقف نتنياهو السلبية هي ابتزاز الولايات المتحدة للحصول على المزيد من المكاسب الأمنية والسياسية، فاجأ المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية، كما رئيسها، الولايات المتحدة وحلفاءها بمواقف حادة من مسألتي الاتفاق النووي واليمن. السيد علي خامنئي لمّح إلى أن الاتفاق النهائي في حزيران المقبل «قد لا يحصل»، وأن أي عمليات مراقبة دولية مقبلة يجب ألاّ تمسّ الأمور الأمنية والدفاعية أو «دعمنا للمقاومين حول العالم». الرئيس حسن روحاني أكد أن طهران لن توقع أي اتفاق نووي نهائي «إلاّ إذا رُفعت في اليوم نفسه كل العقوبات المفروضة عليها». إلى ذلك، هاجم خامنئي في شكلٍ غير مسبوق السعودية، مؤكداً أن حربها في اليمن ستكون خاسرة. روحاني حذا حذو المرشد الأعلى في انتقاد السعودية، واشترط رفع العقوبات كليّاً لتوقيع الاتفاق النهائي.

هل تحسّبت القيادة الإيرانية لاحتمال إجهاض الاتفاق أو تعديله جذرياً تحت ضغط «إسرائيل» فاستبقت هذين الاحتمالين بتهديدٍ مكشوف بأنها ستكون الأسبق إلى إجهاضه إذا لم يلبِّ شروطها الأساسية؟

واشنطن أحسّت بوطأة التهديد الإيراني، لكنها آثرت الترصّن في معالجته. صحيح أن وزارة الخارجية سارعت إلى إصدار بيان تكرر فيه موقفها من أن رفع العقوبات سيكون تدريجياً، إلاّ أنها تركت الباب مفتوحاً لتسوية الخلاف المستجد بقولها إنه «سيتمّ رفع تدريجي للعقوبات بعد التأكد من أن إيران أوفت بتعهداتٍ محددة». إيران قد تجد التعهدات المطلوب الوفاء بها معقولة فيصبح توقيعها الاتفاق النهائي ممكناً، أو قد تجدها غير معقولة فتعود إلى المفاوضات أو إلى مقاطعتها و… تحمّل العقوبات.

نتنياهو، وحده، يغتبط للتطورات المستجدّة ويأمل أن يتولى غيره أمر إجهاض الاتفاق.

وزير سابق

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى