منظومة بالية تبحث عن بدلة جديدة لوطن يرقد في غيبوبة!
} د. عدنان منصور*
فيما لبنان الوطن ممدّد على سرير أشرس طبقة سياسية لم يعرف مثيلاً لها طيلة تاريخه، كانت السبب الرئيس والمباشر لكلّ الأمراض التي فتكت به، لم يعد أمامها ما يحرك ضميرها الغائب، سوى البحث عن رئيس مطواع ترضى عنه، يأخذ بركته منها، ومن طوائفها!
لبنان على لائحة انتظار الرئيس القادم منذ أكثر من ستة اشهر، فيما مؤسّسات الدولة معطلة، ومرافقها المنهارة تزداد سوءاً، وحناجر المواطنين تئنّ وتعلو ولا من مجيب!
أيّ أمل يُرتجى من مسؤولين، وسياسيين، وأحزاب فعلوا ما فعلوه بلبنان، وأيّ رئيس منتظر منهم ينتخبونه، كي يعلق عليه اللبنانيون الآمال الكبار، ليوقف تحلل البلد، ويخرج اللبنانيين من المستنقع القاتل الذي هم فيه، ويستأصل الأمراض المزمنة التي نخرت جسم الوطن كله!
في بلد تعيس كلبنان، تقبض فيه أذرع أخطبوط الطبقة العميقة بكلّ قوة وشراسة، على السلطة والحكم، وترمي بعرض الحائط الدستور، والقوانين، والقيَم، لم تعد تضع في حسابها ضرورة الإسراع في انتخاب رئيس، وإن عقد مجلس النواب أكثر من اثنتي عشرة جلسات دون نتيجة، فهذا آخر همّها.
هذه الطبقة شغلها الشاغل اليوم البحث عن بدلة جديدة للبنان، وأيّ بدلة؟! فيما هو مدّد على سرير وغارق في كوما لا أحد في هذا البلد يعرف مداها.
ماذا تنفع البدلة الجديدة لمريض في غيبوبة، أياً كان لونها، أو نوعها، أو قماشها أو خياطتها، ما دامت الأمراض الساكنة الفتاكة تنخر جسمه، وأنّ الذين يريدون إلباسها للرئيس القادم، هم علة العلل لغيبوبة لبنان التي لا تنتهي ببدلة جديدة، ولا تزول بانتخابه على يد طبقة سياسية عفنة فتكت عمداً بالجسم اللبناني، غير مبالية بالوطن وحياة الشعب، وحقوق المواطن.
انتخاب رئيس للجمهورية، تحصيل حاصل، إنْ لم يتمّ اليوم، فسيتمّ غداً. لكن ما هو أهمّ بكثير من انتخاب الرئيس، هو وضع حدّ نهائي لزمرة فاجرة تحكمت فيها غريزة السلطة والمال، كانت وراء انهيار وطن وخرابه على مدى عقود.
هل يستطيع أيّ رئيس للجمهورية مستقبلاً، أياً كانت البرامج البراقة، والطروحات، والخطط، والنظريات التي يحملها، او يبشر اللبنانيين بها، إخراج لبنان من دوامة الأزمات، والخلافات، وعدم الاستقرار السياسي، والفساد، والإفساد، والخلافات بين أبناء الوطن الواحد الذين فرّقتهم سياسات الطوائف، والأحزاب، والزعامات، والمناطق والأحياء؟!
مَن يستطيع أن ينقذ وطناً من غيبوبته، ويوفر له الترياق لشفائه؟! هل بانتخاب رئيس جديد بتسوية هشة، على يد طبقة سياسية قضت على هيبة الجمهورية والدولة وأركانها، ومؤسساتها الدستورية والإدارية والقضائية، وجعل دول العالم تتندّر بحالتها التعيسة؟!
في بلد يتحلّل فيه كلّ شيء، يخشى بعد الآن على وحدة لبنان وتفكّكه، جراء إمعان البعض استنزاف الوطن، وشلّ مؤسسات «الدولة»، ومحاولتهم أخذه الى مواقع ومشاريع خطيرة تراهن عليها دول أجنبية فاعلة، تقوّض وحدة شعبه،
وتصادر عوامل قوّته، وهو في مواجهة أطماع وتهديدات العدو المستمرة.
لا شيء يُوحي بالخلاص، ولا أحد يعوّل على ما قد يحققه الرئيس «المنقذ» من إصلاحات، طالما أنّ برامج الإصلاح للمرشحين لا وجود لها في قاموسهم، وإنْ وجدت تبقى شكلية وصورية، في قبضة من أتى به الى الحكم، فيما ولاء المواطنين يبقى لطوائف الوطن، لا لوطن الطوائف!
في ظلّ هذا الواقع المرير، على اللبنانيين أن يعوا جيداً، أنّ انتخاب رئيس للجمهورية تحصيل حاصل، ولا يتوقعون منه معجزة تخرجهم من المستنقع الذي هم فيه. فالإصلاح مستحيل في بلد تحكمه طبقة متوحشة، تلتحف بغطاء الدستور، والقضاء، والقانون، فيما هي تجسّد شبكة كبيرة من الامتيازات، والاحتكارات، تغلفها وتظرفها شكلاً بديمقراطية مزيفة.
إنها المافيا التي امتلكت في لبنان كلّ شيء، وسيطرت على كلّ شيء، واستولت على كلّ شيء، واستبدت في كلّ شيء، ونهبت كلّ شيء، واشترت وتاجرت في كلّ شيء، ولم تبع ولم تسترخص شيئاً سوى الوطن والمواطن، بعد أن قامرت به داخل أكثر من قاعة من قاعات كازينوهات الجمهورية!
*وزير الخارجية والمغتربين الأسبق.